الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محاولة للمشي على الأشواك

محاولة للمشي على الأشواك
10 فبراير 2010 19:19
المخرج إسامة فوزي عاشق للتمرد، وكسر التابوهات ويتجلى ذلك في فيلمه السينمائي الجديد “بالألوان الطبيعية” قصة وسيناريو هاني فوزي وبطولة كريم قاسم ويسرا اللوزي ورمزي لينر وفرح يوسف وفريال يوسف وإبراهيم صلاح وانتصار وسعيد صالح وحسن كامي. ويقتحم المخرج للمرة الثانية أكثر المناطق الشائكة في المجتمع وهي علاقة الدين بالفن والإبداع وكأنها قضية تمثل هماً خاصاً لديه. ويطرح في الفيلم قصة شاب موهوب يحلم بأن يكون فناناً مبدعاً يلتحق بكلية الفنون الجميلة ووجهة نظره هذه المرة حول المد الديني وتأثيره على الفن والإبداع بعد أن طرح الرؤية المسيحية في فيلمه السابق “بحب السينما”. اختار الإخوان فوزي المؤلف والمخرج التعبير بألوان صارخة ونماذج تحمل قدراً من المبالغة المقصودة ربما لتصل الأفكار بوضوح من خلال شخصيات هذا العالم الذي اختاره كعينة مصغرة للمجتمع بأسره. وبشكل مباشر يأخذنا الفيلم من اللحظة الأولى الى القضية الأساسية لنرى “يوسف” (كريم قاسم) يدعو الله أن يلتحق بكلية الفنون الجميلة وبينما والدته (الفنانة انتصار) تحتفل بنجاح ابنها في الثانوية العامة وتعلن للجيران رغبته في ان يصبح رساما ونتلقى اول رد فعل عن نظرة المجتمع للفن وتراجع قيمته أمام طغيان القيم المادية وينصحها البعض بأن يحترف النقاشة أفضل. وتتوالى الأحداث ليدخل “يوسف” صراعاً نفسياً بعد التحاقه بالكلية التي طالما حلم بها فهو يجد كثيراً من الأسئلة تحاصره وتسبب له الحيرة ويشاركه العديد من زملائه الذين يواجهون نظرة المجتمع الضيقة للفن بين الحلال والحرام، مما يفقد البعض قدرته على التعبير والإبداع لأنه يشعر بأنه يرتكب أخطاء يعاقبه عليها الله. ويرتبط “يوسف” بعلاقة عاطفية مع زميلته “إلهام” يسرا اللوزي ونرى كيف يسيطر عليهما الشعور بالخوف من العقاب وانتقام السماء لأن الحب اقترن لديهما بالإحساس بالخطأ والحرام. وهي علاقة تختلف عن علاقة زميليهما “علي” (رمزي لينر) وصديقته “علا” (فرح يوسف) وكيف تحرر كل منهما من الإحساس بالذنب فالأول لا يشعر بالانتماء إلى شيء وصديقته عاشت في الخارج لسنوات طويلة مع والدتها الألمانية. ويدين الفيلم الكثير من أوجه الفساد في المجتمع ـ الكلية ـ لنرى كيف يستغل الأساتذة والعميد الطلبة في أعمالهم ومشاريعهم التجارية والأسلوب السيئ في اختيار المعيدين والتحكم في أعمال الطلبة والتقديرات التي تتدخل فيها المصالح والأهواء. يستعرض السيناريو التحول التدريجي في المجتمع من خلال تشدد بعض أساتذة الكلية ورفضهم فكرة الموديلز العارية وتحول “الهام” وخضوعها لضغوط المجتمع فنراها قد ارتدت الحجاب ثم النقاب ويصعب على “يوسف” التعرف عليها بعد أن أصبح النقاب هو الزيّ السائد في الكلية. وعلى الجانب الآخر نجد “علا” (فرح يوسف) وصديقها “علي” (رمزي لينر) وصلت علاقتهما الى طريق مسدود فقد قررت “علا” أن تنجب وتحتفظ بطفلها رغم رفض “علي” وعدم قبوله لفكرة الزواج وتحمل المسؤولية لذلك تأخذ طفلها وتسافر مع والدتها الى الخارج. ويجد “يوسف” نفسه وحيدا بعد أن رفضت “إلهام” مواصلة