الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشرق والغرب يلتقيان فنياً وفكرياً في أبوظبي

الشرق والغرب يلتقيان فنياً وفكرياً في أبوظبي
10 فبراير 2010 19:16
على أرضية من الرخام الأبيض توزعت عشرات من التماثيل الصغيرة التي لا تتجاوز 20 سنتيمتراً وهي في أوضاع مختلفة، متحفزة في أغلبها، منحنية، منكسرة وبعضها قد سقط فعلاً وهو في محاولة جديدة للنهوض، بينما ترى وسط هذا الكم من التماثيل حبالاً ملتفة على بعضها تحيط بها تلك التماثيل الصغيرة بل ترنو الى تشابكات الحبال مستغرقة ومتسائلة: كيف يمكن تسلق تلك الحبال للصعود إلى القمة؟ ثمة تماثيل تسلقت وبعضها كاد أن يصل إلى الأعلى، وأخرى لا تزال في الالتفافات السفلى من الحبال. تماثيل أخرى قنعت بما حققته من إنجازات، بينما ترى تماثيل لم ترض بما لديها فهي تواصل الصعود كل واحد على طريقته حتى لو اضطرت الى أن تزيح التماثيل الأخرى التي تقف في طريق صعودها نحو الأعالي، ربما هي النيرفانا التي يحلم بها كل تمثال على حدة. “التماثيل صورة للبشر والحبال صورة لدوامة والتفاف الحياة وقمة الحبال النيرفانا المتخيلة”. هذا ما حاولت الفنانة الإماراتية كريمة الشوملي أن تقدمه للمتلقي ضمن نظريتها الفلسفية في تصور “دوامة الحياة” في عمل تركيبي أثار دهشة الجمهور ضمن معرض “رحلة تباينات وتشابهات” في احتفالية “لقاء الشرق والغرب” التي أقيمت في أوظبي الأسبوع الماضي. حدود التأويل أنجزت كريمة الشوملي عملها هذا Lifeswirt Bandage Robewirp في عام 2002 وهو عمل أرضي، تركيبي يستغل التأويل إلى أقصى غايته ويحفر في جوف القضية البشرية إلى أبعد الحدود، يحاور الذات والآخر، ليقول لنا بكل اختصار: إذا أردت أن تعرف الآخر، دواخله، رغباته، عليك أن تعرف ذاتك، فمن خلالها تفهم العالم حولك. وقد نتساءل: هل أرادت الشوملي أن تفعّل فكرة ضمن أفكار كثيرة تؤمن بها ومنها “فقدان القيمة، والصمت والحوار الداخلي”، أم أنها أرادت أن تنقل موقفاً محايداً لفنان يرى صراع العالم هكذا. ومن الغرابة أيضاً أن كريمة الشوملي تصر في مجمل أعمالها وهي 17 لوحة وصورة فوتوغرافية بالأبيض والأسود أن تستخدم “الحبال” أنموذجاً مهيمناً على فكرتها في “دوامة الحياة” و “الحوار الداخلي” وحتى “الصمت”. “الحبال” لدى الشوملي موطن القهر الذاتي والحياة الصعبة والصراع الأزلي، الحبال السجن اللامتناهي للذات في حالة من الخلق اللاإرادي، جذع الشجرة التي تنشئ حبالها وتحيط نفسها بها، الطوق والأسورة في يدي المرأة، في عنقها في ذاتها التي تحاول الخروج منها، ذلك ما ينشأ عن الحوار الداخلي المسجون في الذات الخائفة من العالم، من التفاف الحياة كأنها جبل من الحبال تتصارع حوله التماثيل/ الإنسان. الواقع والتجريد عبرت كريمة الشوملي عن الصمت/ الفراغ في أكثر من لوحة وصورة فوتوغرافية (Silnce (Photogragh بحجم 40X60 ومن أعمالها في عام 2005 وأخرى Silnce (Painting) 120X120، ومن أعمالها في عام 2008، ولابد من الالتفات الى أن تطور هذه الفكرة عند كريمة الشوملي من الصور الفوتوغرافية 2005 الى اللوحة 2008 قد حول الفكرة نفسها داخل الفن من الواقعية الرمزية إلى التجريد المرمز بشكل قوي حتى أننا ولمدة 4 سنوات كما هو مؤشر في منتج/ زمن إنتاج اللوحة أن الفكرة بدأت تختمر في توجهات كريمة الشوملي النفيسة وهذا ما قالته في حوارنا معها: تراني قد قدمت 4 موضوعات في لوحاتي وهي (الصمت، وحوار داخلي، ودوامة الحياة، وفقدان القيمة) طرحت فيها 4 مفاهيم مرتبطة