الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سلطان بن غافان: «الكتاتيب» صنعت رجالاً والألعاب الشعبية تنمية للمهارات

سلطان بن غافان: «الكتاتيب» صنعت رجالاً والألعاب الشعبية تنمية للمهارات
16 أغسطس 2012
أسهمت «الكتاتيب» قديماً في تعليم الكثير من أهل الإمارات، وكان لها دور مهم في حفظ الكثير منهم لكتاب الله، ووفقاً للباحث التراثي سلطان بن غافان، فقد صنعت رجالاً ورفدت البلاد بكوادر وطنية تشارك في مسيرة التنمية الشاملة، التي تشهدها الدولة، وقال إن نهاية الأسبوع، كان يوم فرح، حيث كان يشهد تسليم الدارسين« الخميسية»، وهي أجر المطوع عن تحفيظة للقرآن. وأشار سلطان بن غافان إلى أهمية الألعاب الشعبية التي كان يمارسها الشباب في الفريج، وكيف أسهمت في صقل شخصياتهم، وتنمية مهاراتهم، وتعليمهم سرعة البديهة، مؤكداً أنها ألعاب مكتسبة من البيئة المحلية، وتعبر وسيلة للهو والترفية وليس مجرد مضيعة للوقت. هناء الحمادي (أم القيوين) - يسرد الباحث التراثي سلطان بن غافان ذكرياته وأيامه الجميلة التي لم تمح من ذاكرته ورحلة الغوص، حيث يقول نشأة في بيت يضم فطاحل البحرالمخضرمين، حيث في إحدى رحلات والدي للغوص في الأربعينيات تعرض «الجالبوت» نوع من أنواع السفن آنذاك إلى الانقلاب، وقد نجا جميع من فيه، إلا أن الجالبوت قد غرق، وقد توفي والدي وكان عمري 8 سنوات، وكنت في الصف الثالث الابتدائي، أما جدي سعيد فقد كان يحفظ الشعر. ويواصل: بعد وفاة والدي، تكفلت والدتي برعايتي والاهتمام بي، وكان لها الدور البارز في مواصلة تعليمي، حيث وفرت لي كل سبل الراحة والعيش الرغيد من أجل إكمال دراستي، وقد التحقت بإحدى دور الكتاتيب والمطاوعة وكان ذلك عام 1958. دور المطوع ويسترسل غافان عن دورالمطوع أيام زمان، ويذكر تفاصيل تلك الحقبة: كان الأهل يرسلون أبناءهم إلى المطوع لحفظ القرآن عن ظهر قلب مع مبادئ القراءة والكتابة والحساب، وكان يجلس الطلاب على بساط من السعف على الأرض، ويضعون حاملا يسمى «المرفع» عند القراءة أمامهم، ويُصنع هذا الحامل من الخشب، أو السعف أو الجريد أو حتى من الصفيح حسب حالة أهل البيت، وفي يوم الأربعاء من كل أسبوع ينادي المطوع على تلاميذه ويذكرهم بإحضار«الخميسية»، وهي الأجرة الأسبوعية التي يتقاضاها المطوع من أولياء أمور الطلاب كل حسبما يستطيع أن يقدم، ولا يفرض المطوع شيئاً معينا ، وكانت الأجور تدفع كل يوم خميس. ويضيف غافان، في يوم الخميس يجري المطوع اختبارا للتلاميذ يستمع فيه إلى حفظ الدروس السابقة، فإذا اجتاز التلميذ هذا الاختبار يقولون «أفلان غيب»، وهي كلمة تطلق على الابن أو الولد الذي نجح في حفظ القرآن الكريم أو جزء أو جزأين، وعندما يجتاز التلميذ حفظ الآيات من الحمد إلى الفجر، أو حفظ جزء عم يقولون أيضا «أفلان غيب»، وهذا يعني على هذا الولد «هدة»، وهي سماح المطوع للصبيان بالخروج على أن يدفع هذا الولد أجرة المطوع، وهي روبية أو روبيتان، أما عن أوقات الدراسة، فعادة ما تبدأ أوقات الدراسة في الصباح حتى موعد الصلاة مع وجود حلقات صباحية ومسائية. عقاب المطوع وفيما يتعلق بالعقاب والحضور، فقد كان مهماً آنذاك كما يقول غافان، حيث كان العقاب شديدا للذين يقصرون في أداء واجباتهم مع اتباع أساليب الثواب والعقاب، وكانت «الفلكة»، هو العقاب الصارم للأولاد، فإذا تغيب أحدهم عن الدرس يوضع في “الفلكة”، وهي خشبة طويلة نسبياً وبها «محز أو سلسلة»، توضع أقدام الصبي في الفلقة ويقفل عليه، ويظل في بيت المطوع مدة طويلة، قد تتراوح أحيانا من يوم إلى ثلاثة أيام، وقد توضع القدمان في الفلقة وترفع إلى الأعلى ويضرب بالعصا على حافة أقدامه، أما من يختم القرآن فقد كانت له احتفالية، خاصة، حيث