الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أحزاب الخلافة والإمامة

أحزاب الخلافة والإمامة
16 أغسطس 2012
النظرية السياسية في الإسلام، الإسلام السياسي، الفكر السياسي في الإسلام عناوين مختلفة لفكرة أو قضية واحدة مثارة منذ عقود وتشتد الحاحاً علينا في الفترة الأخيرة، وتتعلق بنظم الحكم في بلادنا وارتباطها أو انطلاقها من التراث الإسلامي في الحكم والسياسة. وهذه القضية خبا الاهتمام بها، منذ سقوط الخلافة العثمانية عام 1924، ففي العام التالي أصدر علي عبدالرازق كتابه “الاسلام واصول الحكم”، الذي اطلق بركاناً من النقاش الحاد والمعارك السياسية والفكرية لم تتوقف إلى يومنا هذا، وتصاعدت منذ منتصف السبعينيات بين مؤيد ومعارض، ولأن القضية مرتبطة بالدين الإسلامي فإن النقاش يكون محفوفاً بالمحاذير والمخاوف، خشية أن يتهم المعارض بالكفر، وهو ما حدث للدكتور فرج فودة وأفقده حياته. الباحث المصري د. أحمد ادريس يقيم في بروكسل وهناك جلس يسطر كتابه الذي بين أيدينا “الفكر السياسي في الاسلام.. وجهة نظر أخرى”، يتساءل فيه حول ما يسمي النظرية السياسية الإسلامية، وهل تعتبر فترة الخلفاء الراشدين تمثيلا تاريخيا لها، وان كان الامر كذلك، فلماذا لم تستمر الخلافة الراشدة الا عدة عقود بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ تسلسل تاريخي يتتبع الباحث تولي كل خليفة من الخلفاء الأربعة لموقعه، ويثبت أن كلا منهم جرت بيعته بأسلوب مغاير تماماً للاسلوب الذي تولى به من جاء بعده، أبوبكر الصديق تمت مبايعته اثر وفاة رسول الله مباشرة، وقبل دفن الرسول صلى الله عليه وسلم، قصة ثقيفة بني ساعدة معروفة بالتفاصيل ورد ذكرها في الكثير من الكتب في التاريخ الاسلامي، لم يكن الرسول أوصى بالخلافة لأحد من بعده وتركها مفتوحة للاختيار الحر، وكادت تحدث فتنة بين المهاجرين والانصار، وبين الأوس والخزرج داخل الانصار، وبين قريش وبني هاشم، ووقى الله المسلمين في تلك اللحظة العصيبة الفتنة، وهذا ما دفع الصديق قبل وفاته الى أن يوصي من بعده بالخلافة لعمر بن الخطاب، أما عمر فإنه أوصى بتكوين مجلس أو جمعية من ستة يختارون واحداً من بينهم. ووقع الاختيار على الخليفة الثالث عثمان، الذي انقلب عليه البعض وقتله، ثم سعت الخلافة إلى علي بن ابي طالب، الذي قتل هو الآخر، قتله بن ملجم، وهكذا فإن اختلاف الطرق بين الخلفاء الأربعة يعني عدة أمور من بينها ان الاسلام لم يحدد شكل الحكم ولا طريقة اختيار الحاكم، لأنه لو حددها لما أقدم هؤلاء الصحابة الأجلاء على مخالفة قاعدة إسلامية أو عدم الالتزام بها، وحيث إن الإسلام لم يحدد نظاما للحكم، فهذا يعني أنه لا يمكن القول إن هناك نظرية سياسية إسلامية. بعد عصر الراشدين جاء الحكم الأموي لتصبح الخلافة أو الامارة “ملكاً عضوضاً” وتستمر هكذا طوال العصر العباسي والحق انها ظلت كذلك فيما بعد وحتى سقوط آخر شكل للخلافة عام 1924 على يد مصطفى كمال اتاتورك، وطوال تلك القرون كان الحكم اسلامياً، بالمعنى الحضاري والثقافي لكن هل كان كذلك بالمعنى الديني؟ يحمل الكتاب الكثير من الاسئلة بأكثر مما يقدم من إجابات، واحيانا تكون الاجابة أو محاولة الإجابة في القدرة على اثارة اكبر قدر من الاسئلة، ابن خلدون قدم نظريته في الحكم، والتي تقوم على “العصبية” في المقام الأول، وهو يرى في دولة الخلفاء الراشدين نموذجاً للعصبية، وكانت عصبية قريش، أي ان المعيار الديني لم يكن هو الحاكم والمسيطر، الماوردي قدم في كتابه “الأحكام السلطانية” تصوراً آخر وعنده أن البيعة أو الخلافة “الامامة” تنعقد بوجهين، الأول اختيار أهل الحل والعقد، وتعددت الآراء فيمن هم أهل الحل والعقد وكم عددهم ومن يختارهم، وقد توسع البعض في العدد وقلصه بعضهم إلى واحد فقط أو اثنين كما في حالة النكاح، الوجه الثاني عهد الإمام من قبل، كما في حالة ابي بكر الصديق حين عهد بها قبل وفاته إلى الصحابي والخليفة العادل عمر بن الخطاب. النظرية السياسية ويضع الباحث يده على نقطة مهمة في عمل الفقهاء والمنظرين المسلمين لأمور الخلافة والبيعة أو الإمامة، فقد راح المؤرخون يدونون الحوادث بعد قرابة قرنين من وقوعها، وانعكس ذلك على الفقهاء المسلمين ومن بينهم الماوردي والجويني وابن خلدون وغيرهم، هؤلاء راحوا، يبررون ما حدث او يحاولون وضع تفسير له، ولأنهم كانوا يجلون الصحابة جميعا، فإنهم راحوا يلتمسون الأعذار، حتى لمعاوية بن ابي سفيان الذي أخذ البيعة في حياته لابنه من بعده، محدثا بذلك امرا جللا في الدولة الاسلامية ومخالفا ما سار عليه الخلفاء من قبله. المعنى العميق الذي يريد أن يصل اليه الباحث من خلال استعراض احداث ووقائع التاريخ الاسلامي، هو انه لا توجد نظرية سياسية معبرة عن الاسلام والدين الاسلامي، فالاسلام لم يلزم المسلمين بشكل معين للدولة ولا الرسول حدد لهم ذلك، بل ترك لهم ان يختاروا ما يريدون “انتم أعلم بشؤون دنياكم” ومن ثم فإن التيارات التي تريد أن تقفز الان إلى الحكم في بلدان العالم الإسلامي وتدعي انها تمثل الاسلام او تقدم النظرية الاسلامية في الحكم، ترتكب اخطاء عديدة، وتفتئت على الشعوب وعلى الدين وعلى تاريخ الإسلام. وإذا لم تكن هناك نظرية إسلامية، جامعة، في الحكم فهذا لا ينفي ان القيم الإسلامية ومثل الاسلام يجب ان تكون حاكمة للدولة ولقياداتها العليا، مثل الشورى والعدل وتحري الصدق، وهو يميز بين السياسة بمعناها الفكري والنظري لدى المفكرين المسلمين مثل الفارابي في “آراء أهل المدينة الفاضلة” والسياسة العملية التي تعرفها الحياة وعرفها تاريخ الشعوب والأمم. ويتحدث الباحث في كتابه عن الخلافة عند المسلمين السنة والامامة لدى المسلمين الشيعة، ويحاول المقارنة بين المفهومين والمعنيين وأصل التباين بينهما وكيف نشأ، وهو يفضل مسمى أو تعبير القيادة في الدولة الإسلامية، المهم عنده ان الدولة لها قيادة ومن ثم قائد، قد يكون خليفة أو اماماً، هو يحاول تجاوز ذلك الخلاف. وينتقل من التاريخ القديم إلى العالم الإسلامي المعاصر الذي يعيش أزمات سياسية متتالية ولم يتمكن من ان يخرج عن الخبرة التاريخية القديمة لذا تراوحت الانظمة السياسية به من الانقلابات العسكرية كما حدث في السودان وباكستان، حيث قام الانقلابيون متصورين انهم بذلك يقدمون النموذج الإسلامي، وكانوا أبعد ما يكونون عنه، ونموذج العمل السري وقد أضر بالدين وبالمسلمين ضرراً بالغاً، تنظيم القاعدة نموذجا. النموذج الأخير هو العمل الحزبي من خلال جماعات إسلامية كما فعلت جماعة ابي الاعلى المودودي في باكستان ويقلدها الأخوان المسلمون في بعض بلادنا العربية، وهذه الجماعات أثارت من الأزمات بأكثر مما قدمت من حلول.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©