الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معضلات الرواية العربية

معضلات الرواية العربية
16 أغسطس 2012
هل هناك رواية تنويرية وأخرى غير تنويرية؟ وما معيار التقييم؟ سيما إذا عرفنا أن مصطلح التنوير لا تطابق في توصيفه بدقة وحيادية، بل يثير كثيرا من التأويلات والتعريفات ويخضع للرؤية الفكرية والاجتماعية والسياسية. هذا ما جهد ناقدون أردنيون في الإجابة عنه خلال ندوة نظمتها رابطة الكتاب بعنوان “الرواية والتنوير” حيث طرح الناقد الدكتور شكري عزيز ماضي سؤالين هما: ما الدلالات التي ينطوي عليها ظهور الرواية العربية؟ وما الدور الخاص الذي جسده مسار الرواية العربية في القرن العشرين؟. ومن وجهة نظر الدكتور شكري فإن الرواية العربية الحديثة “ولدت تلبية للحاجات المعرفية الجمالية المحلية المستجدة دون إنكار المؤثرات الأجنبية وأثر التراث السردي”، مع الإشارة هنا إلى أن علاقة الرواية الحديثة بالتراث السردي علاقة اتصال وانفصال وان ظهورها يحتاج إلى قاعدة مادية كمطبعة ومكتبات وصحافة وتعليم، أي متلق قارئ وعلاقات اجتماعية معقدة وفوق هذا اضطراب في منظومة القيم. وحسب شكري فإن ظهور الرواية إلى جانب الشعر “فن العرب الأمثل” قرونا طويلة يدل على أن الشعر لم يعد وحده قادرا على التعبير عن القضايا والتحديات المستجدة، ومن هنا يمكن القول إن الرواية عالجت أسئلة عصر النهضة من منظور خاص وقضايا أمتنا من منظور ثقافي فني متميز مجسدة قيم الحرية والعدالة والمساواة. الانتفاضة ورواياتها وبالنسبة لدور المرأة، يرى الدكتور شكري عزيز ماضي أنها ساهمت بالرواية موضوعا وإبداعا وقراءة وترويجا فمعظم الروايات تدعو إلى عدم التمييز بين الجنسين، كما أتخذ التاريخ قناعا أو استدعاء “الإسقاط التاريخي” للإشارة لقضية في الوقت الحاضر بهدف فهم الحاضر واستشرافه. وعقب الندوة اعتبر الناقد الدكتور ماضي في حديث لـ “الاتحاد الثقافي” أن روايات الانتفاضة الفلسطينية مهمة لأنها تعالج قضايا من موقع الحضور، وهذا ملمح ايجابي جدا ويثير أسئلة أدبية ونقدية تعد إضافة لنظرية الرواية والأدب عامة وهي تمكن المرء من استخلاص نتائج سياسية واجتماعية وحضارية ومنظور إنساني جديد للصراع العربي الإسرائيلي. وقال إن الرواية الأردنية جزء من الرواية العربية وتشكل ظاهرة لها إيجابياتها ودلالاتها المهمة، كما أنها تعاني ممّا تعانيه الرواية العربية عامة كإلحاح الأفكار والنزعة التسجيلية ومسألة التلقي. ويشير ماضي هنا إلى أن الرواية ليست مستوردة بل وليدة البيئة العربية التي كانت خاضعة لهيمنة الإقطاع. وفي معرض رده على سؤال قال أنه لا يوجد على صعيد الإبداع الروائي محافظون لغياب النموذج في التراث العربي فالرواية العربية حديثة مبنى ومعنى ولهذا فهي تنويرية لأن الحداثة تعني العمل على تحرير الذات وانجاز مزيد من إنسانية الإنسان. حضانة وصدمة من جانبه يرى الناقد الدكتور محمد عبدالله القواسمه أن الفن بشكل عام يؤثر تأثيرا كبيرا في وجدان الناس ومشاعرهم، وبالتالي يقوم بدور مهم في تنوير المجتمع وتوجيه سلوكه ودفعه لمراجعة أفكاره ومواقفه، ولذا يمكن القول أن الحراكات الشعبية التي شهدتها معظم الدول العربية وما زالت تشهدها