الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

العرب والانتخابات الأميركية ·· الرهان والآلام المشتركة

8 نوفمبر 2006 01:26
خالد عمر بن ققة: ترتفع الأصوات السياسية والعسكرية في الولايات المتحدة داعية إلى إعادة النظر في المواقف الخارجية في ظل مؤشرات واضحة تكشف عن دخول أميركا والعالم معها مرحلة جديدة من العلاقات، لن تنفع فيها القوة العسكرية ، وتلك الحالة هي مآل أمم كثيرة سابقة ، ما يعني سيرنا إلى نفس النتائج التي عاشتها البشرية على طول تاريخها ، إذ كلما غرّتها القوة سواء أكانت معرفية أو عسكرية أو اقتصادية انتهت إلى الحرب ثم إلى الألم الإنساني العام ،والحروب المنتشرة في عدد من دول العالم هي دليل على ذلك ، وليس صحيحا أن الدول المحتلة مثل العراق وفلسطين وغيرهما تعاني وحدها ، بل تشترك مع أميركا وإسرائيل ، مع الاعتراف بالاختلاف في درجة الألم· على العموم فإن الآلام توجد واقعا مشتركا ، وإن اختلفت المقاصد والأهداف ، وتؤثر على المستقبل السياسي داخل هذه الدولة أو تلك ، وأمامنا اليوم الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة الأميركية، اتي ستكون نتائجها محدودة من ناحية التأثير على المواقف ، بالرغم من أنها قد يكون من تابعاتها التغيير في خطة الحرب في العراق ، المدهش أن هذه ليست المرة الأولى التي نرهن فيها مصيرنا بالانتخابات الأميركية ، وكانت النتيجة دائما استمرار الإدارة الأميركية في مواقفها تجاه العرب والمسلمين ، هذا الأمر ليس غريبا لأنه يتعلق بثوابت دولة، تقوم عليها المؤسسات، ليس شرطا أن يكون المقصود منها العداء للعرب بقدر ما هي مسعى جاد لتحقيق المصالح ضمن استراتيجية ثابتة، مصحوبة بين الحين والآخر ببعض التغيير في التكتيك· عصر ولّى وإذا سلمنا على المستوى العملي باستراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة، فإنه لا ينتظر تغيير كبير في الانتخابات الراهنة ـ وما سيحدث هو تغير الوجوه ، وليست السياسات، ما يعني أنه لا يمكن التعويل على نتائج هذه الانتخابات لجهة التغييرالفوري والحاسم، والقول إن الوضع في العراق سيؤثر على نتائج الانتخابات ، لا يصب بشكل مباشر في مصلحة العراق ، إذ أن كل القوى السياسية الأميركية غير مستعدة للهزيمة ومن ثم الانسحاب الفوري ،لأن ذلك يهز من مكانة أميركا في العالم ··هنا يأتي السؤال الهام : ما هو السبب الذي يجعل قوات التحالف تنسحب من العراق وليست القوات الأميركية فقط مع الاعتراف أنها الأكبرهناك؟ ليس هناك إلا وجود حل واحد هو مواصلة العراقيين للمواجهة، ويبدو أنهم جادون فيها، بدليل التضحيات التي يقدموها كل يوم ، حتى جعلت بعض الخبراء الأميركين، يرون أن العد التنازلي قد بدأ ليس فقط بالانسحاب من العراق ، ولكن بالانسحاب من الشرق الأوسط، تلك هي النتيجة التي انتهى إليها ''رينشارد هاس''ـ وهو أحد أهم المتخصصين في السياسة الخارجية الأميركية على حد قول باتريك سيل ـ حين قال : '' إن العصر الأميركي في الشرق الأوسط قد ولى'' ·· وأضاف : إن هذا العصر اقترب الآن من نهايته ، بل ربما انتهى فعلا'' ،وإذا سلّمنا بالرأي السابق، لـ(هاس)، فإنه يمكن اعتباره نتيجة حتمية للاستعمال المفرط للقوة في المنطقة سواء في فلسطين أو لبنان أو العراق، ما جعل دائرة المواجهة تتسع ، وهي في المحصلة لن تكون لصالح القوات