الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمد مندي: لوحاتي تفسّر النصوص

محمد مندي: لوحاتي تفسّر النصوص
21 أغسطس 2013 20:02
من يتوجه لزيارة الخطاط محمد مندي سيجد أن باب مكتبه مشرع دون سكرتيرة تعطي مواعيد ليلتقي مع المعجبين بعالمه الفني الذي أبدع فيه الفنان وما زال يقدم الكثير. باسم الله تعبق أجواء المكتب وتملأ القلب بغبطة روحية غامرة، وهناك لوحة تحتل صدر الحائط في المكتب، يرى الفنان النبيه إعجابي باللوحة، فيحدثنا عن هذا العمل الرائع قائلا: “هذه اللوحة، تسمى “الحلية الشريفة”، وأنا أعتز بها، وهي أحلى ما كتب في وصف الرسول عليه الصلاة والسلام وأحلى ما قيل، وهذه تعتبر إجازة الخطاط. جرت العادة على زمن الدولة العثمانية، إذا الإنسان أراد أن يكون أستاذا في الخط ويأخذ إجازة من الأساتذة يبتدئ بالدعاء: “ربي تيسر ولا تعثر، ربي تمم بالخير”. بعد ذلك يدرس الحروف الأبجدية لخط الثلث والنسخ، يعني يدرس من الألف للياء الثلث، ومن الألف للياء في النسخ، يدرس الباء مع الألف إلى الباء مع الياء، كل الحروف تمر على بعض في حرفين إلى الهاء ألف والهاء ياء، ثم يبتدئ بالكلمات وبعد ذلك يبتدئ بالسطور. وحين يرى الأستاذ قوة هذا التلميذ الدراس الخط في النوعين من الثلث والنسخ، بعدها يأذن له بأن يكتب وصف الرسول (ص) في الحلية الشريفة، فيبتدئ الحلية (بسم الله الرحمن الرحيم، وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) بخط “الثلث”، ثم أسماء الصحابة رضى الله عنهم أبوبكر، عمر، عثمان، علي. ثم يرجع بخط النسخ إلى وصف الرسول وكتابة القول الذي قاله الإمام علي في وصفه، لأن الناس بعد وفاته كانوا يسألون: ماذا كان وصفه وشخصيته عليه السلام، وهذا منقول عنه بالحرف بحيث لما الإنسان يقرأ الوصف يتخيل الرسول (ص)”. ويتابع الفنان مندي شرحه عن لوحة (الحلية) التي تحمل في قسمها الأسفل ماكتبه الأساتذة للطالب مندي، فيوضح ذلك بقوله: “هنا، تحت، توجد رسائل الخطاطين الأساتذة الذين درست على أيديهم هذا الفن الفريد وهم: الشيخ حسن شلبي، فؤاد باشار، داود بكتاش، فرحات اليساري. وهم طبعا لما يرون أن التلميذ وصل لدرجة الأستاذية يقومون بكتابة النص التالي: “بسم الله الرحمن الرحيم الذي خلق اللوح والقلم وعلم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على محمد سيد العرب والعجم. أما بعد، فأجزت لكم هذه الحلية الشريفة محمد مندي أن يكتب اسمه، تحت خطوطه وأنا معلمه الفقير ـ بمعنى الفقير في العلم ـ وأنا معلمه حسن شلبي من تلاميذ حامد الأمدي”. وهذا النوع من الخط يسمونه خط الإجازة. فقبل أن تظهر المطابع والكمبيوتر، كان الأستاذ يستعمل هذا الخط، وهو مخلوط بين النسخ والثلث، من أجل أن تتميز الإجازة”. الصورة والمعنى وعلى يسار لوحة (الحلية) لوحة معروضة للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رسمت بخطوط ناعمة جدا كأنها منمنمات، نتأملها معا. ويتحدث الفنان عن نوع الخط واللون الأخضر والمدة الزمنية التي أنجزت فيها، فيوضح: “كانت أول فكرة عملتها هي صورة الشيخ زايد باسمه، بما أني هاوي رسم ودرست الخط العربي فضميت الخط مع الرسم في أسلوب صعب لكن جميل، وفيها أرسم الصورة بقلم رصاص خفيف، وأكتب اسمه على شكله، هناك يوجد فرق بين أن أرسم بالفرشاة أو أكتب وأعبئ المساحة كلها بالقلم والألوان. صورة الشيخ زايد، رحمه الله، فيها تقريبا 200 ألف مرة من اسمه، وما يظهر حول الصورة