يقام له حفل يستمر لمدة أسبوع، يدورون الطرقات مرددين «التحاميد»، يعنى الأناشيد الدينية الخاصة بختمة القرآن، ومن يخفق في ختم القرآن يذهب للعمل مع والده. مواصلة التعليم وقال، بعد مرحلة المطوع التحقت بمدرسة قريبة من بيتنا وكنت أذهب إليها مشياً على الأقدام إلى أن أكملت مرحلة الصف الثالث متوسط، ولكن هنا وجدت نفسي أترك الدراسة واتجه للعمل، وكان أول مكان ألتحق فيه هو أحد الدواوين في أم القيوين، وكان ذلك خلال الفترة من 1966 حتى 1967، وبعد ذلك التحقت بالمعهد الإسلامي في عجمان، حتى عام 1970، بعدها توجهت للعمل في وزارة الصحة بدبي عام 1972، وفي أثناء عملي في وزارة الصحة، وفي عام 1979 حصلت على الثانوية العامة، حيث أكملت دراستي المسائية في مدرسة الأمير في إمارة أم القيوين، وفي العام نفسه حصلت على منحة دراسية إلى جامعة الإمارات بالعين، استمريت بالدراسة فيها متفرغاً حتى عام تخرجي عام 1981، بعدها التحقت بوزارة التربية والتعليم اختصائياً اجتماعياً، حيث كانت شهادتي بكالوريوس اجتماع وخدمة اجتماعية، ثم تدرجت في الوظيفة لأصبح وكيل المدرسة، بعدها انتقلت إلى المنطقة التعليمية حتى عام 2007 وهو موعد تقاعدي من العمل. الضيافة وأضاف، أيام زمان كانت الحياة بسيطة، فكرم الضيافة واللمة التي عُرف بهما أهل المنطقة منذ الأزمنة البعيدة كنوع من التواصل الاجتماعي والمحبة التي كانت في قلوب أهل المنطقة، ومازلت أحرص عليها، حيث أترك أبواب مجلسي مفتوحة طيلة أيام السنة لأفراد عائلتي والأصحاب، فأهل الإمارات كانت بيوتهم مفتوحة للجميع، وأذكر حين كان أهل الفريج الواحد، يعيشون أسرة واحدة ومجالسهم مفتوحة للجميع، والناس تتزاور وتتواصل دون مناسبات في بيوت متلاصقة في الفرح والحزن، ورغم مرور السنوات وتغير الحال مازلت أعيش بأسلوب آبائي وأجدادي لأني مؤمن أن التواصل الاجتماعي بين الناس يزيد من الألفة والمحبة، كما أن المجالس تعلم الكثير من خلال النقاشات والجلسات الجانبية، ولا يمكن أن أتغير وأنا أحاول زرع ذلك عند أفراد عائلتي. ولفت إلى أن حياة الأوائل كانت فيها الرحمة والألفة والمحبة والتزاور والتعاون، وكانت المجالس التي تملأ الفريج في بيت فلان وعلان هي التي صنعت الرجال، حيث كان يفد إليها أصحاب الخبرة والدراية، وكانت تسود فيها التحكيم في القضايا التي تهم شريحة المجتمع، وهي ملاذ وأمان للرجال الذين يصطحبون معهم أولادهم للاستماع إلى الآراء والخبرة والدراية في علوم البحر والاعتماد على الله وطاعة الوالدين، والاستماع بشغف إلى آراء الأوائل، وخاصة المهتمين في أمور الغوص وصيد الأسماك وسرد حكايات الأوائل وحفظ كثير من القصائد الأولية. ألعاب زمان أما بخصوص ألعاب زمان، فقد كانت الحارات وأزقة البيوت، هي الأماكن التي كان يلهو فيها الأطفال، وكانت الألعاب الشعبية تمثل التسلية الوحيدة للأطفال في ذلك الوقت لانعدام أماكن التسلية، وبالرغم من ذلك كان يمضي الأطفال أوقاتا سعيدة صبيانا وبناتا، لتصاحب تلك الألعاب أهازيج وأغاني شعبية يرددها الجميع حتى وقت غروب الشمس. ويذكر غافان أهم الألعاب التي كان يمارسها مع أصدقائه في الفريج، كانت لي مشاركات كبيرة مع الشباب ومن هذه الألعاب - الهول وقبة بو صطاع - والدسيس والهوريد وعظيم سري، وهي ألعاب تختص بالصبيان فقط، وتتميز بالسهولة والبساطة في الشكل والأداء والتكوين، وكثيراً ما يمارسها الأطفال دون سن العاشرة، ولا تشتمل على قوانين أو شروط محددة، كما أنها تفتقر إلى عنصر المنافسة، أما الألعاب الجماعية، فهي التي تمارس بواسطة الجماعة ولا يأتي لعبها ومزاولتها بواسطة فرد واحد، وتمتاز بأنها تنمي روح الجماعة والتعاون، ويمارسها أكبر عدد من اللاعبين المشاركين، وبأنها