الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

تراجع النمو في تونس يزيد المخاوف من تفاقم الأزمة الاقتصادية

تراجع النمو في تونس يزيد المخاوف من تفاقم الأزمة الاقتصادية
22 أغسطس 2015 21:33
ساسي جبيل (تونس) عاشت الأوساط الاقتصادية في تونس خلال الأسبوع الماضي على وقع التصريحات المتواترة حول نسبة النمو الاقتصادي في تونس، خلال النصف الثاني من 2015، والتي قال عنها سليم شاكر وزير المالية أنها ستتراوح بين 0.5 و1%، ولن تتجاوز هذا الحد على أي حال، في الوقت الذي أعلن المعهد الوطني التونسي للإحصاء أن نسبة النمو وصلت إلى 1.7%، وهي أقل نسبة نمو منذ يناير 2011، بل وفي تاريخ تونس المستقلة منذ العام 1956. وتم مؤخرا مراجعة هذه النسبة في الميزانية التكميلية، التي وافق عليها مجلس نواب الشعب التونسي بأغلبية شهدت معارضة شديدة من قبل كتلة الجبهة الشعبية (يساريين وقوميين) ونواب آخرين مستقلين، والتي تمّ تقليصها إلى 1% بعدما كانت مرسومة ومبرمجة في حدود 3% في الميزانية الأصلية. وتمّ التخفيض في حجم الميزانية العامة للدولة بما قدره 1900 مليون دينار تونسي (900 مليون دولار). وهو إجراء قد يساعد على التقليص من عجز الميزانية بنسبة طفيفة جدا لا تكاد تذكر. ويعزو خبراء اقتصاديون هذا التقلّص في حجم الميزانية التكميلية عن نظيرتها الأصلية لسنة 2015 إلى عدّة إجراءات سيادية، يبدو وأنه كان لابد منها لتجاوز مستجدات العمليتين الإرهابيتين اللتين شهدتهما البلاد في مارس ويونيو الماضيين، وأثرها على الاقتصاد الوطني، والتي جاءت في حزمة أوامر تضمنها قانون المالية التكميلي لسنة 2015 وتتمثّل أساسا في إلغاء رسوم مغادرة البلاد التونسية (بالنسبة للأجانب) المقدر بـ30 دينارا، إضافة إلى الزيادة في المنحة الجامعية للطلبة من 60 إلى 80 دينارا، حيث يبلغ عدد المتمتعين بهذه المنحة الشهرية نحو 400 ألف طالب. هذا بجانب إجراءات استثنائية بخصوص مساندة قطاع السياحة، والتي أقرّت في مشروع حكومي مباشرة بعد عملية نُزل القنطاوي بسوسة التي ذهب ضحيتها 38 سائحا أغلبهم من الجنسية البريطانية، وتضمّنت تنازلات مؤلمة على قروض وفوائد قروض وفواتير ماء وكهرباء، إضافة إلى قروض ميسرّة مؤجّلة الدفع تعهدت بها الحكومة لفائدة أصحاب الفنادق، إضافة إلى بعض الإجراءات الخاصة بتنقية المناخ الاجتماعي، كالزيادات الاستثنائية للمعلمين وأعوان الصحة والنقل والبريد وعدد من القطاعات التي تهدد بالإضراب وشلّ الحركة الاقتصادية. أزمة مصرفية أما على الصعيد المصرفي فقد عاشت تونس خلال الأسبوع الماضي أيضا على وقع الدعوة التي وجهها محافظ البنك المركزي وتبنّتها الحكومة فيما يُعرف بقانون رسملة البنوك العمومية الثلاثة التي تعيش على حافة الافلاس، وهو ما يتطلب من خزينة الدولة مبلغ 1.1 مليار دولار لإنقاذها من الإفلاس الذي تسير إليه من دون تراجع، نظرا لما عرفته من سوء تصرّف وفساد خلال السنوات الماضية، ونظرا لتراكم ديونها غير المُسدّدة وتفريطها في آلاف القروض من دون ضمانات. وهذه البنوك هي الشركة التونسيّة للبنك التي تُقدّر خسارتها بنحو 500 مليون دينار. في حين تُقدّر خسارة بنك الإسكان والبنك الوطني الفلاحي بنحو 250 مليون دينار لكل منهما. ولا شكّ أن هذه الاجراءات التي تتطلّب صرفا بكميات كبيرة من خزينة الدولة على مستحقات غير منتجة، من شأنه أن يزيد في تكبيل الاقتصاد التونسي بدفوعات لا تثمر، ويزيد بالتالي من عجز الاقتصاد التونسي ويكبله في صُنع التنمية ويتحول إلى اقتصاد هشّ يقوم فقط على مبدأ الصّرف ممّا يتوفّر من مداخيل، والاقتراض لتسديد باقي المستحقات، وهي