هو رمز للشيخ زايد، إذ عندما حكم أبوظبي والعين لم يكن في الإمارة ما نراه اليوم من زراعة ومساحات خضراء وأحواض ورود، لذلك كتبت اسمه بالأبيض والتراب، وهذه الرمزية لأن الشيخ زايد لما كان ينظر للصحراء يراها بعين البستاني ويفكر كيف يحولها إلى واحات، اللوحة فيها الزحف باللون الأخضر يعني نحن نزحف بالبروش والقلم والشيخ زايد يزحف بالبذور وبالتراب الجميل الذي يصلح للزراعة، فهو يرسم من الأرض، ونحن نرسم بألوان من البروش، تاريخ رسم اللوحة سنة 90، وقد اسغرق العمل فيها سنة، والحمد لله نالت إعجاب الشيخ زايد رحمه الله، وهذه اللوحة تعبر عن مدى حبي لهذا الرجل الكبير الأب رئيس الإمارات وباني دولتها الحديثة”. وعلى يمين لوحة (الحلية) لوحة لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد رئيس الدولة، حفظه الله، وهي قريبة من التقنية الفنية للوحة والده الشيخ زايد. هناك تغيير في لون العباءة واللون الأخضر، وهنا يشير الفنان إلى الفنية العالية التي تم إبداع هذا العمل بها، يقول: “تم إنجاز العمل هذا بنفس روح لوحة والده المرحوم الشيخ زايد.. إن الشيخ خليفة بن زايد يمشي على خطى والده بالتنمية ورعاية الناس وحبه للشعب، لذلك فإن اللوحة فيها فرح وفيها ورود خلف اللوحة، وهذه أيضا عبارة ترمز إلى الزراعة وما في الإمارات من نخيل وخضار وورود، وحاولت أن أظهر ابتسامة الشيخ خليفة متامثلة مع ابتسامة الوالد، وتاريخ اللوحة في عام 91 وقد أخذت مني تسعة شهور”. وعلى منصب الرسم تربعت لوحة كتب فيها: سبحان الله، مع خلفية للسماء والأرض لنتعرف على المزيد من الفنان يقول: “هذه اللوحة هي بخط التعليق، جمالية هذا الخط أنه لا يحتاج إلى تشكيل، لأن جماله في حرفه. وأنا أقصد فيها أن الله خالق الطبيعة والسماء والبحر والنجوم والتراب والشمس، وتؤثر الشمس على الحرف نفسه كما تؤثر على التراب، وهذه اللوحة مشتركة بيني وبين طالبتي وفاء عمر، تمشي على نفس دربي. طبعا كل خطاط ورسام يريد أن يخلفه أحد، أتمنى أن تخلفني في أعمالي”. الأساتذة والتلميذ طبعا لا يمكن الإلمام بكل ما في مكتب مندي من جمال الفن وروعته لأنه عالم حافل بالإبداع والحكمة في اختيار النصوص وإنجازها في لوحات تسر الناظرين وتملأ نفوسهم بالبهجة والأمل والبركة. ولا يخلو مكتبه من لوحات لأساتذته، ومن خلالها يبين الفنان لزائره عن دور كل من هؤلاء الأساتذة الكبار، والفنان يحتفظ بهذه الأعمال إحياء لذكراهم وتكريما لهم وعرفانا بالجميل، يشير الفنان مندي لأحد هذه الأعمال: “هذه صورة حامد الأمدي هو أستاذ أستاذي الشيخ حسن شلبي. وقد قامت إسطنبول بعمل مسابقة باسم هذا الخطاط بعد رحيله، طبعا هذه المسابقة لها تأثير كبير على الخطاطين، جمع الخطاطين في العالم لأنها دولية لتكريم هذا الأستاذ، وأنا لم يكتب لي أن أراه لكن أعماله كثيرة وأحببتها، ومن ضمن أعماله مسجد أبو أيوب الأنصاري في اسطنبول، فقمت برسم صورته على اسمه على أساس أنه خطاط فيتعلق الرسم بالخط، ونوع الخط هو خط الإجازة”. ونتابع جولتنا مع الفنان ليشرح لنا عن بعض هذه الأعمال: “هؤلاء الأساتذة يكونون معي في كل فصل من فصول تدريس الخط، في معرضي، في البيت، في أي مكان لكي أتذكرهم. فهذه اللوحة اسمها “عرفان من تلميذ لأستاذه”، السيد إبراهيم، وهو أول من التقيت فيه سنة 1975 ودرست على يديه سنتين وحصلت على دبلوم الخط العربي من مصر سنة 1977 وكنت الأول على جمهورية مصر العربية، وأنا أحتفظ بها