الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بوتين.. هل يغزو أوكرانيا؟

13 سبتمبر 2014 00:02
ترودي روبن محللة سياسية أميركية في عام 1949، نشر «جورج أورويل» روايته الشهيرة بعنوان «1984» يصف فيها النظام الشمولي، حيث تفيض «وزارة الحقيقة» بدعاية كريهة تسمى «اللغة المخادعة»، تقلب الحقائق التاريخية رأساً على عقب. وفي الأسابيع الأخيرة ظهرت هذه اللغة المخادعة بصورة جيدة في موسكو، حيث نفى الرئيس فلاديمير بوتين تماماً أي وجود روسي في أوكرانيا، حتى مع الآلاف من القوات الروسية والأسلحة الثقيلة التي غزت تلك الدولة، بحسب ما قيل. والأمر الأكثر مدعاة للقلق أن قادة حلف شمال الأطلسي «الناتو» الذين اجتمعوا في «ويلز» مؤخراً لمناقشة تطورات الأزمة الأوكرانية رفضوا التنديد بتدخل بوتين باعتباره «غزواً». وهذا الفشل يؤكد أن الزعيم الروسي ظهر منتصراً في قمة «ويلز»، حتى وإن لم يكن حاضراً. كما يضمن هذا الفشل أيضاً أن وقف إطلاق النار المؤقت الذي تم التوصل إليه بين كييف و«المتمردين» الأوكرانيين لن يستمر. وكما يؤكد «أورويل»، فإن اللغة تلعب دوراً حاسماً في الحرب. وعليه، فإن آلة الدعاية الخاصة ببوتين كانت حاسمة في حشد تأييد الروس لسياسته، وكذلك في الأقاليم الروسية في شرق أوكرانيا. وفي الوقت نفسه، فإن تردد الغرب في تحدي سرد بوتين قد شل جهود «الناتو» الرامية لمنعه من تمزيق أوصال أوكرانيا. وعندما قيل إن متسللين من روسيا سقطوا في أوكرانيا وأرسلوا إلى بلادهم في أكياس الجثث، أصر الكرملين على أنهم كانوا «متطوعين»، أو أنهم عبروا الحدود عن طريق الصدفة. وتم إسكات أمهات القتلى، وتُركت قبور الجنود بلا علامات، بينما تعرض عدد قليل من الصحفيين الروس الذين أوردوا القصة للهجوم. وأنكر الكرملين بشكل صارخ ما يراه العالم عبر صور تم التقاطها بالقمر الصناعي، ومشاهد مادية لطوابير الروس أثناء اجتيازهم الحدود. وداخل روسيا، سيطر الكرملين بالكامل على جميع المحطات التلفزيونية التي يحصل معظم الروس منها على الأخبار. وفي شرق أوكرانيا، قطع وكلاء بوتين إشارة البث عن المحطات الأوكرانية، وأصبح المصدر الوحيد للأنباء بالنسبة للناطقين بالروسية هو الدعاية التلفزيونية القادمة من موسكو. وهذا يعني عرض نظام ثابت من القصص المختلقة ومقاطع الفيديو المشكوك في صحتها، التي تصور حكومة كييف وكأنها مجموعة من الفاشيين النازيين الحريصين على قتل الأوكرانيين الناطقين بالروسية. ومثل هذه الدعايات الشيوعية هي التي ولدت التأييد الروسي لبوتين في داخل الوطن بينما تبث الرعب في قلوب الروس في شرق أوكرانيا، ومكنت بوتين أيضاً من الترويج لضم شبه جزيرة القرم كعملية إنقاذ للروس هناك. ولكن استطلاعات الرأي تظهر أن الشعب الروسي ليست لديه شهية للقيام بغزو، ولذلك فإن التلفزيون الروسي ينفي باستمرار أن تكون القوات الروسية قد غزت أوكرانيا. وفي غضون ذلك، رفض الرئيس أوباما وغيره من زعماء «الناتو» تسمية الغزو أيضاً باسمه الصحيح. وقد اعتمل الغضب في نفوس مسؤولي الغرب ضد التدخل الروسي ولكنهم -مع الاستثناء الملحوظ لزعماء دول البلطيق وبولندا- تجنبوا بشكل مثابر استخدام