الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

استرينا ترتمان.. هرطقة بين جنبات الجيتو

4 نوفمبر 2006 00:12
السعد عمر المنهالي: يبدو أن اليهود قد قرروا أخيراً التراجع عن هسكلتهم (''الهاسكالاة'' بالعبرية وتعني الحكمة) بعد قرنين من الزمان، وعادوا ليهرطقوا من جديد حول ما تعًمد مؤسسو دولتهم العبرية أن يفعلوه بمحاولتهم تقديم نموذج علماني متميز يكسر حواجز ''الجيتو'' الصارمة ويذوب انصهاراً مع الغير، فإذا بشعار ''كن يهودياً داخل بيتك وإنساناً في الخارج'' الذي طرحته حركة التنوير اليهودية في بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر قد تحول إلى شعار جديد يفرض الديانة اليهودية كهوية حتى على سماء إسرائيل، ويعيد علنا فرض الدين كمحدد رئيسي للانتماء للدولة العبرية!! لقد أفزع المشروع الذي تقدمت به ''استرينا ترتمان'' رئيسة كتلة ''إسرائيل بيتنا'' في الثلاثين من أكتوبر الماضي 2006 البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) النواب العلمانيين في الدولة العبرية حتى قبل النواب العرب من التطرف الفكري الذي وصل له اليمين المتشدد في إسرائيل، خاصة وأن المشروع يسعى إلى تعديل القانون الأساسي الإسرائيلي ليستطيع بموجبه ثمانون عضواً فقط في الكنيسيت التصويت لطرد كل نائب يتنكر لدولة إسرائيل أو قام بالتحريض على العنصرية أوعلى النضال المسلح ضدها· وعلى الرغم من إصرار النائبة اليمينية ''استرينا'' على أن مشروعها ''لم يكن موجهاً للنواب العرب على وجه الخصوص بل إلى كل من يريد أن يحطم إسرائيل، إلا أن إعلان المشروع في الوقت الذي انتهت فيه الإجراءات القانونية لانضمام حزب ''إسرائيل بيتنا'' إلى الائتلاف الحكومي، وتعيين رئيسه ''افيجدور ليبرمان'' وزير دولة لشؤون مواجهة الأخطار الاستراتيجية، ما هو إلا تأكيد على النزعة اليمينية العنصرية التي سيصطبغ بها الكنيست الإسرائيلي خلال الفترة المقبلة! بالتأكيد كانت تدرك النائبة ''استرينا ترتمان'' جيداً أن مشروعها الذي تقدمت به للبرلمان الإسرائيلي يعد من المشاريع غير الدستورية والتي لن تقر بحكم أنها تخالف القانون الأساسي الإسرائيلي -والذي يجب أن يجري استفتاء لتغيير أحد بنوده بعد موافقة ثلثي الأعضاء الكنيست على ذلك- غير أن تزامن ذلك مع دخول حزبها للحكومة يحمل دلالات أخرى قد تتخطى مجرد الضجة التي جرت في الكنيست وقت إعلان المشروع· لن اعيش معهم لم تكن الدولة العبرية قد جاوزت عقدها الأول عندما ولدت فيها النائبة ''استرينا ترتمان'' في التاسع من نوفمبر عام ،1957 وعلى الرغم من اعتبار ''استرينا'' من الجيل الذي شهد في مراهقته أواخر الحروب الإسرائيلية مع العرب - حرب 73-إلا أنها تعد من أكثر النائبات في الكنيست الإسرائيلي تطرفاً ضد العرب، فلم تحمل من أفكار مؤسسي دولتها العبرية مبادئهم التي يدعى أنها علمانية لا تفرق بين مواطنيها، وكل ما حملته مبادئ حزبها العنصرية التي تدعو إلى تهجير العرب من إسرائيل· تترأس استرينا كتلة حزب ''إسرائيل بيتنا'' في الكنيست كما ترأس لجنة مراقبة الدولة المضطلعة بعدد من المهام الحيوية والرقابية التي تجعل منها من أكثر الأسماء تداولاً في القضايا الشائكة التي تتعرض فيها الحكومة الإسرائيلية للانتقاد، غير أن موقفها من عرب إسرائيل أو كما يطلق عليهم عرب 48 تجعل منها الأكثر رمزية للعنصرية الصهيونية· على الرغم من دخولها الحديث للكنيست -خدمت كفترة جزئية في الكنيست السادس عشر شهرين فقط- والكنيست السابع عشر منذ ابريل الماضي ،2006 ومشاركتها في لجان ذات طبيعة اجتماعية وبيئية، إلا أنها ظلت تطلق تصريحاتها النارية ضد عرب ،48 وتعتبرهم المشكلة الأساسية لإسرائيل -حد تعبيرها· لقد ظلت تطلق وعودها لأنصار حزبها قبل دخولها الكنيست الحالي