الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زخرفة حكايات الشعوب

زخرفة حكايات الشعوب
25 أغسطس 2011 01:14
ماذا يحصل لو اجتمع فنانون تشكيليون من مختلف جهات العالم على أرضية واحدة، نقصد اجتماع رؤاهم الفنية، وطرق تفكيرهم وأساليبهم ومدارسهم التي ينتمون إليها؟ عوالم متعددة وآفاق رحبة، تقليديون بجوار حداثيين وفنانون يلقطون التفاصيل الدقيقة بجانب فنانين شموليين لا حدود لآفاقهم الواسعة وآخرون يعتنون بالبورتريه وبصحبتهم فنانون يمثلون الطبيعة بكل مفاصلها. ماذا يحصل لو انتقلت فجأة وعبر سنتيمترات عديدة من لوحة تمثل الشرق بكل جزئياته إلى لوحة تمثل الغرب بكل ضجيجه؟ ماذا يحصل لو اطلعت على ما هو محلي وبجانبه ما هو عالمي، الموروثي وبجواره الحداثي؟ هل نجد في هذا التعدد متعة؟ ربما يفضل بعضنا كمتلقين أن يكون المعرض أي معرض موحد الرؤية، يمتلك وحدة الموضوعية، ومن فضائل هذا المعرض وخصيصته الإيجابية أنه يعرفنا بطبيعة ما يقدم وبالوحدة العضوية التي تجمع أعماله، ولكن بمقابل ذلك هناك من المتلقين من يستمتع بروح التعدد واختلاف الرؤى، وتنوع الأساليب، حيث تراه يتنقل مفاضلاً، كاشفاً عن آرائه في هذه اللوحة أو تلك، وتبقى طرائق تجمع الفنانين مختلفة، وهذا هو الفرق بين المعارض الشخصية والمعارض الجماعية، وربما تكون المعارض الشخصية متأخرة كثيراً كي يمتلك الفنان أسلوبه الخاص ويتفرد بعالمه المختلف ومدرسته المفضلة وعنوانه النوعي. في رمضان هذا العام اجتمع 25 فناناً تشكيلياً من مختلف دول العالم في “بازار رمضان الفني” بأبوظبي، وهو معرض سنوي تنسق أعماله الفنانة الإماراتية سمية السويدي. غربيون من الشرق نفذت الأعمال التشكيلية بمختلف المواد، منها الزيت على الجمفاص والألوان المائية والماكس ميديا، وقدمت أعمالا بطرائق فن الديجتال آرت مع ما يجاورها من أعمال التصوير الفوتوغرافي. فنانون من الإمارات وآخرون من الهند ومن العراق ومن لبنان ومن أرمينيا ومن بيرو ومن ماليزيا ومن بريطانيا وفرنسا، شرقيون وغربيون التقوا في 5 قاعات ضمتها صالة الغاف جاليري في أبوظبي. قدم الفنانون جميعهم 70 لوحة بمعدل 4 لوحات لكل فنان كحد أقصى، وتميز المعرض بمشاركة فاعلة للفن الإماراتي قدمها الفنانون مطر بن لاحج وخليل عبدالواحد وعبدالرحيم سالم وجلال لقمان وسمية السويدي وحمدان الشامسي وسعود الظاهري ونبيل المحيربي وروضة المزروعي. ومقابل ذلك، اشترك من الفنانين العرب فهيمة فتاح من العراق وكلوديا حبيب من لبنان وبجانبهم غربيون وشرقيون ومنهم كريتش من فرنسا وجنيفر سايمون من بريطانيا ونيناراي وارجو اكس آربي شيزبن من الهند وليز راموس من بيرو ولندا ستيفانين من أرمينيا وسعدية سليمان من ماليزيا وبنا ظاهر من بريطانيا. الحرف العربي حاول مطر بن لاحج أن يمازج بين الحروفية وجماليات الحرف العربي “الباء والعين والميم” في لوحاته الثلاث التي اشترك فيها والتي استغلت المساحات الواسعة التي نفذت عليها لتبرز جمالية وانحناءات الحرف مع أرضيات مشعة باحمرار أخاذ وبتنفيذ استغل فيه الأرضية لتشع على جسد الحرف. أما جلال لقمان فقد تنوعت أساليبه وكل ذلك بسبب خبرته الطويلة التي خلص منها