الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

طفلي خجول ·· ماذا أفعل؟

طفلي خجول ·· ماذا أفعل؟
28 فبراير 2009 22:11
يسترق النظر من بعيد، متردد، يلزم الصمت، يتوارى عن الأنظار في حضور الغرباء، وسرعان ما يعلو صوته بالبكاء عندما تغيب والدته عن ناظريه، سمات تتسم بها طبيعة الطفل الخجول، الذي يحاول تطويق نفسه بجدار يحول بينه وبين كل شخص من خارج محيط أسرته، مما يعرض الآباء للاستياء والحرج من سلوك أطفالهم أمام الآخرين، فقد يتلفظ الطفل بمفردات الرفض والكره والعداء لكل من يحاول الاقتراب منه· هذه السلوكيات لها تأثير سلبي في بناء شخصية الطفل·· فأين تكمن مشاكل الخجل وتداعياته على الطفل؟ وكيف يمكن كسر قيوده لإطلاق الطفل قي علاقاته مع الآخرين؟ يرى باسل الخطيب أن الطفل الخجول هو طفل مدلل ملتصق بوالدته يرفض الاختلاط بأقرانه، ويجب التنبه إلى المشكلة منذ بدايتها ومحاولة وضع الحلول لها قبل أن تتفاقم ويصعب بالتالي حلها، فالأمر أولا وأخيرا في يد الوالدين، بحث طفلهما على الكلام أمام الآخرين دون إكراه بل بطريقة تلقائية سلسة وتعزيزه إن قام بذلك، مع الحرص على عدم ذمه أو الانتقاص من قدره إن لم يحقق ما يتطلع إليه والديه· وتقول مريم حسن إن العامل الوراثي يلعب دورا محوريا في رسم ملامح شخصية الطفل فهو لابد أن يأخذ سمات أحد والديه، هذا ما لمسته في ابني فهو نسخة جوهرية من والده، الذي يعيش في دائرة مغلقة تماما عن المشاركة الاجتماعية، ويفتقد إلى عنصر المبادرة ومواجهة أي موقف قد يعتري طريقه فيكتفى بالسكوت والانسحاب حتى لو كان على حق، فهذا يجعله ضعيفا أمام الاخرين، فأحاول بقدر تجاوب ابني معي أن أخرجه من هذا الاطار من خلال إلصاقه باللعب مع الاطفال أثناء التنزه، وتوجيهه وإرشاده في كيفية التعامل مع أصدقائه، وكثيرا مع أطرح بعض التساؤلات عليه حول مجمل الأحداث التي تدور في المدرسة·· فالحوارات الدائمة تطلق لسان الطفل وتجعله على قدر أقوى في التعبير عن مشاكلة أو ما قد يزعجه· ربما الأمر مختلف نوعا ما مع أم منى فهي تفضل أن ترى طفلتها تلوذ بالفرار عندما يدخل عليهم أحد الزوار قائلة: سرعان ما يعم الهدوء والراحة بعد مشاغبات مستمرة من طفلتي التي تتوارى عن الأنظار بعيدا عن أعين الزائرين خجلا منهم، فبقدر ما لهذه الصفة من سلبيات إلا انها قد تكون في بعض الاحيان وسيلة للتخلص من الضغوط النفسية اليومية· وتشير شرين طالب إلى أن المسالك الخاطئة التي يحاول بها الآباء علاج مشكلة الخجل عند الابناء، هي الضغط بقوة وأحيانا التهديد بالضرب لإجبارة على القيام بشئ ما يريده الأب، وأحيانا يتم ذلك أمام الناس فتكون النتيجة عكسية، مما تزيد من رفض الطفل نفسيا بأن يخالط الناس ويجلس معهم، ويبدأ الطفل في فقدان ثقته بنفسه وبقدرته على محاورة الآخرين· فيما ترى المعلمة أمينة محمد قائلة: إن كل ما يعترى شخصية الطفل يعود إلى طبيعة البيئة التي نشأ فيها، ففي كثير من الأحيان أجد ان أحد طلابي يعاني من الخجل بنسبة عالية يمنعه من أن يكون طبيعا في علاقاته مع زملائه في الفصل حيث ألحظ عليه عزلته وابتعاده عن زملائه، يتحدث بنبرة خافته قد لا تكون مسموعة ويتملكه الخوف من أن يتحدث أو حتي يعبر عن رغباته واحتياحاته· فهذه مشكلة يجب أن تعالج من البيت فهي البيئة الأولى لتنمية شخصية الطفل وبالتالى يؤثر أيضا على علاقاته مع المحيطين به خارج أسوار الاسرة، فكثيرا من الأحيان يفتقر الطفل الخجول إلى القدرة في تكوين صداقات بالرغم من أنه يرغب في أن يكون محاطا برفاق فلا يمتلك مهارات كسب الاصدقاء· ويشير روحي عبدات الاختصاصي النفسي التربوي قائلا: يعتبر علم النفس أن الخجل