تخليدا لذكرى هذا الأستاذ، ومن خلال اسمه ترى صورته”. ومن بين هذه الأعمال الفنية نلاحظ لوحة تمثل مبنى مسجد في إحدى زواياه مئذنة، ويوضح الفنان طريقة التعبير عن جمالية هذا العمل قائلا: “هذا العمل يجمع ما بين الحداثة والقدم، عبارة عن منتدى إسلامي قام ببنائه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة، وقمت أنا بتصميم المئذنة، وهي عبارة بارتفاع 16 مترا معمولة بالحديد مقطوعة بالليزر، وعرضناها في مدينة بيتسبرغ بألمانيا. ومن حسن الحظ أن لوحة المئذنة فازت على كل الأعمال التي فيها مآذن في أوربا. وهذه اللوحة عبارة عن منتدى إسلامي، وهناك أكثر من ثلاثين شخصا أسلموا من بعد عرضها، وهذا يبيّن الأثر الروحي لفن الخط العربي، واللوحة مرسومة بالخط الديواني. رمزية المئذنة كأنها أحيت المكان وهي عبارة عن نخلة. وأهمية المئذنة أنه قبل أن يكون عندنا كهرباء، كان الإنسان يصعد المئذنة كل يوم خمس مرات. الآن، اختصرت الكهرباء هذا الجهد ولكن المئذنة ظلت شعارا إسلاميا، الأذان الذي يقال من مئات السنين: “الله أكبر...”، لم يثبت على المئذنة كاملا، لكن الحمد لله أن ألهمني بأن أعمل هذه الفكرة وفي ألمانيا فكان لها صدى كبير”. وفي جولتنا هذه في عالم مندي توجد لوحة تضم عدة مربعات وكل واحد يمثل لوحة صغيرة لنعرف من الخطاط المزيد: “هذه اللوحة اسمها مناجاة وهي ثلاثة أمتار في متر ونصف المتر، وفيها أسماء الله الحسنى، والخلفية كلها يا الله، وعملتها بالخط الجلي ديواني، وكتبت الألفات واللامات من الأسفل إلى فوق، وهي تحمل رمزية بأن الإنسان عندما يقف أمام اللوحة ويقول يا الله يارحمن يارحيم يمد يده.. الأصابع هذه الممدودة هي الألفات واللامات، هذه اللوحة استغرق العمل فيها أربع سنوات، فيها 99 مربعا بأسماء الله، لماذا عملتها ثلاثة أمتار؟ لأنه لا يوجد شخص طوله ثلاثة أمتار، وهو يحتاج أن يرفع رأسه باتجاه الأعلى لله”. أدوات ولوحات ونسير مع الفنان باتجاه لوح الرسم المثبت على جدار المكتب، حيث علق على زاوية منه بعض الأدوات مثل الممحاة، وكلمة الاستمرار كتبت بخط كبير وعريض، حب الخط، بسم الله، الإمارات، واسم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. وعن روائع هذا العالم الفني الجميل يوضح لنا الخطاط عن بقية الصور لأساتذته الذين علموه فن الخط يقول: “هذه صورة للشيخ الجليل الخطاط التركي حسن شلبي، أنا أدين له طول حياتي كما يقول المثل: “من علمني حرفا صرت له عبدا”، وأنا قمت بهذا العمل عرفانا من تلميذ لأستاذه، وعندما قدمت له اللوحة بكى! سألته لماذا تبكي؟ قال: “ما أهداني أحد مثل هذه اللوحة الثمينة”، فقلت له هذه عرفان من تلميذ إلى أستاذ، تاريخ الانتهاء منها سنة 2006 واستغرق عملها ستة شهور، وأظهرت فيها ملامح من طبيعة أسطنبول الجميلة وجبالها المكسوة باللون الأخضر، وهي مشهورة بعلمائها”. وهناك لوحة للفنان مندي تبين يده تعمل بالفرشاة، وإلى جانبه مزهرية تحمل سعفة من النخيل، ونتابع اكتشاف هذه اللمسات الجميلة من عالمه الفني وكيف ينسجم مع العمل، يشير قائلا: “لو سألتني أي الأوقات أحب لي أقول: أحسن الأوقات لما أجلس مع لوحتي أعبر فيها عن كتابة حروف من نور، أنا أكتب آيات من القرآن، وليس في الحياة أجمل من كتابة الآيات القرآنية، والخطاط يختار الآية ويعبر عن تفسير هذه الآية باللوحة، طبعا النص موجود بالقرآن لكن الخطاط يختار الآية ويخطها بطريقة جميلة لكي يعرف الناس مدى قوة