بروح الادهاش ومحاولة خلق صدمة للمتلقي في تشكيل اللوحة والمعنى المتعدد الذي تمنحه. قدم جلال لقمان وجهاً مقلوباً ولوحة علقت عليها ساعة يد ضمن عالم ممزق سوداوي ومدينة كبيرة لعالم غربي بوجه فتاة مغربة وشخوص يمتلكون عوالم خاصة وثمة رجل آلي من عالم آخر، ريبوت على لوح أسود صغير وآخر كاريكاتيري على لوح أسود أيضاً ولوحة لصقر بمخالب حادة ووجه رجل فوقه، على أرضية سوداء ووجه رجل فقط بحجم 25*25 سم ولوحة بعنوان IN THE DARK PLACES “في مكان مظلم” تشع فيها أضواء حمراء متداخلة وسط سواد وعتمة، أضواء مختلفة لعالم مختلط. ويبحث جلال لقمان عن المختلف فيذهب لتجسيد فتاة بلون مزرق 25*25 سم ساهمة، متأملة، مع ملصقات بلغة إنجليزية، أشرطة طويلة من اللغة، وشبح رجل واقف 15*15 سم ورجل مشوه الوجه يدور حول زاوية 15*15 سم، هذا هو عالم جلال لقمان المتعدد الوجوه والتناولات. يقابل ذلك، عالم الفنان نبيل المحيربي في لوحاته الأربع التي اجتمعت ثلاث منها لتمثيل العلاقة بين “العاصفة” و”الليل” و”البحر”، بينما اقتنصت اللوحة الرابعة شتاء جبلياً في عالم غربي. في لوحته “عاصفة ليلية” نبصر سماء سوداء وبحراً أزرق يتصارعان، “العاصفة” لوحة زيتية نفذت على الجمفاص بمساحة 40*30 سم تمثل الطبيعة بشكل واضح بالرغم من تجريديتها المعمقة، كذلك في لوحته Beyond، حيث القمر في سماء سوداء يطل على جزء من كرة الأرض الزرقاء، عمل تخيلي بحجم 40*40 سم وبالزيت أيضاً، يقابل العمل الثالث لنبيل المحيربي والمعنون “عاصفة البحر” 30*30 سم، حيث نبصر سفينة في بحر هائج، سفينة صغيرة، ملامح لسفينة بعيدة في عالم كوني مخيف. قدم نبيل المحيربي رؤية موحدة في ثلاث لوحات، رؤية قاتمة تمتزج مع رؤيته في لوحة “شتاء” Winter، حيث شجرة وسياج وممر بين تلين وبيت أوروبي بعيد استخدم الأخضر والأزرق مع طغيان البياض. استخدم خليل عبدالواحد الاكرليك الأسود على الجمفاص في تنفيذ لوحته اللافتة للنظر، وهي بورتريه لشاب يعتمر كوفية وفي نظرة ثاقبة بعيدة، اهتمام واضح بالملامح وبكيفيتها على خلفية بيضاء. قدم الفوتوغرافي سعود الظاهري الذي يشتغل على خلفية تشكيلية في ممازجة بين هذين الفنين أربعة أعمال، وهي تحمل عناوين “التقاء” في تصوير لمسجد الشيخ زايد رحمه الله والثانية “الانتظار” لرجل يحمل قبعة مطرية حمراء لافتة والثالثة “ملك الطيور” والأخيرة بعنوان “الترحيب”. في لوحة الرجل الهندي الذي يحمل سناً مذهبة وحلقة مذهبة في أذنه، ذهب يلمع ومظلة حمراء تلمع، أيضاً في لوحته الأخرى “انتظار”، أما “التقاء” التي يصور فيها مسجد الشيخ زايد فهي استغلال جمالي للبياض، 4 قباب ومنارة جميلة في الزاوية. وحاولت روضة المزروعي أن تقدم في 3 أعمال عالم الغابة، جمال العناق بين أغصان الأشجار، عالم شجري في زحمة تخلق ظلمة. قدم حمدان الشامسي Deep With in Self، وهو عمل تجريدي محض، حاول من خلاله أن يكتشف أعماق الذات في خطوط ترميزية عالية وهو بذلك قد طابق بين خوض الموضوع وتجريدية الرسمة التي لا يمكن تمثلها بفن واقعي. كانت أعمال لمى الخطيب الثلاثة الكبيرة “وجه رجل” و”الحرية” و”التفكير” لوجه فتاة من الأعمال الملفتة في المعرض حيث قدمت