الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

المتاحف الخاصة.. تاريخ يبحث عــــن حماية؟

المتاحف الخاصة.. تاريخ يبحث عــــن حماية؟
22 أغسطس 2015 21:49
أشرف جمعة (أبوظبي) المتاحف الخاصة في الإمارات قصة لا تزال تروي فصولها من جيل إلى آخر فهي عنوان أصيل لمشروع إحياء التراث يبحث أصحابها في أغوار الحياة العامة، عن الأشياء الثمينة والنادرة التي توثق مراحل حياة الإنسان عبر العصور. أصحاب هذه المتاحف أصحاب قلوب شغوفة بالتراث والأصالة، بذلوا جهودا كبيرة ليوثقوا كل ما استطاعوا الحصول عليه من مقتنيات ووثائق تخص التراث المادي والمعنوي في الدولة والمنطقة، ومن خلال اجتهاداتهم الفردية هذه، أسهموا مع المؤسسات المعنية في الدولة في حفظ الموروث الشعبي، وهو ما يبلور حالة التطلع إلى إصدار قانون ينظم عمل هذه المتاحف، ويوضح الفرق بين المقتنيات التراثية والأثرية وضوابط اقتنائها، كما أن هذه المتاحف تحتاج أيضاً إلى تقنيات متطورة وخبراء يساعدون أصحابها على حفظ مقتنياتهم من التلف الذي قد تتعرض له بسبب طريقة الحفظ. إن هذا المتاحف الشخصية، والتي تعد إضافة إلى المشهد السياحي والثقافي في الدولة، هي في واقع الأمر بنوك معلومات متنقلة، وكنوز تاريخية تبحث عن تنظيم وعناية من قبل الجهات المختصة، حتى يمكن الحفاظ على محتوياتها بشكل سليم للأجيال المقبلة. أسئلة عديدة تثيرها المتاحف الخاصة، وعلى رأسها: ما دور الجهات المختصة في التنسيق مع أصحاب هذه المتاحف للحفاظ على محتوياتها؟ وهل من حقهم الاحتفاظ ببعض المقتنيات التاريخية والنادرة؟ مقتنيات وقطع ينظر مستشار التراث والتاريخ المحلي في دائرة التنمية السياحية في عجمان علي المطروشي إلى المتاحف الخاصة في الدولة على أنها ظاهرة صحية، حيث تعبر عن عشق التراث والتحف عموماً، وهي نابعة عن هواية حقيقية تدفع مؤسسيها إلى بذل المال والجهد لتأسيس متاحفهم الخاصة وإغنائها بالمقتنيات، مبيناً أنهم يجدون في ذلك إشباعا لهوايتهم، ويقول: أرجو التفريق بين المقتنيات التراثية وبين القطع الأثرية، فالمقتنيات التراثية يكون مصدرها غالبا الشراء أو الإهداء، أو الميراث العائلي، ومن حق مؤسسي المتاحف تملكها واقتناؤها وتنميتها والاحتفاظ بها، أما الآثار الوطنية فهي غالباً تكون مستخرجة من مواقع أثرية يفترض أن تكون محمية من قبل الحكومة المحلية، ولا يحق لأحد التنقيب فيها بجهد ذاتي وفي غفلة من الجهات الحكومية واستخراج اللقى الأثرية منها لحيازتها. وعن القطع التي يعود تاريخها إلى سنوات طويلة وهل من المفترض أن تعود للدولة، يرى المطروشي أنه في حال ثبوت أن أصحاب المتاحف الخاصة قد نقبوا بأنفسهم في المواقع الأثرية واستخرجوا القطع واللقى، فإنهم في هذه الحالة يكونون مساءلين أمام الجهات المختصة، ولايحق لهم حيازتها والاحتفاظ بها، لكونها حقاً عاماً محمياً من جانب الحكومة،أما إذا كانت القطع مجهولة المصدر،أو كانت مستخرجة قبل عدة أجيال ومتوارثة لدى الأسرة، فتعرض على الخبراء لكتابة تقرير عنها، واستطلاع أمكانية استعادتها،ووضعها في المكان اللائق بها، وفي حال تعذر ذلك ينبغي تسجيل مواصفاتها وإعطائها رقماً، واعتبارها عهدة في يد صاحب المتحف، مع أخذ نسخة مقلدة عنها إذا كان ذلك أمراً