أغلبها بالإنسان نفسه، سواء أكان شرقياً أم غربياً، وأعتقد أن تنويعها بين التصوير الفوتوغرافي والأعمال التركيبية واللوحات الفنية جعلها نوعاً من اختلاف نوعية الطرق وأساليبه. استخدمت كريمة الشوملي الألوان الحارة بكل حدتها، صدمتها، انبهارها في لوحاتها التي صرخت بقوة في وجه العالم، حتى أن الفراغ لم يعد فراغاً إلا في الفم المغلق/ المفتوح الذي يرمز بقوة إلى الصمت. روح التعايش عماد بشارة فنان لبناني اشترك في المعرض أيضاً، بعد تجربة من التنقل بين بيروت وأستراليا وفرنسا والإمارات، وقدم عماد 23 عملاً تشكيلياً مستخدماً الماكس ميديا ومنحوتة واحدة من الفن التركيبي. في لوحته المهمة “التعايش” قدم بشارة مستويات ثلاثة في لوحة واحدة “لم يعرف لماذا فصل اللوحة إلى أجزاء ثلاثة” في حواره مع “الاتحاد الثقافي” أثناء افتتاح المعرض، وهذا جانب مهم يتعلق بلا شعور الإبداع. اللوحة 200X60 سم وأنجزت عام 2005 في دبي باسم Aq ari s mixed nedia on canvas Typtich، يمثل جانب منها فكراً إسلامياً وآخر مسيحياً وثالث يمثل الديانات الأخرى، أما اسم الجلالة “الله” فهو اللفظ الجامع لكل اختلافات البشر، إنه روح التعايش والتآلف الإنساني، حاول من خلاله الفنان أن ينقل فكرته عن التعايش الإنساني مستخدماً الإيقونات الإسلامية في إطار المستوى الأول حيث فتحة الكأس التي تفيض جلالاً هي الشمس في الأعالي، يسندها الصليب الممتد من زاوية اللوحة الثالثة السفلية، بينما بدا السلام مهيمناً في روح وجذور تلك الأديان. 3 مربعات في الجهة السفلية اليمنى من اللوحة وكلمة السلام في الجهة السفلية اليسرى من اللوحة تتقابل في تماثل خلاق. عماد بشارة استخدم في أغلب أعماله الحديد مع الورق في 8 لوحات تقريباً، تحت مسمى The Movement بحجم 59X40 ومن نتاج عمله في أستراليا عام 2006، وتتلخص الطريقة باستخدام ورقتين وبينهما يلصق الحديد ليتعشق الصلد، الحاد، الصلب مع الرقة والنعومة والشفافية ليترك انطباعاً عن تعايش الذات والآخر حتى باختلاف المستوى في الصلابة والشفافية. الوضوح والغموض في أعمال بشارة رمز غير مألوف، رمز قادر على القول، بعيداً عن الوضوح قريباً من الغموض، في لوحته I dont see yo ثمة قدم إنسان مختف تماماً وسط هالة من الألوان المتداخلة، ثمة شبح لا يرى، وشبابيك مغلقة وفضاء لا مرئي، الصورة مكتفية بكل فضاءات اللوحة، غير أن ثمة “طربوشاً” معلقاً أسفل اللوحة تتدلى منه خيوطه السوداء، طربوش أحمر لرجل غائب. تبدو اللوحة نتاج أعمال مصغرة، اشتغلها عماد بشارة حتى أنها استطاعت أن تبني جسدها بقعة بعد أخرى، لوحة بعد لوحة في استمرارية جميلة تحس فيها بترابط أعمال هذا الفنان الذي يبحث عن فكرة واحدة كي يطورها. “لقاء الشرق والغرب” قدم أعمالاً لستة تشكيليين وفوتوغرافيين عالميين أخذنا اثنين منهما وهما كريمة الشوملي وعماد بشارة باعتبارهما يمثلان فن الشرق وسنقرأ لاحقاً بعض أعمال أربعة فنانين هم الفنان الكندي ج. ج شراكي، والفنان بنديكيت مستانمتز، وماركوس شيلي من ألمانيا، والفنانة الإسبانية سوزانا لادو، كونهم فنانين من الغرب يدعون الى التعايش مع الشرق وجميعهم قدم 84 عملاً فنياً وفوتوغرافياً و7 منحوتات وأعمالاً تركيبية. جسر الحياة في معرض “رحلة تباينات وتشابهات” قدم بندكيت 15 صورة فوتوغرافية بالأبيض والأسود، احتلت جداراً منحنياً من قاعات نادي ضباط القوات المسلحة الذي أقيم فيها المعرض. في صورته البانورامية American Trypticon Golden Cate بحجم 70X50 سم