بسعيها لخلق ''فصل تام'' بين اليهود والمسلمين عن طريق تبادل السكان، وقد شرحت هذا الهدف بقولها في إحدى المناسبات إن حزبها ''اسرائيل بيتنا سيسعى لإصدار قانون جنسية يشترط فيه على كل مواطن أن ''يحلف يمين الولاء للدولة، وللعلم والنشيد الوطني وأداء خدمة وطنية''، وقالت تباعاً على هذا، إنها تدرك أن معظم عرب 48 لن يكون لديهم استعداد لهذا، وبالتالي سيسحب عنهم حق التصويت· ويبدو رفضها لعرب اسرائيل عنيفاً على الرغم من احتمال قبول كثير منهم لشروط من هذا النوع، فقد عادت مرة أخرى لتؤكد رفضها التام للعيش معهم، وقالت في ذلك: ''إذا كان العرب لا يريدون العيش مع إخوانهم المسلمين، ''الذين لهم نفس اللغة، ونفس العقيدة، ونفس الديانة، ونفس النبي، ونفس الفرائض··، إذا كانوا لا يريدون العيش معهم فلماذا يكون المطلوب مني كيهودية أن أعيش معهم؟''!! ائتلاف جديد·· قديم تنبأت ''استرينا ترتمان'' مبكراً بمشاركة حزبها ''اسرائيل بيتنا'' في حكومة ''ايهود اولمرت'' زعيم حزب ''كاديما''، وذلك على الرغم من خطة الأخير بفك الارتباط من جانب واحد من الأراضي الفلسطينية والتي يرفضها ''اسرائيل بيتنا'' ويرى أن أي انسحاب يجب أن يعني تبادل كامل للأراضي والسكان، وهو يطرح هنا مبادلة المستوطنين الإسرائيليين بعرب ·48 ويبدو أن ''ايهود اولمرت'' الذي شهدت حكومته خلال الأشهر الماضية بعد حرب لبنان هزة سياسية عنيفة زاد من تداعياتها فضائح بالجملة لأعضاء حكومته، قد قرر بعد تدني شعبيته جذب أطراف مثيرة لحكومته لضمان عدم سحب الثقة منه على اقل تقدير، وهو بالفعل ما تحقق، فبعد انضمام حزب ''اسرائيل بيتنا'' -يملك أحد عشر مقعدا في الكنيست- يصبح ائتلاف ''أيهود أولمرت'' مسيطرا على 78 مقعدا من أصل 120 مقعدا· في مقابل هذه الميزة التي أضافها حزب ''اسرائيل بيتنا'' لحكومة أولمرت أصبح من الضروري على الأخير أن يقدم شيئاً، وبالفعل فتحركات الجيش الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية وغزة خلال هذه الفترة بالذات، عربون محبة تقدمه الحكومة للحلفاء الجدد، لاسيما وأن هذا الحليف الجديد كان دائماً بحسب طروحاته اليمينية يفضل التحالف مع الليكود، وكانت ''استرينا ترتمان'' قد صرحت مراراً أن الليكود هو خيارهم الأفضل في أي فرصة تحالف· فحزب ''اسرائيل بيتنا''ـ الذي يكونه اليهود الروس الذين هاجروا أواخر العقد الماضي- يتفق في أفكاره التي تقوم على التخلص مما يقارب من نصف مليون فلسطيني من عرب 48 وترحيلهم للأراضي الواقعة تحت السلطة الفلسطينية مع حزب الليكود، فالهوية اليهودية تعود لتحتل المكانة الرئيسية في تقييم الولاء للدولة العبرية، غير أن هذا - خاصة بالنسبة لمعايير الدولة العلمانية- لا ينظر إليه على أنه موقف خاص بالليكود فقط، فكاديما الذي خرج من عباءة الليكود حمل هذه الأفكار بعد صعوده سدة الحكم، فقد أعلنت وزيرة الخارجية الإسرائيلية ''تسيبي ليفني'' في مارس الماضي ''2006 عن رغبتها ''في أن تكون اسرائيل بمثابة بيت لهم، ولكن لا يمكنها أن تشكل بيتاً قومياً لهم''، وهو تصريح يظهر رؤيتها الأيدلوجية التي تبدو فيها اسرائيل أحسن الأحوال منزلاً مؤقتاً وليس دائماً للفلسطينيين، كما أن فكرة التهجير القسري للفلسطينيين واردة· استنكر النواب العرب في الكنيست الاسرائيلي هذا الائتلاف كما استنكر اليسار الديموقراطي، غير أن النواب العرب طالبوا بمقاطعة حكومة رئيس الوزراء ''ايهود اولمرت'' بسبب ضمهم لحزب ''اسرائيل بيتنا''، وهم بذلك لا يبتعدون كثيراً عن تجمعات الغيتو التي رفضها أصحاب الفكر التنويري من اليهود في أوروبا، فذهبوا للاندماج مع غيرهم، في حين قرر العرب المقاطعة والعزلة في هرطقة ولكنها عربية هذه المرة!!!
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©