ضرورياً. نظرة مستقبلية ويذكر المطروشي أن إمكانيات المتاحف والمخازن الحكومية من حيث الأمان أقوى من إمكانيات أصحاب المتاحف الخاصة، لافتاً إلى أن بعض تلك المتاحف مع الأسف تعتمد على طريقة حفظ بدائية دون أن تتوفر لها وسائل الوقاية اللازمة، مما يؤدي إلى تلف بعض محتوياتها ببطء وخصوصا المقتنيات الجلدية والخشبية ويرى أن إصدار قانون بهذا الخصوص سوف يعمل على تلافي الكثير من السلبيات، ويساهم في تعميم الاستفادة من المتاحف الخاصة، ويجعلها تحت مظلة الحكومة والجهات المختصة، مما يعود بالنفع على صاحب المتحف، ويساعده في المحافظة على مقتنياته، وحول مدى إمكانية تنازل أصحاب المتاحف الخاصة عن مقتنياتهم للدولة يوضح المطروشي أنه من الصعب على مؤسسي المتاحف الخاصة التخلي عن متاحفهم التي أسسوها وجدوا واجتهدوا في جمع محتوياتها، لكن قد لا يقضي القانون بإجبارهم على التنازلَ عن متاحفهم، بل تبقى في حوزتهم، مع انضوائها تحت مظلة الجهات المختصة «المجلس الوطني للسياحة والآثار كجهة اتحادية مثلا أو الدوائر الحكومية المحلية المعنية بالآثار والمتاحف» . وعن تصوره لحل أي المشكلة بهذا الخصوص إن وجدت في المستقبل يورد أن الأمر يتطلب تنظيم اجتماع تشاوري لجميع مالكي المتاحف الخاصة ينظمه المجلس الوطني للسياحة والآثار بهدف التعارف، والتوعية، واستطلاع وجهات النظر، وتأسيس رابطة تضم هؤلاء المؤسسين، الذين تعتبر متاحفهم رافدا مهماً للمتاحف الحكومية يثري الثقافة والتراث ويساهم في تعزيز الهوية الوطنية. عادات وتقاليد ولا تخفي مديرة البحوث والخدمات المعرفية في المركز الوطني للوثائق والبحوث، التابع لوزارة شؤون الرئاسة الدكتورة عائشة بالخير أن الناس في الإمارات ترتبط بشكل عاطفي بتاريخها وتراثها الذي لايزال استكماله بالصورة المطلوبة أمراً يسعى إليه كل مخلص محب لوطنه وهو ما أفرز ظاهر المتاحف الشخصية التي تعزز الإرث الحضاري وتؤازر الجهود المؤسسية وتشد عضد المعنيين بجمع التراث . وترى أن القوانين التي من الممكن أن تصدر في المستقبل بخصوص آثار الدولة ومتاحفها الشخصية والعامة ستحتفي بكل تأكيد بدور أصحاب المتاحف الخاصة، وربما تمنحهم صلاحيات تصب في مصلحة حفظ الموروث الشعبي بصورة كبيرة، إذ إن الإمارات أضحت قبلة لعالم، وهو ما يجعل الزوار في حالة من مستمرة من الشغف الذي يدعوهم بطبيعة الحال إلى أن يتعرفوا على تفاصيل الحياة القديمة من خلال المتاحف العامة والخاصة. منظور تاريخي ويجزم أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الشارقة الدكتور عبدالله المغني بأن تشجيع أصحاب المتاحف الشخصية من المهم أن يستمر خصوصاً أن ما يقومون به عبارة عن جهود فردية تؤكد حالة الانتماء العارمة للوطن لافتاً إلى أنه رغم احتفائه الشخصي بالمتاحف الخاصة، إلا أنه يرى من منظوره التاريخي أنه من الأفضل للقطع النادرة والقيمة أن تعود للمتاحف القومية من أجل الحفاظ عليها من التلف والتعرض للمناخ وكل ما يهدد بفنائها ووجودها بشكلها الأساسي. ويرى المغني أن صدور أي قانون بخصوص حفظ وصيانة الآثار والمقتنيات التراثية هو في حد ذاته تشريع يسهل على الجميع عملية تسجيل الموروث الشعبي الذي بدوره يحفظ للأجيال ميراثهم الحضاري والتاريخي. البحث