السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خطاطو الأبجدية العربية يروون تجاربهم الحروفية

خطاطو الأبجدية العربية يروون تجاربهم الحروفية
27 أغسطس 2011 04:40
منذ البدء كان الحرف العربي، ولا يزال، موضع حفاوة واهتمام من أبناء الأمة الناطقة به، تنوعت أشكاله وتعددت تعاريجه، لكن مضمونه بقي واحداً يعبر عن هوية جماعية راسخة لا تتقادم بمرور الأيام والأزمان. كان للثراء الشكلي الذي يتمتع به الحرف العربي أن أغوى الفنانين والمبدعين العرب باستنطاق مكنوناته الكامنة، واستخراج الطاقات الجمالية الرابضة خلف قامته المرنة، هكذا خرجت المدارس الحروفية المتعددة تتنافس في التنقيب عن المدلولات الإبداعية التي يشي بها حرف متمرد بقدر ما يبدو مطواعاً، ومفرطا في التعبير لحظة يكون متسماً بكثير من الغموض. يقول بلال البدور، نائب رئيس ندوة الثقافة والعلوم، رئيس تحرير مجلة “حروف عربية”، أن أمتنا العربية هي أمة “اقرأ”، لذلك كان بديهياً أن يلقى الحرف الأبجدي اهتماماً من أبنائها، وكما أن الصفر هو أساس علم الحساب، كذلك فإن “الألف” عماد اللغة ومحور الكتابة. ويضيف البدور “تبدأ الحياة الثقافية والفكرية للإنسان العربي باستكناه ألغاز الحرف، ومواكبة تلك الرحلة الشائقة التي أثمرت تحول الأبجدية إلى أدوات فنية تحتمل تأويلات لا نهائية من الرموز والدلالات الغامضة المنطوية على رغبة دفينة في البوح. ولما كان الدين الإسلامي قد نهى عن تصوير الأشياء الحية، فقد صار الحرف الأبجدي محط اهتمام الفنان التشكيلي المسلم الذي رأى فيه ضالة منشودة تقبل التعبير عن هواجس إبداعية كامنة، وتحتمل الكثير من قابلية التأويل”. تفرد واختلاف يشرح البدور كيف أمكن للثقافة التشكيلية الإسلامية أن تكتسب شخصية متفردة تميزها عن الثقافات الرديفة، فيقول “في الوقت الذي كان البعض يصيغون لغاتهم رسماً ونقشاً كاللغة الهيروغليفية ومشابهاتها، أمكن للعرب أن تكون لديهم لغة متكئة على أبجدية رشيقة تتنوع حروفها وفقاً لمقتضى الحال، وتقبل الكثير من الليونة في التعبير عن شؤون الحياة، وتلك إحدى الوظائف الأكثر حيوية للغة. وكان على المسلم العربي أن يبتكر جماليات حروفية استثنائية، يقول البدور، فبدأت مهمة تنويع الخطوط، واستنفاد طاقة الحروف على وقع التمايل والقاطع والانسياب، لتكون المحصلة إنجازات إبداعية تقبل الاعتداد بها، وليصير مبرراً خروج الحروف من سياق انتظامها اللغوي نحو أن تأخذ مكانها في إطار الزخرفة والتجميل الشكلي، وهي مهمة نادراً ما يجرى إسنادها إلى العنصر الأبجدي في أي لغة. هكذا، يوضح البدور، أمكن للحروفية العربية أن تحظى بخصوصية وتمايز عن سائر أبجديات المعمورة، وأمكن لحروفها أن تكتسب الكثير من مضامين الجمالية والاختلاف، وصولاً لأن تكون أدوات تشكيلية تمارس دورها في صياغة اللوحة. ويضيف “على هذا الأساس فإن المدارس الحروفية، ووفقاً لمتطلباتها تطورت وأدخلت التعديلات على مناهجها، حتى أدركت الحروفية العربية مكانتها المعاصرة، حيث باتت تقدم نفسها بوصفها عمقاً جمالياً متاخماً للإبداع والفرادة”. مدارس متنوعة من جهته، يقول الخطاط خالد الجلاف، عضو هيئة تحرير مجلة “حروف عربية”، أن العرب كانوا يقيمون التماثيل لمن يبجلونه في محيطهم، أي أنهم كانوا يعبرون عن إعجابهم عبر تجسيد هيئة