السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بوركت يا رمضان

27 أغسطس 2011 23:30
إننا نشيع هذا الشهر وقد يسر لنا الله تعالى صومه، وأعاننا على قيامه. إنا نشيعه وفي نفوسنا أسف لفراقه. فإن أيامه المشرقة ولياليه النيرة بصلاة التراويح والتهجد والألسنة المعطرة فيه بذكر الله وتلاوة القرآن، لا يجد أحباء رمضان ما يجدونه فيه في بقية أشهر العام. رمضان يعد مدرسة الأخلاق الفاضلة والسلوك الحضاري الفاعل والقيم العالية والآداب الحسنة، وهو مناسبة لمزيد من التمسك بالقيم الدينية للارتقاء بأخلاقنا وتحسين علاقاتنا، وتمرين على الطاعة المطلقة والامتثال للأمر المجرد. فرمضان بأحكامه وأبعاده منهج متكامل، إذا وعيه الصائم أدرك مدى حرص الإسلام على صياغة حياة الإنسان على أساس من التوازن والاعتدال، ونبذ أشكال الغلو والتقصير والإفراط والتفريط والتشدد، فهو دورة تدريبية لتأصيل الوسطية باعتبارها أساس الدين والدنيا. فعبادة الصيام تجعل الإنسان قريباً من ربه محبوباً عنده، ينعم بالسعادة النفسية والطمأنينة، وتجعل الفرد سيد المادة لا عبداً لها، حراً طليقاً لا أسيراً لشهواته وأهوائه، يستمتع بالحياة من غير إسراف ويحيى حياة الاتزان، ويسلك سلوكاً يدل عل اتزانه العاطفي والعقلي في جميع مجالات الحياة، إذ إن الغرض من العبادة هو سلامة المؤمن المتزن في عقله وسلوكه، فعندما يختل ميزان الاعتدال تنفلت الشهوات من الرقابة الروحية، ولو لم يكن للصيام أثر في أخلاق الإنسان وتوازن طاقاته وصحته النفسية فذلك دليل على أنه شكل بلا روح، لا سلطان له على القلب أو الإرادة التي تحرك الأعضاء والأعمال. وهو المعنى الذي عناه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلا الْـجُوعُ (ابن ماجة). فهدف الصائم أثناء أدائه فريضة الصيام هو هدفه بعد أن يؤديها، يذكر الله ويؤدي الواجبات والفرائض الدينية والمدنية، ويترك المحرمات والرذائل، ويعمل على تحقيق التعاون وإشاعة الأمن وصيانة السلم. تلك هي أهداف الصيام في بنائه للشخصية المسلمة وصياغته لمنهج الحياة ليحقق توازن الإنسان بين جسده وروحه وذاته ومجتمعه، وتوازنه بين العمل لحياته الفانية وحياته الأبدية الخالدة. لذلك كان شهر رمضان تدريباً عملياً على الحياة الفاضلة التي يريدها الإسلام، حياة الاستقامة والمنهج السوي، فالصائم يلتزم بحسن الخلق ويجاهد نفسه على البعد عن كل ما يسخط الله سبحانه، ويحرص على توطين نفسه على تجنب الرذائل والتعلق بالفضائل، فلا يترك بتوديعه لرمضان الصيام ولا القيام ولا قراءة القرآن ولا الإحسان ليتفرغ لشهواته، بل هو مطالب بالاستمرار مع هذه الفضائل طيلة العام، وقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى بقوله: لَوْ يَعْلَمُ الْعِبَادُ مَا فِي رَمَضَانَ لَتَمَنَّتْ أُمَّتِي أَنْ تَكُونَ السَّنَةُ كُلُّهَا رَمَضَانَ (صحيح ابن خزيمة). والصيام بهذا التصور يجدد حياة المسلم ويرفع من معنوياته ويقوي أمله في الحياة ويدعم حسن الظن بالله ويطهر نفسه ويعيدها إلى الفضائل، ويعوده الصبر وتحمل المتاعب ويعلم الانضباط فيستعذب الألم في سبيل إرضاء الله، ويغرس في النفس معنى العبودية الكاملة والخضوع الصادق لله سبحانه. د. سالم بن نصيرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©