العلمي ومن ضمن أصحاب المتاحف الذين نذروا أنفسهم لخدمة الموروث الشعبي عثمان باروت الذي ولد في مدينة كلباء وأسس متحفة الشخصي في بيته، ويذكر أنه مهتم منذ زمن بعيد بجمع التراث الشعبي وهو ما يجعله يجمع الكثير من القطع والأشياء التي تعبر بشكل مباشر عن حياة الأجداد وكيف طوعوا الطبيعة وفق ظروفهم الخاصة رغم ندرة الموارد، مؤكداً أن لديه قطعا يرجع تاريخها إلى مئات السنين مثل قطعة من حجر بركاني قديم ويحكي قصة تفيد بأن أحد الباحثين أراد أن يدرس هذا الحجر وطلب منه أن يجري عليه بعض الأبحاث ووافق باروت على الفور، ويورد أن أعطاه الحجر ووزنه آنذاك 5 كيلوجرامات، لكنه عاد إليه بعد مدة بنصف الحجم، مبيناً أنه لم يغضب رغم أن الحجر البركان فقد أكثر من اثنين كليو جرام طالما أن ذلك يصب في مصلحة البحث العلمي، ويشير باروت إلى أنه في حال صدور قانون بخصوص الآثار والقطع التراثية فإنه سيقبل على تسجيل ما لديه من محتويات قيمة لإيمانه الشديد بأن مثل هذه القطع من حق التاريخ والأجيال المقبلة. صورة صادقة متحف شيخة النعيمي الملقبة «بأم صقر» في رأس الخيمة يأخذ طابعه الخاص لكونها منذ نحو ثلاثين عاماً وهي تجمع كل ما يؤرخ للوطن ويرسم صورة صادقة عن حياة الأجداد ولها إصدار يحمل عنواناً شفيفاً «حكايات الماضي تلتحم بقلبي» وهو كتاب يتناول تفاصيل كثيرة من الحياة القديمة للآباء والأجداد في حلهم وترحالهم وطريقة بناء بيوتهم ومجالسهم وكل ما يتعلق بهم في كثير من أمور المعيشة، وتشير النعيمي إلى أنها أطلقت على متحفها الشخصي «الرواق التراثي لأم صقر» وهو يحتوي على فخاريات نادرة متعددة الأشكال والأغراض يرجع تاريخها إلى نحو 100 عام فضلاً عن دلال وفنجانين وقدور عتيقة منذ ثمانين عاماً ومحتويات كثيرة تبين تفاصيل كثيرة من حياة الماضي. وتذكر أن لديها مخطوطات ترجع إلى 100 عام ومن المستحيل- على حد قولها- أن تسلمها إلى جهة معنية بالتراث، لأنها تتعلق بموروث أجدادها، لكنها لا تمانع مطلقاً من تسجيل محتويات الرواق والوثائق على سبيل الحفظ، وتشير إلى أن إصدار القوانين من الطبيعي أن يؤكد أهمية المتاحف الخاصة ويمنحها صلاحيات قوية. الخرس واليوان استخدم قديماً « الخرس في حفظ الماء ، وله أنواع عدة تصنع من الفخار وأحجام مختلفة، ويرجع تاريخه إلى أكثر من مئة عام وهو معروض في رواق شيخة النعيمي في رأس الخيمة. كان التاس يضعون في الخرس الماء غير العذب لاستخدمه في الاستحمام وغسل الأواني وبعض الأشياء الأخرى، أما الحجم الكبير منه فيسمى الخابية ويتم تخزين التمور في داخله وكان شائعاً لدى سكان الجبال، أما الصغير الذي يسمى الحب أو الصلاحي فإن استخداماته كانت محصورة في حفظ الماء العذب الذي يستخدم للشرب. أما اليوان فهو لطحن الحبوب وذو أحجام متنوعة من الخشب وبيضم في داخله قطعة خشبية أخرى سميكة للضغط بقوة على الحبوب لطحنها .