الفنانة مساحات كبيرة وشابهت في ذلك خليل عبدالواحد في اقتناص البورتريه، إلا أنها قدمت مع كل لوحة حالة إنسانية منها الرجل الباحث عن الحرية من خلال الحمامة والامرأة التي تفكر. ويجاور هذه الأعمال 4 لوحات رسمت على الخشب للفنانة ليز راموس برادو من بيرو التي استطاعت أن تقدم وجوها لبورتريهات فتاة، بالحرق على الخشب في جمالية متفردة وملفتة للنظر، وهي في ذلك تلتقط وجهاً أنثوياً متشابهاً إلا أنها تدخل إلى تفاصيل هذا الوجه من زوايا متعددة، هذا بالإضافة إلى ما في موادها المستخدمة من مغايرة عن السائد. القباب والمنائر كذلك آر. ب. استخدمت في لوحتها عالم من الطيور نرى فتاة وقد أحيطت بالعصافير بوضعيات وكيفيات مختلفة هي أقرب إلى الأعمال الفنية الهندية، بلابل وأيقونات تقليدية ضمن ألوان باهتة بما يوحي وكأنها تخطيطات لعمل مستقبلي، أما لوحتها الأخرى السفينة القديمة والتي وضعت لها في مقدمتها ومؤخرتها علم الأمارات، سفينة تنشر عشرة أشرعة منفذة خطوطها بالأسود والأبيض في عالم لا يمتلك لوناً، تنفيذ متقن الأبعاد والزوايا والظلال. استخدمت جنيفر سايمون عالم الشرق بكل رموزه في لوحاتها الكثيرة في هذا المعرض، البراجيل وبرج العرب والنخلة والألوان المتعددة. في لوحتها 4 نساء منقبات بحجاب لوني مختلف، الأخضر والأحمر والرصاصي والبرتقالي وبحجم 60*25 سم نفذت سايمون التشابه الشكلي في الاختلاف اللوني، أما في لوحتها الأخرى “الحب” فقد استخدمت النساء ذاتهن، 4 نساء منقبات ولكن بشكل مربع ضمن زوايا أربع وليس بشكل مستطيل كما في اللوحة الأولى وهي بحجم 40*40 سم وكأن سايمون تعطي درساً في الأبعاد واختلافها وكيفية تقبل الرائي للصورة، وفي لوحتها الثالثة نجد 4 نساء أيضاً وهن منقبات وبنفس الألوان وبشكل مستطيل مثل اللوحة الأولى لكن الجديد فيها الاستخدام الأمثل للضوء، وهي بحجم 60* 25 سم. قدمت جنيفر سايمون أيضاً لوحتها الرابعة “عالم مدينة”، وكما قلت ظلت في حدود توظيف الرمز الشرقي، الدلة والشبابيك والتمائم والمنازل القديمة والأبواب المرصعة والمساجد وكلها بألوان متعددة، إنها فنانة تعتني باللون وتهتم به، حيث نجد القباب والمنائر والبيوت المحدبة منفذة بالألوان، الأخضر والأحمر والأصفر. عالم البدوي وفي هذه المرة، قدمت كلود حبيب فنها بشكل فاخر وجمالي عالٍ، ففي لوحتها الجمل والفرس والبدوي الذي يجوب الصحراء في عالم محمر ترى نصوع اللون الأزرق في مغايرة واضحة عن السائد والمتداول في اللون. كذلك اشتغلت كلود حبيب في لوحتها الطبيعة الصامتة على هذا الجمال الجامع والمتراكم في لوحة تزخر بالوجدان، واستنطاق الأشياء، سجادة قديمة مطوي طرفها، زهور وستارة وقلادة على قماش حليبي لامع، مرزكش وقلادة كبيرة فيروزية وقدح وزهرتان وصندوق وشناشيل، عالم مملوء بالحياة والتقاليد والأناقة. ولم تكتف كلود حبيب بذلك بل قدمت تخطيطات جميلة لحصان أبيض Champion، حاولت فيه أن تلتقط حركة الحصان من ذيله وشعره الطافح فوق رأسه. قدمت نيناراي لوحات ثلاثا، الأولى تزخر بعالم أحمر غير واضح متداخل نفسي يحمل كل معاني التجريدية أما لوحتها الثانية، فهي لزهرة حمراء قاتمة، وعالم ملون حولها، في الوقت