الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

دمشق - بغداد·· صحوة عربية أم ضغوط أميركية؟

8 نوفمبر 2006 01:26
رسول محمد رسول: خلال عقود خلت كانت العلاقات السورية العراقية وبسبب سيطرة حزب البعث على الحكم في بغداد ودمشق، كلاهما جناح معاد للآخر، على غير ودٍّ ولا تعاون ولا تواصل·· وكانت العلاقات بين البلدين قد توترت أكثر بعد تسلُّم صدّام حسين السلطة في العراق، وذلك عندما أقدم صدّام على إعدام عدد غير قليل من قيادات البعث العراقي الذين ساندوه في أيام النضال السلبي متهما إياهم بأنهم كانوا على صلة مع البعث السوري الذي كان يقوده الرئيس السوري حافظ الأسد في بلاده، الأمر الذي دقّ إسفين التوتر الحاد بين سوريا والعراق والذي وصل حد العداء الواسع رغم أن الاتهام ما كان قائما على أسس حقيقية ووقائع ميدانية سوى التكهنات التي كانت تعتمر رأس صدام نفسه والذي كان، هذا الأخير، قد علا للتو على رأس السلطة بعد إزاحة رفيق نضاله أحمد حسن البكر، رئيس العراق الأسبق، بسيناريو مضحك كان عنوانه الانتقال السلمي للسلطة والقيادة في العراق· كان المهم بالنسبة لصدام إزاحة البكر من على رأس السلطة وبالتالي إزاحة رفاقه الذين عارضوا تلك الخطوة التي طعنت البعث العراقي من ظهره عندما انقلب صدام على البكر وأودى برفاقه الذين عارضوا تلك الخطوة وساقهم إلى مقاصل الإعدام في مشهد دراماتيكي ترك الحزن والأسى في قلوب البعثيين قبل غيرهم في العراق حتى تهامس البعثيون العراقيون فيما بينهم بأن صدام بدأ حكمه بالانقضاض على رفاقه ويا ترى فما الذي سيفعله بالعراقيين· وكان الأمل أن تتطوَّر العلاقات إيجابيا إلا أنها شهدت تصاعدا سلبيا، خصوصا بعد اندلاع حرب الخليج الأولى مطلع الثمانينيات عندما ناصرت دمشق طهران وتعادت مع نظام صدّام· بعد انهيار نظام البعث العراقي في بغداد عام 2003 كان من المؤمل أن تعود العلاقات السورية مع العراق الجديد على الشعبين بمزيد من التعاون، إلا أنها شهدت توترا بسبب موقف سوريا من الاحتلال الأمريكي؛ فانعكس ذلك على موقف العلاقة بين البلدين· واليوم تشهد تلك العلاقة شيئا من الانفراج بعد أن أُعلن نهاية الشهر الماضي في دمشق عن زيارة وليد المعلِّم، وزير خارجية سوريا، إلى العراق، وهي الزيارة الأولى من نوعها ـ بعد الاحتلال ـ الأمر الذي أدى بالمراقبين المعنيين في شأن العلاقة بين البلدين إلى التساؤل عن سبب هذه الزيارة فيما إذا كانت ناتجة عن صحوة سورية إزاء العراق أم هي نتاج لضغوط أمريكية وإقليمية؟ مضيِّف الأمس كانت سوريا أحد البلدان العربية التي احتضنت الجماعات المعارضة لنظام البعث في بغداد، وكان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مقيما فيها، ناهيك عن رموز سياسية عراقية كثيرة تقود العملية السياسية بالعراق الجديد كانت تقيم في بلاد الشام· إلا أن كل هذه الرموز هي اليوم لا تبدو راضية عن مواقف الحكومة السورية برئاسة بشار الأسد إزاء قيادتها للعراق الجديد رغم أن موقف النظام السوري من التغيير في العراق هو موقف إيجابي ولكن موقفها من الاحتلال الأمريكي للعراق هو موقف سلبي وتحت هذه الذريعة، ذريعة الاحتلال، أغمضت الحكومة السورية عينها عن آلاف من المقاتلين العرب من أتباع تنظيم (القاعدة) والذي وصل تعدادهم حسب المصادر العراقية غير الرسمية إلى نحو سبعة آلاف مقاتل من دول عربية وأخرى غيرعربية، وتعتقد الحكومة السورية أنها سعت وما زالت إلى توافرها على ضبط الحدود مع العراق إلا أن حدودها الطويلة غالبا ما يستفيد المقاتلون منها في خلق فجوات كان منها يتسرَّب المقاتلون إلى المدن العراقية وبالتالي ينخرطون في جماعات تنظيم (القاعدة) والأجنحة التابعة له ليمارسوا أعمال عنف دموية· إلا أن هذا لا يبدو سوى تبرير فني لا أكثر؛ ذلك أن النظام الأمني في سورية هو أحد أهم الأنظمة العاملة في منطقة الشرق الوسط، كما أنه ينتمي إلى الأنظمة الأمنية الشمولية المدعومة بقاعدة معلوماتية هائلة يوفرها المنتسبون إلى حزب البعث في سوريا، ناهيك عن