الأميركية ، وبالتالي تراجع مشروعها الذي تريد فرضه بالقوة ، بالطبع فإن النخب العربية ، خصوصا الموالية لأميركا أو تلك التى ترى أن التغيير يأتي من الخارج ، تعتبر هذا القول نوعا من المبالغة حتى لو جاءت من السياسيين والباحثين الأميركيين ، وعدم القبول آت من قضائها على آمل الكثيريين، الذين يمثلون إمتداداً لأمثالهم في الدول العربية خلال الفترة الاستعمارية· طرفان متناقضان الملاحظ أننا في دولنا العربية بين طرفين متناقضين يجذبنا كل واحد منهما إلى ساحته ، الطرف الأول يبالغ في الوجود الأميركي لدرجة اعتباره قدرا لا يمكن مقاومته، وبذلك يرى من الضروري التسليم بوجوده والعمل على التعايش معه والقبول بأوامره مهما كانت متناقضة معنا، حتى لو تناقضت مع البعد الإيماني، بل أنه يرى في ضغوطه على الأنظمة الحاكمة خروجا من المأزق الذي يكاد يقضي على وجودنا ·· وبوعي او بغيره يعمل على تثبيط العزائم ويشكك في أي نتائج عملية ملموسة تحققّت نتيجة للمقاومة الآن أو في الماضي القريب، وفي كل هذا ينطلق من أمرين : القوة الأميركية أولا ، وشرعية وجودها باعتبارها داعية للتقدم والديقراطية ثانيا· الطرف الثاني ، يتناقض في مواقفه مع الطرف السابق ، لكونه يرفض الوجود الأميركي والغربي عموما ويدعو إلى مقاومته ، ويهوّن من قدراته، ويبالغ في توقع هزيمته عاجلا ، متناسيا الفارق في القوة، وتلك مبالغة إن تواصلت فستؤدي إلى كوارث لأنها تزيّف وعي الشارع ، فأميركا قوة لا يستهان بها بدليل أنها مقابل تدمير البرجين في 11 سبتمبر قضت على دولتين في العالم الإسلامي هما أفغانستان والعراق من منظور البعض ، لكن بالنسبة للآخرين فإنها فرضت واقعا سياسيا جديدا قضى على الديكتاتورية والتخلف، مع أنها كانت طرفا أساسيا في وجودهما··إن هذا الطرف يناقش الأمور بعاطفة، يراهن على أعمال رفض متفرقة تقع في هذه الدولة أو تلك، ولا شك أن تلك مهمة، خصوصا إذا انضوت الجماعات التي تقوم بها تحت تنظيم واحد يكون هدفه التغيير، وليس إعادة نظام أثبت فشله في القيادة وفي حماية الدولة· التمرد العراقي وبعيدا عن الطرفين السابقين فإن هناك شعوراً لدى العسكريين الأميركين بضرورة تغيير أساليب المعاملة مع الشعوب التي تحل القوات الأميركية بينها لتحقيق الاستقرار ، وذلك لصالح المشروع الأميركى ، يظهر هذا في قول جيفري ريكورد ـ استاذ في معهد سلاح الجو ـ : إن الجيش الأميركي غادر فيتنام وهو مستاء جدا من عمليات مكافحة التمرد·· ولم يهتم هذا الجيش خلال ثلاثين سنة في مكافحة التمرد إلى أن واجه المتمردين في العراق '' رغم أن حديث جيفري ريكورد لا يتناول حق الشعوب في مقاومة الاستعمار ، ويعتبر ما يحدث في العراق مجرد تمرد، وكأن قوات التحالف هي قوات شرعية للدولة العراقية ، إلا أنه يكشف عن الأخطاء الأميركية المتراكمة التي سندفع ثمنها في المستقبل مثلما دفعنا في مراحل سابقة أخطاء الاستعمار حتى تحكم في مصير أمتنا لعقود من الزمن· لكل ما سبق لا يمكن لنا التعويل على نتائج الانتخابات الأميركية الراهنة مهما كان حجم التغيير الذي سيحصل، والرهان يكون على الذات وعلى الجبهة الداخلية ، وهو نراه في الفعل العراقي في الميدان ، مهما حاولت قوات التحالف ومعها بعض السياسيين العراقيين تشويه قدسية الفعل التحرري ·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©