نوع من أنواع القلق الاجتماعي الذي يؤدي إلى حدوث مشاعر متنوعة تتراوح بين القلق والتوتر البسيط إلى مشاعر رعب وهلع واضحة تصنف في علم النفس تحت إطار أمراض القلق والتوتر، خصوصا أن النهاية الطبيعية للخجل الشديد هي الشعور بالوحدة والانعزال عن المجتمع، ولا أعتقد أن هناك فارقاً جوهرياً بين الانطواء والخجل، فقد تعاملت معهما البحوث التربوية كمكملان لبعضهما، فالطفل الخجول هو منسحب إلى ذاته بعيدا عن البيئة الاجتماعية المحيطة، وقد يكون الانطواء بإرادة الطفل، أما الخجل فيكون أحياناً لا إرادياً فعلى الرغم أن الطفل يتمنى أن لا يكون خجولاً إلا أن مشاعر وانفعالات داخلية تمنعه من ذلك، أما المنطوي فهو يركن إلى هذا السلوك ويرتاح عليه، وهو يتخذ جانباً مرضياً أكثر، فقد يكون الإنسان خجولاً، ولكن يتمتع بصحة نفسية، إلا أن الشخص المنطوي قد يعتبر هذا الانطواء مؤشراً على عدم سلامته النفسية، وعدم تكيفه مع المحيط· وهناك أعراض فيسيولوجية مثل زيادة في ضربات قلب الطفل الخجول، تعرق اليدين والوجه، احمرار الوجه· وأعراض سلوكية متمثلةً مثل تجنب التواصل البصري، وعدم القدرة على مواجهة الآخرين· وغالباً ما يصاب الطفل الخجول بانخفاض في النشاط الاجتماعي والتعبير عما في نفسه، مفضلاً الانسحاب على المواجهة· ويجعله هذا السلوك أقرب إلى الانطواء وعرضة لمرض الاكتئاب والانخفاض الشديد في المهارات الاجتماعية فيفقد بسببه الثقة بالنفس، الأمر الذي يدفعه إلى الانسحاب الدائم والسريع· ويضيف عبدات قائلا : هناك عوامل وراثية في الأمر وهناك أسباب صحية، والتي قد ترجع إلى تعرض الأم الحامل إلى الإرهاق أو للاضطرابات النفسية بالإضافة إلى النقص في التغذية، كما أن هناك أسبابا بيئية، تولدها جميع البيئات التي ينشأ فيها الطفل من بيت ومدرسة أو المجتمع الذي يعيش بداخله، بحيث تحفزه على الخجل بدلاً من الاندماج وسط الجماعة التي يعيش فيها والتي تترجم في النهاية إلى ضعفه في تكوين المهارات الاجتماعية· كما أن خجل الطفل المستمر يضيع عليه الكثير من الفرص الحياتية، لأنه يتجنب الكثير من المواقف ويعيق تطوره ونموه، إضافة إلى أنه يريد الاندماج وخوض بعض التجارب إلا أنه لا يستطيع ذلك، فيقع في دائرة لوم الذات وإطلاق المسميات السلبية على نفسه بأنه عاجز وغير قادر عن طريق الحوار الداخلي السلبي، فتضعف ثقته بذاته، ولا يستطيع أن يرى القدرات الموجودة عنده، بل الخجل يغطي على هذه القدرات، ويعيق نموها وتوظيفها في حياته اليومية· والطفل الخجول طبعاً تكسوه بعض مشاعر التوتر والقلق، والتخوف من المواجهة، مما ينعته الآخرون أحياناً بالجبن، أو أنه غير قادر، فيؤثر على مدى احترامه وتقديره لذاته· ويؤكد عبدات أن الأسرة تلعب دوراً مهماً في ذلك خاصة عندما تعزز هذا الخجل الذي يظهر عنده في مراحله الأولى وعدم تشجيعه على مواجهة المواقف الاجتماعية، وقد يتعلم الطفل هذا السلوك من أبيه أو أمه عندما يمارس الأب أمامه هذه السلوك ويتجنب المشاركة الاجتماعية، وأن الكلمات التي ترددها الأسرة أمام الطفل عندما يقوم بسلوك معين لها دور كبير في نشوء هذه الظاهرة، مثل ترديد عبارات، لا تفعل ذلك، عيب··!، وما إلى غير ذلك من العبارات التي تدعو إلى كبح جماح بعض السلوكيات العفوية· فالخجل في غالبه ظاهرة اجتماعية وذات عوامل بيئية بالدرجة الاولى، إلا أن الأبحاث أفادت أن حوالي 10-15% من الأطفال يولدون ولديهم ميل واستعداد لأن يكونوا خجولين بصورة غير طبيعية، فلا يجب مناداة الطفل ونعته أمام الآخرين بأنه خجول والتركيز على الإنجازات التي حققها للتخلص من الخجل·
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©