الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لا لمزيد من الصمت الأميركي على تركيا!

26 يناير 2014 23:48
أيّاً كانت إنجازاته خلال العقد الماضي، يقوض رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الديمقراطية المترنحة في بلاده، وتبدو هذه مشكلة كبيرة للأتراك وحلفاء أنقرة في الغرب على السواء . وفي الوقت نفسه، يتعرض استقرار تركيا على المدى الطويل إلى الخطر بسبب الصمت الأميركي خوفاً من أن يضر الحديث بعض المصالح قصيرة الأجل. وخلال الشهر الماضي، اعتقلت قوات الشرطة ما يربو على 50 شخصاً قريبين من حكومة أردوغان ـ ومن بينهم مسؤولون تنفيذيون بارزون وأبناء وزراء ـ بسبب اتهامات فساد. وعلى رغم أن الفساد لطالما لطخ سمعة حكومات تركية، إلا أن المزاعم الأخيرة غير مسبوقة، ولا سيما أنها على المستوى الحكومي، وتشمل ليس فقط تجاوزات محلية وإنما مراوغات كبيرة لتفادي العقوبات الإيرانية. وبدلاً من أن يتأكد أردوغان من التحقيق الحازم في هذه الاتهامات، يحاول طمسها، ومن ثم عزل كبار المدعين العموميين في القضية ونحو ثلاثة آلاف ضابط شرطة في أنحاء الدولة. وسعى أردوغان إلى تعزيز سيطرة الحكومة على السلطة القضائية الضعيفة، وقيّد قدرة الشرطة على إجراء تحقيقات مستقلة، ومنع الصحافيين من نقل أخبار عن القضية، وزاد الحملة الإعلامية الرامية إلى تدمير أعدائه، وخصوصاً أنصار الزعيم الديني القوي “فتح الله جولن”، الذي كان أقوى حلفائه. ومثلما فعل عندما اندلعت مظاهرات ضد حكومته الصيف الماضي، يصف “أردوغان” الأحداث الجارية بأنها مؤامرة شرسة ضده، وأشار أيضاً إلى تورط أحزاب معارضة أخرى وقوى خارجية، لدرجة أنه هدد بطرد السفير الأميركي. ولا تبدو هذه إجراءات يتخذها سياسي يسعى ببساطة إلى طي صفحة الفضيحة، وإنما يحاول استغلال المزاعم في تشديد الخناق على معارضيه وتعزيز قبضته على تركيا. وأساليب أردوغان ليست جديدة، فعندما تعرضت سلطته لتحدٍ، سعى إلى تدمير خصومه بدلاً من التوصل إلى تسوية معهم، وبعد أن حيّد بصورة فعالة النفوذ السياسي للجيش، لاحق مراكز القوة الأخرى من وسائل إعلام ورجال أعمال ومجتمع مدني، وجاء الآن الدور على حركة “أنصار جولن” القوية، والتي تمثل كياناً سياسياً فعالاً. وفي غضون ذلك، استغل رئيس الوزراء التركي الأزمات ـ سواء أكانت حقيقية أم مفتعلة ـ لتقويض حكم القانون. ولا تعتبر التظاهرات في منتزه “جيزي” العام الماضي ولا الفضيحة الحالية بمثابة اضطرابات محلية منعزلة أو معركة سياسية داخلية، إذ إن حدوثهما ورد فعل الحكومة يمثل عرضاً لنضال بين حكومة يزداد تسلطها وتسعى لتقليص مقاومة حكمها، وحركات معارضة متنوعة من الليبراليين العلمانيين إلى أنصار “جولن” المحافظين. ودخل هذا النضال مرحلة جديدة، إذ تُقبل تركيا على انتخابات محلية مهمة في نهاية مارس المقبل، تتبعها حملات الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. وحتى الآن لم يعلن أردوغان ما إذا كان سيسعى إلى منصب الرئاسة أو إعادة انتخابه كرئيس للوزراء، لكن المؤكد أنه يعتزم مواصلة إدارة تركيا، غير أن هذه المزاعم وأفعاله اللاحقة يمكن أن تقلص حساباته الانتخابية، كما أنها منحت الأحزاب المعارضة حياة جديدة. ولاشك في أن التراجع الديمقراطي في تركيا، يُشكل أزمة ملحة بالنسبة للولايات المتحدة، وخصوصاً أن المسار الحالي لأردوغان يقود تركيا من ديمقراطية غير مكتملة إلى حكم استبدادي. وسيكون لهذا المصير في دولة حليفة وثيقة وعضو في «الناتو» تداعيات بارزة على شراكتنا، ومصداقية الولايات المتحدة وأفق الديمقراطية في المنطقة، كما أنه سيهدد الاقتصاد التركي. وفي هذه الأثناء، أدلى كل من وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره التركي أحمد داوود أوغلو ببعض الإشارات المتواضعة بشأن الولاء الأميركي للديمقراطية وحكم القانون، لكنهما أصرا على أن الولايات المتحدة ستنأى بنفسها عن التدخل في السياسة المحلية التركية، وستبقى متحمسة للعلاقات الثنائية، ولا يبدو مثيراً للدهشة أن داوود أوغلو وافق على ذلك. ويضع شجب “أردوغان” للتدخل الأميركي المفترض واشنطن في موقف صعب، فإذا سلطت الضوء على الفضيحة، ربما يفيد ذلك مزاعم رئيس الوزراء التركي، ويحشد مزيداً من الداعمين لموقفه. وعلى مدار معظم فترة حكم أردوغان، انتهجت الولايات المتحدة خيار الصمت العلني بشكل كبير بشأن التطورات التي لا تستحسنها، مع بعض التوبيخ سراً من حين إلى آخر. ولكن مثلما نزعم في التقرير الصادر عن مركز السياسات الحزبية حديثاً، لم تجد هذه الاستراتيجية نفعاً، إذ لم تؤثر على كثير من الجوانب المهمة في السياسة الخارجية لأردوغان والتي تباعدت كثيراً عن فلك السياسة الأميركية، ولا سيما أنه تبنى لهجة معتدلة في المواجهة وقاد سياسات محلية أقل عدوانية. وفي الحقيقة، ربما شجع الصمت الأميركي طوال هذه السنوات أردوغان. وعلى صناع السياسة الأميركية الآن تنحية ترددهم جانباً في مواجهة التأثير الكارثي لنزعات أردوغان الديكتاتورية، وتذكير الزعيم التركي بالأهمية التي توليها الولايات المتحدة للاستقرار السياسي في تركيا وحيويتها الديمقراطية، وخصوصاً أن تأثيرهم يبدو أقوى من الظاهر، ففي حين لا يثق الأتراك بالولايات المتحدة، لا يرغبون أيضاً أن يكونوا في خلاف معها. وقد استفاد أردوغان من شراكة تركيا مع الولايات المتحدة وعلاقته الشخصية الوثيقة مع الرئيس أوباما في صقل شرعيته، وربما يؤدي الانتقاد الأميركي لأفعاله الأخيرة ـ علانية وبصورة أقوى سراً ـ إلى هزّ صورة الزعيم التركي. وبالنظر إلى أن أردوغان يضر بالديمقراطية في تركيا، يجب على الولايات المتحدة أن تكون واضحة سراً وعلانية في أن أفعاله المتطرفة تحرِق القيم والمؤسسات السياسية في تركيا وتخاطر بالعلاقات بين البلدين. ‎مورتون أبراموفيتش وإيريك إيلدمانمورتون سفيران سابقان لواشنطن في أنقرة ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©