حتى اللحظة لم تكن بعيدة عن تأثيرات الفن الروائي بوصف الرواية أحد مكونات وعي المجتمع وحركته. ويرى القواسمه في حديث لـ”الاتحاد الثقافي” أن الرواية العربية استطاعت قبل حدوث ما يسمى الربيع العربي أن تعاين ما في المجتمع العربي من انحرافات وعيوب وتشير إلى ما فيه من بقع مظلمة وأن تصور نضالات الإنسان العربي وما يطمح إليه من تحقيق قيم العدالة والحرية والمساواة. لكن الدكتور قواسمه يرى من جانب آخر أن التعبير عن الواقع الجديد لا يمكن أن يحقق النجاح على مستوى الفن الروائي إذا ما أنتج في خضم ما يجري، وإذا كان هذا يصدق على كل الفنون الأدبية فإنه يصدق على الرواية بشكل خاص ذلك أن الروائي لا يملك الإحاطة الشاملة بالحدث لأنه لم ينته بعد وان طبيعة الفن الروائي تحتاج لدراسة أو فترة حضانة تختمر فيها التجربة ليتم التعبير عنها بنجاح. ولفت إلى أن بعض الروايات التي تحدثت عن الثورات العربية وهي قليلة وقعت في المباشرة وسطحية المعالجة وضعف الرؤية، ويعتقد أن أصحابها قد ندموا أو سيندمون بعد انجلاء الوقائع.. “كانوا متسرعين في التعبير عن ظروف وأحداث غير واضحة المعالم ولا يمكن التكهن بما ستنتهي إليه”. وختم حديثه بالقول: لقد دلت تجارب الروائيين على أن كتابة الرواية لا تكون استجابة مباشرة أو رد فعل فوري لما يقع بالمجتمع بل تحتاج إلى ترو وهدوء وفترة قد تطول أو تقصر وقد تمتد سنوات قبل أن يعبر عنها في عمل روائي ناجح. من جانبه يرى الناقد الدكتور سليمان الأزرعي أن الأعمال الروائية جاءت صدمة اللقاء أو الاحتكاك بالغرب باعتبارها ملتقى لنموذجين حضاريين شرقي وغربي وقد بدأت هذه الموجة منذ رواية السوداني الطيب صالح “موسم الهجرة إلى الشمال” ثم تتالت الأعمال في هذا الاتجاه. وعن الروايات المتميزة في الأدب الأردني قال لـ “الاتحاد الثقافي” إن هناك رواية “المتميز” لمحمد عيد و”بدوي في أوروبا” للراحل جمعة حماد و”ليلة في مطار” للراحل عيسى الناعوري، وفي الأدب العربي تقف أعمال اللبناني أمين معلوف على رأس القائمة مثل “سلالم الشرق” و”سمرقند” و”ليون الأفريقي”. ومن وجهة نظره فإن التنوير تكريم للعقل والتكامل مع العصر والحضارة الغربية التي يجب ألا نخاف منها، وقال أن الكتابة العربية أسهمت بالتنوير عام 1925 حيث استطاعت ثلاثة مؤلفات لطه حسين وقاسم أمين والدكتور علي عبدالرازق تناولت فصل الدين عن الدولة في إسقاط ثلاث حكومات مصرية وكانت العدالة آنذاك للقضاء المصري. ولكن هل عرف العرب التنوير؟ سؤال أجاب عليه الدكتور سمير قطامي وهو ناقد وأكاديمي معروف بالقول أن بعض الدارسين يرون أن العرب لم يعرفوا التنوير إلا في القرن التاسع عشر من خلال ما كتبه الرواد أمثال رفاعة الطهطاوي والشدياق وخير الدين التونسي وعبدالرحمن الكواكبي ومحمد عبده، وكانت دعواتهم مبطنة ومغلفة بغلاف السؤال لماذا هم متقدمون ونحن متخلفون؟ دون أن يتجرأوا على مواجهة الواقع صراحة حتى لا يتهموا بالكفر والزندقة. ورأى أن ما تعيشه البشرية من تقدم علمي وتكنولوجي مذهل تدين به لظاهرة التنوير التي اجتاحت أوروبا وحررت التفكير من السلطات الخارجية التي كانت تغل حركته.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©