هذه الآية وتفسيرها”. يشير مندي إلى لوحة، ويقول تظهر أوراقي وأقلامي وأحباري، ومن ضمن أدواتي ريشة الطاووس، والطاووس من أجمل الطيور، وريشته تجمع كل الألوان، يعني إبداع الخالق في التكوين، ومن الألوان الموجودة فيها لون الذهب، ليس هناك أي طير غير الطاووس فيه لون الذهب، أنا أفضل أن تكون دائما عندي، وقد كتبت اسم “زايد” على ريشة الطاووس. وهناك عدد من الوحات الصغيرة التي علقت على طول رف المكتبة خط عليها مندي عبارات وحروف من طلابه، ونستمع لنعرف عنها أكثر من الفنان: “أي طالب يدرس عندي تكون العلاقة بيني وبينه في الورقة، أرى مستواه بالخط وأتركه يكتب على راحته. وأنا أعتز بهذه اللوحة وأطلب من الطالب أن يكتب اسمه تحت اللوحة وأعلقها عندي على المكتبة، لكي يراها عندما يدخل ويعرف مستواه وهل تقدم، عندما ينتهي يقول لي أستاذ أرفعها الله يخليك أقول له: “لا، هذه لكي تتذكر”. يستذكر محمد بندي برهة، ويقول: كل الذين درسوني انتقلوا إلى رحمة الله، لكن كما يقول الشاعر: الخط يبقى زمانا بعد كاتبه/ وكاتب الخط تحت الأرض مدفون. أفكار وكتب ولا يضم مكتب محمد مندي الأعمال الفنية المخطوطة فقط، إنما هناك مكتبة امتلأت رفوفها بالمجلدات الفنية والإسلامية والرواية والشعر والدراسات، فيتحدث عن بعض هذه الكتب وما أضافت قراءته فيها لعمله الفني: “القراءة تفيدني جدا، فأنا أقرأ عن الأساتذة الخطاطين، عما قيل في فنون الخط، في الشعر وفي الحكمة، وأبحث عن تجارب الخطاطين والفنانين الكبار. الإنسان لا ينطوى على نفسه، هناك أناس سبقونا في أعمالهم. والمكتبة تضم كتبا وبروشورات ولوحات فنية، وفيها قصاصات وأنواع من الورق والأقلام، وفيها جميع (البروفات) والمحاولات الأولية التي كنت أشتغل عليها قبل أن تكون لوحة، وأصور منها وأعطي تلامذتي، لأني أرى بأنهم يستحقون أن يمشوا على دربي، لذلك أعطيهم نسخة. الإنسان عندما يأتي ليدرس الحروف ثم ينطلق إلى اللوحة، نوجهه بحيث يبتدئ من قلم الرصاص بالتحديد ثم ينتقل إلى الألوان. هذه المكتبة مفتوحة للطلاب، لأن الإنسان لا يكتب كل يوم، نحن نناقش كتابا عن حياة خطاط، من خلال الكتب أو أشرطة الفيديو، حيث تظهر طريقة الكتابة المتحركة. طبعا الكتاب، كما قال أبو الطيب المتنبي “وخير جليس في الزمان كتاب”. وأنا عملت لوحة من هذا البيت: أعز مكان في الدنى سرج سابح/ وخير جليس في الزمان كتاب. هذه اللوحة أنجزت قبل ثلاث سنوات، وهي عبارة عن لوحة فنية فيها كلمة الكتاب مكللة باللون الأزرق على ثلث اللوحة، والحجم كان 100 سنم * 80”. ويتوقف محمد مندي عند كتابة أسماء الله الحسنى في محراب مسجد الشيخ زايد الكبير، ويقول: “وفقني الله في الكتابة على هذا المحراب العظيم في هذا المسجد الكبير. وبما أن فيه أكبر ثريا، وأكبر سجادة، وأفضل تقنية في العمارة الإسلامية، الحمد لله، حظيت بالقيام بكتابة أسماء الله الحسنى على المحراب والتي نالت إعجاب الجميع. الفنان حين يكلف بعمل يجب أن يبحث عن شيء مميز، فالتميز واضح في فن خطوط المحراب في مسجد الشيخ زايد، ولا يوجد أي مسجد آخر في العالم مكتوب في محرابه أسماء الله الحسنى بهذه الطريقة. وميزة هذه الكتابة أنها بلا ألوان، لأنها كلها تطعيم وحفر. والقبب الثلاث من أعمال أستاذي الشيخ حسن شلبي التركي، حتى في إحدى زيارات الرئيس التركي عبدالله غول للمسجد قال: “نحن نقف أمام أعمال الأستاذ مع التلميذ”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©