العلاقة معه وقررت التخلي عن عملها في أن تصبح مهندسة ديكور في المسرح والسينما وانتقلت الى مجال آخر ليكون طموحها هو العمل كموظفة في أحد المتاحف وتدخل حياته المعيدة الجميلة (فريال يوسف) التي يعرف الجميع علاقتها الخاصة مع عميد الكلية (حسن كامي) وتتوطد علاقتهما ويكتشف “يوسف” أنها سعت إليه بهدف استغلاله ليكمل لها مشروع الماجستير الخاص بها بعد أن لمس الجميع موهبته وفي المقابل تعده بأن تمهد له الطريق ليتم تعيينه في الكلية ويرفض “يوسف” تلك المقايضة وينتصر لموهبته ونفسه بل ويرفض قيود الوظيفة ليطلق لفنه الحرية في التعبير بعيدا عن الهواجس والمخاوف من تبعات الصراع مع عقول أصبحت أسيرة لواقعها، ويأتي مشهد النهاية المفتوحة لنرى “يوسف” مع والدته (انتصار) والموديل الجديدة (منى هلا) والداعية الذي سيطر على عقول الشباب بأفكاره وكأن “يوسف” مازال يعيش الصراع وتتنازعه كل هذه الاتجاهات. لجأ السيناريست هاني فوزي الى المباشرة والخطابة في كثير من المشاهد ليعلن رفضه لسيطرة التيارات السلفية على المجتمع التي أدت الى الخوف والتشكك مما افقد الفيلم التلقائية والسحر من خلال صورة واضحة لم تكن بحاجة لتعليقات ونجح المخرج أسامة فوزي في طرح قضيته واستعرض رؤيته ببراعة في اختيار أماكن التصوير والدفع بمجموعة من الوجوه الشابة المتميزة في أدوار ملائمة لمراحلهم العمرية ويحسب له قدرته على إدارة هذا الفريق من الوجوه الجديدة، وبعيدا عن المعايير الأخلاقية أسرف المخرج في المشاهد العاطفية والجنسية ربما ليحقق البعد التجاري لفيلم يحمل طابعا فلسفيا. وتفوق اداء كريم قاسم عن تجاربه السينمائية السابقة في “أوقات فراغ” و”ماجيك” وجسدت يسرا اللوزي التحولات التي مرت بشخصيتها بتلقائية وكان اداء رمزي لينر لافتا بحضوره المميز على الشاشة ولم يضف الفيلم لرصيد فرح يوسف التي يبدو أنها ستعاني أسر المخرجين لها في شخصية الفتاة المتحررة لفترة. اما حسن كامي فهو يتمتع بقدرة على الإقناع والتعايش مع كل مشهد ويحسب لسعيد صالح قبوله مشاركة الوجوه الشابة في شخصية “الموديل العجوز” التي أداها ببساطة وأضاف الكثير من القيمة للفيلم. وظهرت لمسات مهندس الديكور صلاح مرعي في كل مشهد ولقطة واستغل خبرته في اختيار مجموعة من الأعمال الفنية واللوحات المعبرة كخلفيات للأحداث وشاركه رسم الصور السينمائية مدير التصوير طارق التلمساني الذي نجح في توظيف الظلال والإضاءة وعبرت الموسيقى التصويرية لتامر كروان عن الصراع المستمر والتحولات التي انتهت الى التباين والمفارقة التي يعانيها أبطال الفيلم في مجتمع يعاني بعض أفراده بسبب تطلعاتهم وطموحهم في الحرية ونصفه الآخر يسحبه الى عصور مضت وقضايا جدلية. وقد واجه الفيلم موجة شديدة من الاعتراض والرفض من اساتذة وطلاب كلية الفنون الجميلة وعميدها الذي طالب بمقاطعة الفيلم لما يمثله من اساءة كما طالبت لجنة البحوث والترجمة بالأزهر بضرورة عرض الفيلم على مجمع البحوث الإسلامية ووصفه بعض أعضاء المجمع بأنه يحتوي على قيم مخالفة للتعاليم الإسلامية، وفي المقابل أعلن صناع الفيلم أن هذا الجدل يعبر عن الحالة التي يرصدها الفيلم ويحذر منها
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©