وكان وجوده شائعاً داخل البيوت القديمة ويرجع إلى أكثر من سبعين عاماً ، وهو موجود أيضاً في الرواق التراثي لشيخة النعيمي في رأس الخيمة. أحمد المنصوري : أمتلك 10آلاف وثيقة يعود بعضها لأكثر من 1700سنة يقول أحمد عبيد المنصوري عضو المجلس الوطني الاتحادي : المتاحف الشخصية تعبر عن موروث الشعوب عبر الاقتناء والاحتفاظ بقطع لها قيمتها من الناحية التاريخية والإنسانية والثقافية، ويضيف : أسست ثلاثة متاحف تاريخية تضم مخطوطات تاريخية تراثية تعود لأكثر من 1700 سنة، وقطع تعود إلى ما قبل الميلاد، وأسلحة قديمة وعملات ومواد فنية قيمة، وهذه المتاحف حملت عناوين «متحف معبر الحضارات، متحف الأسلحة القديمة، متحف المخطوطات والمطبوعات»، لافتاً إلى أنه حين يقتني قطعة فهو يهدف من ذلك المساهمة في المحافظة على الإرث الإنساني ومن ثم الاحتفاء بميراث وطنه العريق. ويشير إلى أن المتاحف الشخصية تبين أن كل قطعة تروي قصة قديمة تؤرخ لحدث ما، ومن ثم ينتقل للأجيال بصورة تلقائية مفردات تراثية تظل باقية عبر الزمان والمكان، ويبين أن الفرد الذي يسعى بشكل دؤوب إلى تسجيل كل لحظة عن تاريخ أجداده يأمل في أن تكتمل الصورة الحضارية للوطن، ويذكر أن صدور قانون لحماية الآثار سيعمل على تفعيل زيادة المشاركة الوطنية في الاهتمام بأحد المكونات الثقافية التي تحافظ بصورة ما على الشواهد التاريخية التي تركها الأجداد للأجيال المتعاقبة، ومن ثم مساهمتهم في الإرث الإنساني، ويورد أن المتاحف الشخصية من ضمن عوامل جذب السياح جنباً إلى جنب مع المتاحف الوطنية وهو ما يسهم في تشكيل رؤية جمالية توثق لعلاقة الإنسان بماضيه التليد. وعن مقتنيات المنصوري يوضح أنه يقتني نحو أكثر من 10 آلاف وثيقة تاريخية ومخطوطة ونحو 8 آلاف صورة قديمة و 1500 قطعة فنية ونحو 6000 عملة معدنية تاريخية إضافة إلى العديد من القطع والمقتنيات التي تمثل تمازجاً حضارياً بين الشعوب. ويذكر أن مساهمة الأفراد والقطاع الخاص في إنشاء متاحف خاصة أمر صحي ويؤكد التناغم بين جميع القطاعات كافة. تجربة ثرية عبدالله راشد الكعبي الذي فتح جزءاً كبيراً من بيته للزوار في العين وتحديداً في منطقة نعمة من أجل الإطلاع على مقتنياته التراثية الغزيرة ، مهتم جداً بكل ما يحافظ على تاريخ وهوية الدولة وكل ما من شأنه أن يوثق لمرحلة عمرية معينة، مؤكداً أنه يحرص على التجول في الأسواق وبيوت الأصدقاء والأقارب بحثاً عن أي قطعة تؤرخ للوطن والأحداث التي مر بها في فترات سابقة. ويذكر الكعبي أنه سعيد بتجربته الثرية في مجال جمع المقتنيات، ومن ثم السفر إلى الخارج من أجل البحث عن مقتنيات تخص مرحلة تاريخية من حياة الأجداد لشرائها مبيناً أنه حين يصدر قانون ينظم العلاقة بين المتاحف الخاصة ومؤسسات الدولة المهنية بالتراث والآثار فسيبادر إلى تسجيل ما لديه من مقتنيات نادرة. جهد فردي يبين الباحث في التراث والتاريخ عمار السنجري أن المتاحف الشخصية أو الخاصة موجودة في أوروبا، منها التجاري ومنها ما يدعم حركة الفن والتراث والتاريخ. ويرى أن جامعي المقتنيات في الإمارات يعملون بجهد فردي يحمد لهم بنوايا طيبة وخالصة لوجه الوطن الغالي، وهو ما يجعل من البيوت التي تجمع عدداً كبيراً من المقتنيات واحات ظليلة لنشر الموروث الشعبي والتشجيع على التعرف على مفرداته الكثيرة، ويذكر أن القوانين مهمة لأنها تنظم العلاقة بين المتاحف الخاصة والمؤسسات المعنية بالآثار والتاريخ والموروث الشعبي، لافتاً إلى أن كل ما يحافظ على التراث هو في حد ذاته عمل نبيل يستحق الإشادة والتقدير.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©