كلمة «غزو». والسبب في ذلك، كما ذكر وزير خارجية ليتوانيا «ليناس ينكفيتشيوس» لصحيفة «نيويورك تايمز»، يبدو واضحاً: «إذا ما وصفت شيئاً بأنه أقل من غزو فإنك تشعر بأنه لا يلزمك التفاعل». وفي الواقع، فقد كان من الواضح، خلال قمة «ويلز»، أنه -عندما كان الأمر يتعلق بمنع روسيا من تقطيع أوصال أوكرانيا- لم يستطع قادة «الناتو» الموافقة على أي شيء أقسى من توسيع العقوبات الاقتصادية الحالية. ولم يوافقوا بالطبع على إرسال أسلحة دفاعية إلى أوكرانيا، التي هي في أمسّ الحاجة إليها. وقد كان للعقوبات بعض التأثير - فمن دونها، ربما كان بوتين سيرسل عشرات الآلاف من القوات إلى أوكرانيا، بدلاً من قوات يتراوح قوامها بين 1000 و3000 جندي فقط. ولكن الزعيم الروسي طور شكلاً جديداً من الحرب الهجينة باستخدام حيلة لإرباك الدول الغربية، مظهراً أن فرض مزيد من العقوبات لن يردعه. وعندما أثبت الوكلاء الروس عدم كفاءتهم، وكانت القوات الأوكرانية على شفا هزيمة «التمرد»، دفع بوتين بما يكفي من القوات الروسية والمعدات الثقيلة لصد تقدم القوات الأوكرانية. وليست لدى حكومة كييف الموارد التي تساعدها على الصمود أمام الهجوم الذي تدعمه روسيا، ولذلك فقد يتم إجبارها على الرضوخ لإملاءات بوتين الذي يحاول إعادة إنشاء الإمبراطورية الروسية. وإذا ما سمح «الناتو» لهذا بأن يحدث، فإن بوتين يكون قد نجح في تدمير النظام الدولي في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، الذي يستند على فرضية ألا تقوم دولة بغزو دولة أخرى. وعلى رغم ذلك، إذا ما واصل «الناتو» التظاهر بأنه ليس هناك غزو، يستطيع أيضاً التظاهر بأن شيئاً لم يتغير. وبطبيعة الحال، فإن دول البلطيق وبولندا، وهي أيضاً من الدول الأعضاء في «الناتو»، تكون عرضة للوقوع فريسة لمثل هذه الذرائع، وتخشى أن تكون هي الضحية القادمة لبوتين. ولهذا السبب تريد هذه الدول أن تسمي الغزو الروسي لأوكرانيا باسمه الحقيقي. إن رفض «الناتو للغة» بوتين قد يفتح الباب لالتزام أكثر قوة بحماية شعوب دول البلطيق وبولندا من التدخل الروسي. ومثل هذه الحماية ستتطلب وجود قواعد دائمة لحلف «الناتو» في هذه الدول. وبدلاً من ذلك، عرض الحلف وجود قوة رد سريع سيكون لها تأثير صغير ضد حرب بوتين الماكرة. وقد رفض «الناتو» خيار القواعد العسكرية بسبب اتفاقية عام 1997 مع روسيا التي تقضي بعدم وضع «قوات مقاتلة كبيرة» في وسط وشرق أوروبا. وعلى رغم ذلك، فمن خلال غزو أوكرانيا -ناهيك عن غزو وضم القرم- قامت موسكو علناً بانتهاك اتفاق آخر هو مذكرة بودابست لعام 1994، التي تلزمها باحترام سلامة أراضي أوكرانيا. كما أن غزو بوتين لأوكرانيا من شأنه أيضا أن يلغي اتفاق 1997. وما لم يواجه أوباما وغيره من زعماء «الناتو» ما يفعله بوتين، وليس ما يقوله، فلن يتردد في شن حرب هجينة في أماكن أخرى، وهو يشعر بأنه آمن لأنه يعلم أنه يستطيع إنكار أفعاله أمام شعبه وأمام العالم. ومن خلال تقبل لغة الكرملين، يكون «الناتو» قد أعطى بوتين تفويضاً مطلقاً لمواصلة زعزعة استقرار أوروبا - وتدمير أوكرانيا. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©