الذي نقلت عالم الصحراء إلى الاحمرار نفسه، بينما نجد شجرة بعيدة وسط هذا العالم الهائج، تدرج في اللون الأحمر ضمن مستويين الأعلى فاتح والأسفل أكثر قتامة. حروفيات ناطقة ونتوقف عند بنا طاهر في حروفياتها، الأولى “رب يسر ولا تعسر” و”رب تمم بالخير” بحجم 80*80 سم، حيث الأحمر القاني يشع منه بياض الحرف وفي لوحتها الأخرى “بسم الله الرحمن الرحيم” والثالثة “إن الله جميل يحب الجمال” تستخدم الحروف الزرقاء في جمال كوني عالٍ كذلك في لوحتها الرابعة “روح” 80*60 سم التي نفذتها باللون الأزرق القاتم على أرضية زرقاء فاتحة، هذا التدرج اللوني أكسب اللوحة جماليتها ووحدتها الموضوعية. أما الفنانة الأرمينية ليندا ستيفانيان، فقد قدمت نموذجين متقابلين متشابهين تماماً إلا من بعض الفروقات الموروثية، وهما “الأم الإماراتية” في الأولى و”الأم الأرمينية” في الثانية، وكلاهما يتقابل وجهاهما. هما لوحتان متماثلتان، أمّان متضرعتان، وهما مذهبتان بقناديل غنية، الأيقونة نفسها إلا أن الاختلاف كون الأم الإماراتية منقبة والأخرى مكشوفة الوجه، وهو دلالة موروثية وانتماء وطني، إلا أن روح التشابه في إنسانية هاتين الامرأتين. حاولت ليندا ستيفانيان أن تنقل رؤيتها في لوحتين طوليتين 25*60 سم ومن خلال التشابه نجد الاختلاف. الفنانة فهيمة مفتاح في لوحتيها “النساء الثلاث” و”النساء الريفيات الواقفات”، تحتشد كل موروثات الريف العراقي، في لوحتين نقلت فيهما عبر الألوان والخطوط كل تقاليد الموروث، روحه الذي كرسه الفنانون الأوائل ابتداء من جواد سليم، هنا لم تخرج فهيمة مفتاح عن هذه المدرسة المهمة في تاريخ الفن التشكيلي، حيث حافظت على تقاليد اللوحة وعمق مدلولاتها وإيحاءاتها. موسيقى الروح وعندما نقرأ أعمال كريتش التي تهتم فيها بالتماثل والمشابهة بين الوجوه والأيدي وكأنها تجد في حركات الأيدي لغة صامتة. اعتمدت كريتش الأضلاع والحروف وكلمة “الله” في جلالها الآسر، والتقطت وجهاً مقلوباً هو ذاته بوضعية أخرى، مع مثلثات لأيقونات. اهتمت كريتش عبر أعمالها الكثيرة بتشكيل عالم مثالي يزخر بالحلزونيات وبقطع البيانو البيضاء والسوداء وبالأصابع ورشاقتها، حيث عالم الموسيقى وروعة أحلام الفنان وانسياب الأنغام من بين يديه، مع لوحات لنوتات عزف بيضاء مليئة بلغة الموسيقى، أنغام تهرب كالحلزونات متوهجة، حالمة، متسارعة، تقفز في عالم سحري، ولا تستغرق كريتش بالألوان كثيراً ولا تذهب بعيداً مع الألوان القاتمة، بل يظل عالمها مزرق فاتح وتبقى الماكس ميديا مادتها الأساس.. انها فنانة باحثة عن التجديد دائماً. في فن سعدي سليمان نجد الزهور والاخضرار وازدحام لوني من لونين فقط، كذلك نطالع حروفية “والعصر” حيث الساعة الرملية والاسطرلاب والحروف الإنجليزية التي تشير إلى عام 1920 وكأنه يروي حكاية الزمن والارتحال. أما عشتار الشيباني، فإن ما يسحر في فنها لوحتها لفتاة بلباس جارية رومانية تمسك دفاً وهي ساهمة، حالمة، متألمة، الألوان مرمرية بيضاء وفي الأسفل جدار قاتم ولباسها منسرحة على جسدها بلون أحمر فاتح، كذلك لوحتها الأخرى لحصان على أرضية صحراوية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©