الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خريطة أوباما للسودان

20 نوفمبر 2010 22:53
لاشك أن السودان أحوج ما يكون هذه الأيام إلى التهدئة وتطمين عامة المواطنين على أمنهم الشخصي في هذه المرحلة الحرجة التي لم يقصر السياسيون من كل لون وشكل في المزايدة في توصيفها من خلال التحذير والإنذار بل والتهديد بـ"الأخطار " والمؤامرات الأجنبية والداخلية منخرطين في حرارة الخطاب السياسي وإطلاق التصريحات الصحفية التي قد يخيل لمن يقرؤها أو يستمع إليها أن قيامة السودان أصبحت على الأبواب من قبيل التهديد بأن البلد سيتمزق إلى ثماني دويلات إذا وقع انفصال الجنوب، أو حتى الحديث عن الاستعداد لتقديم "مليون شهيد" فداءً للوطن. لكن أخيراً يبدو أن بعض الأطراف قد أدركت وقدرت أن أجواء التخويف والتهديد أكثرها متوهم فقررت أن تستبدل خطاب الشحن والتخويف بخطاب عقلاني وهادئ، فجاءت المبادرة أولاً من قيادة جيش السودان ممثلة بوزير الدفاع الاتحادي ونظيره الوزير المسؤول عن الجيش الشعبي (قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان)، وهي مبادرة طيبة أعلناها في مؤتمر صحفي أكدا فيه أن قيادات القوات المسلحة لدى الطرفين قد قررت أن قواتها ستقوم بواجبها القومي في حماية أمن الوطن والمواطنين ولن تسمح لأحد أفرادها بالمشاركة في عمل سياسي والانحياز إلى أي من الطرفين حتى يجري استفتاء تقرير مصير الجنوب في سلام وسلاسة. ومثل هذه الخطوة وخطوات "خجولة" غيرها صدرت بها مؤخراً تصريحات هادئة وعقلانية من بعض قياديي المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وأذيعت داخليّاً وخارجيّاً، بل إن ممثلي الحركة في ندوة فيينا حول آفاق المستقبل في علاقات الشمال والجنوب أغدقوا الثناء على الرئيس البشير ووصفه المتحدث باسم الحركة هناك بأنه قائد شجاع ووطني وصادق وقد قام بما عجزت عن القيام به جميع الحكومات السودانية السابقة، فقد "منح الجنوب" حق تقرير المصير الذي ظل المطلب الأول للجنوبيين جميعاً قبل إعلان استقلال السودان (يناير 1956). وكعادة بعض السياسيين حين يتحولون من أسود ضارية إلى حملان وديعة فقد ألقوا بالمسؤولية والملامة على "الإعلام". وفي النهاية ذهبت الدولة والشعب في عطلة عيد الأضحى الطويلة (امتدت لتسعة أيام) والساحة السياسية والصحفية مشغولة بخريطة طريق الرئيس أوباما التي سلمها للمسؤولين في رئاسة الجمهورية، ولرئيس الحركة الشعبية، التي حملها مندوبه السيناتور جون كيري في زيارته الأخيرة للشمال والجنوب واجتماعاته المطولة معهم. وقد أذاعت الخارجية الأميركية (وكذلك فعل السودان) تفاصيل نص الرسالة -الخريطة التي عنونها أوباما بـ"طريق السودان نحو علاقة مختلفة مع الولايات المتحدة". وبسرعة اختلفت الآراء وتشعبت حول هذا الموقف الأميركي الجديد وترددت أصداء "أصوات الثوريين" في هذا المؤتمر علناً متهمة الولايات المتحدة بفرض وصاية على السودان، وبأنها تريد أن تفرض على "الإنقاذ" تسليم "أبيي" لقمة سائغة للجنوب "ودون ذلك الموت والشهادة"! وسارعت بعض قوى المعارضة الرئيسية بالقول إن هذه هي النتيجة الحتمية لنهاية الطريق الذي سارت فيه "الإنقاذ" في علاقاتها مع الأميركيين. وقد أصبح معلوماً الآن أن خريطة أوباما قد احتوت على سبعة مطلوبات من حكومة الإنقاذ حتى تبدأ الولايات المتحدة برفع عقوباتها المفروضة على السودان، وفي مقابلة بتنفيذ الحكومة السودانية ستقدم الإدارة الأميركية سبعة حوافز أهمها بالنسبة للحكومة رفع العقوبات ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب الدولي. وسيقضي المسؤولون السودانيون عطلة العيد في التداول والبحث عن مخارج للموقف الذي وضعهم فيه أوباما. وعلى رغم "العنتريات" العلنية التي تصدر عن بعض "صقور" المؤتمر الوطني، فإن هنالك من يتنبأ -استناداً على الخبرة التاريخية- بأنهم في نهاية الأمر سيرضخون للأمر الواقع بأن يشركوا معهم -في اللحظة الأخيرة- على الأقل بعض قادة أحزاب المعارضة الكبيرة ذات الوزن الجماهيري حتى لا يتحملوا وحدهم عبء المسؤولية التاريخية عن انفصال الجنوب! وكما قال مسؤول منهم "ما كان أغنى كل هذا منذ بدء الأمر، فنحن عندما قبلنا ووقعنا اتفاق السلام الشامل في نيفاشا ما كان غائباً عن أذهاننا إلى أي طريق نهاية سينتهي بنا الأمر"!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©