المعجب به، وفي اللحظات القصية كانوا يعبدون تلك الرسوم، فلما جاء الإسلام وضع الحد لذلك الزلل، ونهى عن تصوير كل ما تدب فيه الروح، وراح الفنان العربي يبحث عن أدوات أخرى يعبر من خلالها عن مكنوناته، إلى أن وجد ضالته في الحرف العربي، وكان للفتوحات الإسلامية أن أغنت هذه التجربة الفنية البكر، فصارت كل منطقة تنضم إلى الدولة الإسلامية الناهضة تضع ما لديها من رؤى ومقاربات إبداعية في هذا المحتوى الإبداعي، حتى صار لدينا مخزون يعتد به من التشكيلية الحروفية التي لم تحظ بها أمة أخرى في عالمنا. كما صار لدى الحروفيين مدارسهم المتنوعة القائمة على شيء من التكامل، فكان الخط الثلث، أي النسخ، والنستعليق أي الفارسي، وإلى جانبه الخط المملوكي والكوفي والقيرواني والأندلسي، إضافة إلى مجموعة متنوعة من الخطوط التي تختلف في تركيب الحروف دون أن تتخطى الدلالة اللفظية التي تعبر عنها. خصوصية لكل مدرسة لاحقاً، يضيف الجلاف، برز نوع من التمازج بين الخط والعمارة، وراح المهندسون يختارون أنساقاً من الخطوط التي تزين المعمار الإسلامي، وتوشيه بتراكيب خطية تزواج بين المعنى والمبنى، الأمر الذي منح العمارة الإسلامية هوية مميزة لا تزال محط إعجاب ودهشة الكثير من الذواقة في مختلف أصقاع الأرض. يقول الجلاف “ترافق التحديث الخطي مع تطورات تاريخية متعددة، فعلى سبيل المثال جرى ابتداع خط النسخ لنسخ الآيات القرآنية، وفي ذلك شيء من إضفاء الخصوصية على النصوص الكريمة، وهو نوع من الخطوط التي تتطلب تجويداً خاصاً، كذلك جاء الخط الديواني استجابة للرغبة في كتابة الفرمانات الصادرة عن السلطنة العثمانية وفق خط يميزها عن سائر النصوص المكتوبة، وكان لكل هذه التراكمات التاريخية أن منحت الحروفية العربية قدراً من التمايز والثراء لم تحز عليه سواها من الأبجديات. بدوره يوضح عضو هيئة تحرير مجلة “حروف عربي” الخطاط تاج السر حسن أن حكاية التشكيل الحروفي بالغة الأثر في تجربة الأبجدية العربية، حيث أمكن لثمانية عشر شكلاً موزعة على ثمانية وعشرين حرفاً أن تقيم وليمة تشكيلية فائقة البذخ، كما أمكن لخاصية متفردة تميز الأبجدية العربية، هي خاصية الفصل والوصل، أن تساهم في هذا التنويع الثري، لجهة السماح بإنتاج الأشكال البينية للحروف المتباينة في شكلها، مع حفاظها على وحدة اللفظ والمعنى. ويشرح حسن متوسعاً “الجيم في أول الكلمة مثلاً هي غيرها في وسطها، أو في نهايتها، لكنها حرف واحد في كل الحالات لجهة اللفظ والدلالة، هكذا ثمة مكونات في الحرف العربية تسمح له بأن يتحول مفردة تشكيلية، وهي ميزة لا يحظى بها كثير من لغات العالم”. وقد كان بوسع الخطاط العربي، يضيف حسن، أن يستفيد من طواعية واضحة تميز الحرف العربي على امتداد رحلة زمنية امتدت لأربعة عشر قرناً، وغطت مساحات شاسعة من الكرة الأرضية، ليقدم روائع جمالية فائقة الجمال والتميز، حتى ليمكن القول إنه ما من لغة عالمية اهتمت بخطها كما فعلت اللغة العربية، لجهة مرونة الخط وجماليته وتراكيب مكوناته، وذلك بالاستناد إلى ارتباط هذا الخط بالقيم الدينية والقيمية، أي إلى تمازج الجانب الروحاني بالبعد الإبداعي، وصارت الحروف العربية تزين الدور والقصور، معبرة عن أقصى ما تختزنه من دلالات جمالية مبهرة.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©