ألعاب حماسية تتطلب من اللاعب القدرة على التحمل، والصبر، والقوة العضلية، وسرعة الحركة والخفة، وتحتوي على قوانين وضوابط تحكمها وتنظمها، ومن نماذج الألعاب الجماعية (الصوير، الحلة، كرة السوط، الهشت، الضبة)، أما الألعاب الفردية الجماعية، فتلك التي تتألف من ألعاب متنوعة ومحددة وهي الألعاب الحركية، وتعتمد على النشاط البدني والحركي ومن أمثلتها« القفة، الحبيل،الحبل» وكلها ألعاب ذهنية ترتبط بالعقل والذهن والتفكير وسرعة البديهة واستخدام الحيلة، وتتميز بقلة لاعبيها وهي مقصورة على الشباب. المقاهي الشعبية وأشار الباحث التراثي سلطان بن غافان، إلى أن المقاهي القديمة، كانت لها رونق خاص عن يومنا هذا، ولها طابع تراثي مفعم بروح أيام زمان، حيث كانت تتطبع بطابع تراثي مميز لناحية البناء بتصميم خشبي لأسقفها من الجندل مغطاة غالبا بـ «العرشان» للاتقاء من حرارة الشمس أو هطول الامطار، ولم يكن هناك تلفاز أو تكييف، انما فقط كراسي قديمة صنعت من الخشب يجلس عليها الصيادون ورجال الفريج، وكان يدور فيها الحديث وبعض الألعاب والتحدث عن سيرة الأوائل،. ومع هذه الأجواء كانت المقاهي هي المكان والمتنفس الثاني بعد المجالس، حيث تعلو الضحكات وُتسرد الحكايات ويعلو صوت القوانات الأولية عن طريق البشتختة ويصاحب ذلك شرب الشاي والنامليت وطاش ما طاش، وكلها مشروبات قديمة كانت تباع في ذلك الوقت. طقوس رمضان رغم الفقر الذي كان يعيشه آباؤنا وأجدادنا أيام زمان، إلا أن الحياة كانت بسيطة ويسودها المحبة والألفة، فقد كان الترابط أكثر وكان الأهل متقاربين والبيوت متلاصقة والجيران يتبادلون أطباق الطعام، ويفرح الجميع بقدوم رمضان ويعد عدته صغيرا كان أو كبيرا، وكنا نشعر بأيامه الفضيلة من حيث تلاوة القرآن وحضور المجالس التي يزداد فيه الذكر والحوارات الدينية، فهذه في مجملها تعطي النفس الصفاء والنقاء والاستشعار بمعاني هذا الشهر المبارك وأيامه الجميلة، أما اليوم فالوضع اختلف تماما، فالجميع مشغولون ولا يجدون الوقت للزيارة أو شرب القهوة مع الأسرة والأقارب، فالكل منهمك بمشاغله وحتى داخل الأسرة نفسها، تغيرت الأمور والأحوال ولم تعد موجودة تلك الأسر الكبيرة التي تسكن منزلا واحدا، أصبح لكل شخص فيلته الخاصة فاقتصر التواصل على قليل من الزيارات واللقاءات في المناسبات وكثرت الرسائل النصية بين الناس. باحث وشاعر ويواصل غافان ما أنجزه بعد التقاعد مضيفا، أنا شاعر وباحث ومحاضر في مجال الموروث الشعبي، حيث أصدرت كتابا في 2011 تحت مسمى «أهازيج من الموروث الشعبي»، بجانب ذلك لدى مشاركات عديدة في الإذاعة والتلفزيون، ومحاضر في الميدان التربوي، ولدي خبرة في أمور البحر والطقس، ويرجع الفضل كل هذا إلى الله تعالى، وإلى كل من أعطاني قطرة عرق وهمسة حب وأهزوجة نابعة من القلب ترجمتها إلى أحاسيس ودونتها في سجلاتي منذ نعومة أظفاري، مشيداً بدور الشاعر والباحث والأديب عبيد بن صندل في صقل موهبه الشعر، فهذا الشخص الذي أكن له كل الحب والتقدير والشكر لم يبخل عليّ بالكلمة والمعلومة والتوجيه والارشاد والمشاركة الجماعية من خلال البرامج التراثية التي جمعتني معه في مشوار حياتي، فمهما قلت عنه لن أوفيه حقه. إضاءة الباحث التراثي سلطان بن غافان من مواليد أم القيوين عام 1953، عاش في بيئة بحرية على ضفاف خور أم القيوين التي كانت أمواج الخور وقت هبوب المطلعي والسهيلي ترسل إليه حنين البحر المعطاء، ترعرع منذ طفولته على خبرة والده وجده، حيث كان والده رحمه الله خلفان بن سعيد بن علي بن عبيد بن غافان من الغواصين المشهود لهم، وجده رحمه الله سعيد بن علي بن عبيد بن غافان أحد أصحاب خبرة البحر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©