التي التقطها في عام 1996 في أميركا ـ سان فرانسيسكو ترى الضباب مشعاً وسط الصورة، وكأن الجسر يخترق الضباب ليصل الى اللامتناهي، يمتد في هذه الخالة التي هيمنت بكل إحساسات الفنان بنديكيت الرائعة على الصورة. وقد نتساءل هل أننا نقف اليوم على جسر الحياة الذي يؤدي الى هالة من الضباب المجهول. أم أننا ذاهبون الى فكي الحوت في صورته الفوتوغرافية Kaios - F ssgenger بحجم 70X50 والتي التقطها عام 2007 في باريس، أم أننا نصعد على سلم الى الأعالي طالبين “النيرفانا” كما في صورته الفوتوغرافية Wege inden Dsch ngel - Wag4 - Lichttr epire بحجم 70X50 والتي التقطها في عام 1998 في Belize التي تشبه في رمزيتها العمل التركيبي “دوامة الحياة” لكريمة الشوملي. هنا عند بنديكيت نرى سلما من حجر قديم يصعد للأعلى وسلما آخر من خشب معلق على جدار يجاور الآخر، الظلال الجميلة موزعة بدقة، كل شيء يمتلك سواده إلا جدار السلم الحجري وأضلاع السلم الخشبي، تلك هي براعة الفنان الفوتوغرافي عندما يجزئ العالم في صورته، وكأن العين هي التي تمنح الأشياء بريقها، ضوءها. الجلال الفني ماذا أراد ماركوس شيلي أن يقول في 13 لوحة زيتية ومنحوتتين؟. يمكن تقسيم الأعمال الزيتية الـ 13 عملا لماركوس الى 7 أعمال واقعية و4 أعمال تجريدية، فالواقعية منها استلهمت البيوت الكلاسيكية والكاتدرائية والكنائس القوطية حيث نجد السقوف المزخرفة والرسوم الأيقونية فوق جدران الرخام المطعم بالصور المبهرة والجلال الفني ينطق من كل الزوايا، أحزمة الأركان تقرأ فيها حكايات وانتباهات لفظية وإشارات كنسية والشبابيك المنسرحة على طول الجدران، والأثاث القديم والستائر المتدلاة من عصور سحيقة، كل ذلك شكل واقعية مضببة أراد لها ماركوس أن تتمايل على جسد اللوحة في استخدامات لونية باهتة لم يحاول الفنان أن يشعرنا بواقعيتها الحادة، بل برمزيتها الأخاذة، كان ذلك في أعمال قدمها لنا عنHotel De Crillon Poris بحجم 60X100 سم رسمها عام 2008/2007 وفي M nich وفي Palazzo Castel. Sant angelo بحجم 100X120 سم رسمها عام 2007/2005 في Selei Rome. لقد كان لقاء الشرق والغرب تعبيراً عن نقطة التجاذب على جسر الحياة بين فنانين نظروا للآخر من زاوية إنسانية خلاقة، فحق أن يقال إن اللقاء تحقق هنا في أبوظبي بكل شفافية وعمق وتجاذب. أعمال شابة قدم لقاء الشرق والغرب معرضاً آخر مجاوراً للمعرض الرئيسي للفنانين الستة من الشرق والغرب، وكان المعرض لطالبات الكليات التقنية العليا. حاولت فيه 18 طالبة وهن نورة العامري ومريم الزعابي وبشاير العامري وأميرة الكثيري وأماني المهيري ونورة المنصوري وسارة الحوسني وميثا سعيد ومريم يونس وهدى الجنيبي وشمة المقبالي وريم المقبالي وإيمان البوكاني وعهود الملا وخلود صالح. بدت أعمال الطالبات مفعمة بروح الشباب لوناً وموضوعة مع استخدامات موروثية طاغية ضمن أطر أيقونية تراثية. القناديل، القباب، الصحراء، الوجوه الفتية، الرمز الشفاف، والعميق، الزيت يختلط بالمائي والماكس ميديا تمتزج مع الجمفاص والورق، 18 عملاً شكلت رؤية قوية، جاذبة، بالرغم من كونها تتلمس البدايات، إلا أنها بدايات صلبة، يافعة، قادرة أن تقول الكثير، إذ لا تزال الأيدي الطرية في لمساتها اللونية الأولى، حيث يُختلط التعبير باللون عن الأشياء، بل تبدو الكثير من الألوان خارج عن دلالاتها، ولكن بالرغم من ذلك تبقى هذه الأعمال إضافة شابة لمسيرة طويلة سوف تأتي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©