حجم الجيش السوري وهو جيش عقائدي يتمتع بولاء واسع إلى النظام في دمشق، شأنه شأن الدوائر المخابراتية السورية الأخرى· كل ذلك يعني أن النظام الأمني في سوريا هو من الصرامة بحيث لا يمكن أن تنفلت من سيطرته حدود بلاده مع العراق إلى الحد الذي يمكن أن يدخل عبرها العدد المشار إليه من مقاتلي الجماعات الإرهابية التي عاثت بالعراق القتل والموت المجاني، ولعل هذا هو أحد الأسباب الذي يجعل الحكومات العراقية التي مرت على بغداد بعد تموز / يوليو 2003 وحتى الآن تشكِّك بصدق نوايا دمشق إزاء العراق الجديد· لكن مع ذلك، ما زال العراقيون يأملون بأن تتخذ سوريا خطوات أكثر وضوحا في شأن ضبط حدودها لكنهم ما زالوا يكيلون النقد إلى نظام دمشق في هذه المسألة· فالحديث عن مخاطر تدخُّل دول الجوار ظل مستمرا لدى عدد كبير من المسؤولين العراقيين، خصوصا المخاطر الناجمة عن سوريا وإيران، وكان آخر تصريح في هذا الصدد قد صدر عن قيادات عراقية رفيعة المستوى في وقت لمح فيه جيمس بيكر، المسؤول الأمريكي الرفيع أيضا والذي طُلبَ منه إعداد تقرير عن الوضع في العراق ومحاولة الخروج من أزمته الراهنة يقدمه إلى إدارة الرئيس بوش، إلى أن واشنطن قد تطلب على نحو رسميٍّ وضاغط من دمشق وطهران قلب معادلة تدخلهما السلبي في الشأن العراقي إلى ما هو إيجابي بحيث تدعم إيران وسوريا المشروع الأمريكي بالعراق وفق صفقة بينهما والإدارة الأمريكية، وهو الأمر الذي كان الرئيس بوش قد ألمح إليه في خطابه يوم الأربعاء 25/10/2006 والذي أشار فيه إلى ضرورة أن تساهم دول الجوار، ومنها سوريا والأردن والإمارات وإيران، بدور إيجابي من شأنه دعم الاستقرار في العراق· بين إيران ودمشق وعلى رغم أن علاقة إيران بواشنطن ليست على ما يُرام بسبب التصادم التقليدي منذ عام 1979 إلا أن إيران تجد في كلام الرئيس الأمريكي مدخلاً لاحتواء قلق واشنطن في شأن تدخّلها بالعراق ولكن ليس بعيدا عما يجري في لبنان من حراك سياسي داخلي متصاعد، ولهذا نجد وزير خارجية إيران يحلِّق ذاهباً إلى دمشق ليلتقي الرئيس الأسد في نهاية الشهر الماضي ليتبادل معه الحوار في قضايا عدة منها: العراق ولبنان، فضلا عن تحديات المشروع النووي الإيراني والمتغير الذي جرى في كوريا الشمالية وموقف المجتمع الدولي منه· وفي إثر تلك الزيارة أعلن وزير خارجية إيران من دمشق أنه تركز الحوار مع نظيره السوري في شأن العراق، وربما ما لم يعلنه منو شهر متقي أن بلاده اقترحت إن لم تكن مارست ضغطاً على سورية من أجل فتح قناة الحوار مع العراقيين، ولهذا ذكر مصدر في وزارة الخارجية السورية يوم 31 أكتوبر الماضي عن عزم وليد المعلِّم، وزير الخارجية السورية، زيارة بغداد في وقت أكد فيه هوشيار زيباري، وزير خارجية العراق هذه الزيارة ولكن من دون تحديد موعد لها· لا أحد يستطيع أن يشكِّك في محبة الشعب السوري للعراقيين بل ومحبة الكثير من السوريين المنخرطين في حكومة الأسد، وكل هؤلاء هم على استعداد لأن يقدموا أية خدمة من شأنها التخفيف على الشعب العراقي مما يُعانيه بسبب العنف المدمِّر الذي يقع على العراقيين· وكان الشعب العراقي وما زال يأمل في صحوة سورية نابعة من ضمير السوريين القومي والعروبي والأخوي تجعل من هذا البلد، الذي يشعر العراقيون أنه الأقرب إلى تكوينهم الثقافي والحضاري، في مقدمة الدول العربية التي تُعين العراقيين على تجاوز محنتهم الراهنة· لقد فتح السوريون حدودهم أمام العراقيين الفارين من جحيم الإرهاب الدموي الذي يطاردهم في بلادهم، لكنهم فتحوا أيضا حدودهم أمام الجماعات المسلحة التي تدخل العراق لممارسة الإرهاب الدموي على العراقيين، ولا يبدو أن السوريين على استعداد للتعامل مع العراق الجديد وفق صحوة من النوع الذي نتحدث عنه، إنما وفق مصالح جديدة تريد دمشق عقدها مع الأمريكيين والإيرانيين واللبنانيين وربما مع الإسرائيليين ·· إنها براغماتية سياسية تضع أي حديث عن الصحوة جانبا بل وتعدُّه ضربا من الخيال الساذج
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©