دورة تعيشها تونس منذ نحو الخمس سنوات، ولو بنسب مختلفة من سنة إلى أخرى، إلا أنها في نهاية المطاف لن تؤدّي إلا إلى الإفلاس، والسير ربّما على طريق النموذج اليوناني. تقديرات أولية ويرى خبراء في تونس أنّه وبالاستناد إلى التقديرات الأوليّة، فإنه كان من المتوقّع أن تبلغ نسبة النمو 3%، وفق تقديرات البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، لكن هذه النسبة لم تأخذ بعين الاعتبار الإنتاج المتوقّف للفوسفات في الحوض المنجمي (الجنوب الغربي) الذي يوفر نحو عُشر الاقتصاد التونسي، وهو توقّف شكّل معضلة كبرى منذ سنوات، (وتسعى الحكومة الحالية إلى إعادته إلى سالف نشاطه بالكامل من خلال مصالحات وتنازلات وانتدابات وحلول عديدة قد تكلّف الميزانية استحقاقات إضافية. كما لم تأخذ تقديرات البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير بعين الاعتبار تراجع موارد قطاع السياحة الذي كان يشكل نسبة 7% من الدخل القومي الخام، والذي لن يتجاوز في تقديرات الخبراء عُشر هذه النسبة ولن يتعدّى حاجز 0,7% في أحسن التوقّعات. على صعيد آخر، فاق الدين العمومي للدولة، نصف حجم الاقتصاد ومعدل كلفته 5%، وهو ما يتطلب 2.5% كنسبة نمو سنويّ لتسديد الفائدة فقط. وهذا الأمر سيدخل البلاد في دوامة خطيرة، لأن قدرة الاقتصاد اليوم على تسديد الديون معدومة، وبالتالي فتونس مضطرّة لمزيد التداين من نفس الجهات أو من جهات أخرى، باعتبار ذلك هو الحل الوحيد لخلاص الديون وفوائد الديون. وكانت تونس تمتعت بقرض ائتمانى من صندوق النقد الدولي يبلغ 1.75 مليار دولار تم صرف 600 مليون دولار منه في انتظار استكمال الاصلاحات لتمكين السلطات التونسية من تطبيق الإصلاحات والالتزامات التي تم إقرارها، وينتظر أن تزور كريستين لاغارد مديرة الصندوق تونس الشهر المقبل لمتابعة ما وصلت إليه اتفاقية القرض الائتماني. وكان الصندوق طالب تونس بتحسين موارد الدولة وإصلاح القطاع البنكي وتحسين مناخ الأعمال، وهو ما لم يتحقق منه سوى رسملة بعض البنوك. تحذيرات من السيناريو اليوناني تونس (الاتحاد) أكد عدد من الخبراء أنّ ما يحدث في تونس يشبه السيناريو اليوناني في عدّة نقاط أهمّها الانتدابات الكبيرة والعشوائيّة في الوظيفة العمومية والزيادة في نسق الدين الأجنبي وارتفاع وتيرة المطلبية المُجحفة والإضرابات والاحتجاجات وتعطيل العمل في المؤسسات، والتي تشهد تراجعاً في حجمها باعتبار حالة الطوارئ والعطلة الصيفية، رغم أن ذلك لا ينفي عودتها من خلال تحرك بعض القطاعات والنقابات خلال الأيام الأخيرة، ومن المرجح أن تزداد خلال سبتمبر المقبل تزامناً مع العودة السياسية والمدرسية، نظراً لبقاء الفوارق الشاسعة بين الدّخل الفردي وبين أسعار المواد التموينية ومتطلبات الحياة. ومن ناحية أخرى، يحتدم الجدل والصراع بين أقطاب سياسية مختلفة في تونس حول ما يسمى «قانون المصالحة الاقتصادية» الذي يدافع عنه بشراسة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الذي يرى أنه كفيل بمساعدة الاقتصاد التونسي على تجاوز الركود الذي يعيشه. في حين يرى معارضوه أن القانون (مازال مشروعاً لم يصادق عليه مجلس النواب )، يمثل تشجيعاً ضمنياً للإفلات من العقاب ويشكل خطراً كبيراً على البلاد ومسار العدالة الانتقالية. ويتضمن مشروع القانون المشار للمصالحة مع رجال الأعمال الذين تورطوا في اختلاس المال العام قبل الإطاحة بنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي مقابل قيامهم بجملة من الإجراءات منها إرجاع ما تم نهبه من المال العام.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©