الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

من هو العالم؟

من هو العالم؟
20 أغسطس 2015 22:22
كلَّ من لبس بَزَّة الطبيبِ فهو عند الناس طبيبٌ، ومن وضعَ قلمَ الرصاص فوق أذنه فهو مهندس، ومن لبسَ الْجُبَّةَ والعمامة فهو عالم.. هكذا تنطبع الصُّوَرُ في الأذهانِ، ويلتبسُ الأصيلُ بالدخيل، والعالمُ بالمتعالم، وفي ذلك فساد الدين والدنيا، والأبدان والأديان، وحتى يتخلص الناس من هذه الْمَزَلَّة الخطيرة فقد وضعوا قانوناً حاكماً، وضوابط ومعايير تُمَيِّزُ الطبيب والمهندس والطيار، ويَسْرِي ذلك على مُعْظَمِ الوظائف، وترسَّخَتْ هذه الثقافة في عقول الناس. وبقي أمر الفتوى والخطاب الديني وبيان الحكم الشرعي مُلْتَبِسَاً لدى كثير من الناس، ولم يَعُدْ بقدرتهم التمييز بين الخطيب الْمُصْقِع، والواعظ الْمُؤثر، والعالم الراسخ، فالكل عندهم سواء، فَمَنْ صعدَ المنبر وهَزَّ أركانه أو وَعَظَ فبكى وأبكى تَوَجَّهَ له الناس ليسألوه عن تفاصيل صلاتهم، ودقائق عباداتهم، وعُقُودِ بيعهم وشرائهم، وربما تَطَوَّرَ الأمر ليسألوه عن قضايا المسلمين الكبرى، والعلاقات الدولية، ونحو ذلك. إنَّ هذه المسألة كانت محسومةً من قبل، فلَم يكن يتصدر إلا من توافرت فيه معايير في غاية من الدقة، من أهمها رسوخ مسائل العلوم الشرعية في ذهنه، وسَعَةِ الاطلاع والتَّبَحُّرِ في العلوم، مع شهادة شيوخه وأساتذته له بالعلم والمعرفة والبصيرة، وممارسته لتدريس العلوم الشرعية النقلية والعقلية، وأنْ يكونَ مُتَّصِفَاً بِحُسْن الديانة، ومكارم الأخلاق، وكمال المروءة. وربما اشترط بعض العلماء أن يكون قد كَتَبَ وألَّف ما يُنْبِئ عن تمامِ تمكُّنِهِ وجَوْدَة ذهنه. وقال الإمام الشافعي: (من تفقه من بطون الكتب ضيع الأحكام)، فأعظم الناس بلاء مَنْ أخَذَ علمه من بطون الكتب، ولم يتأدب بالجلوس بينَ أيدي العلماء، ولَمْ يَتَشَرَّب الخشية والسَّكِيْنَة والرِّقَّة من العلماء الراسخين، وقديماً قيل: إِذا رُمْتَ العلومَ بغير شيخٍ ضللتَ عن الصراطِ المستقيمِ وتلتَبسُ الأُمورُ عليكَ حتى تـــــــكونَ أضلَّ من توم الحكيمِ وذلك لأنَّ تومٍ هذا لم يأخذ الطبَّ عن أهله، وطالع «الحبة السوداء شفاء من كل داء» فقرأ الحبة بالياء «الحيَّة» فأخذ حية سوداء فأكلها فمات. وقد كان العلماء يأمرون طُلاب العلم أنْ لا يأخذوا العلم والدين إلا ممن له سند متصل برسول الله صلى الله عليه وسلم رواية ودراية وتزكية، وهذا لا يتحقق في الشيخ إلا من خلال الصحبة الطويلة للعلماء. ولا يمكن للشخص أن يتمكن في فهم الشريعة إلا باستحضار نصوص الكتاب والسنة، وما يتعلق بذلك من معرفة القراءات وتوجيهها، وعلوم القرآن والتفسير، وتمييز الصحيح من الضعيف في الحديث، واستيعاب علوم اللغة وأساليب العرب، ومعرفة أصول الفقه، وإدراك مقاصد الشريعة وغاياتها، وفهم الواقع، فمن توافر فيه ذلك مع التوفيق الرباني فهو العالم حَقَّاً وصِدْقَاً. ولأنَّ مقامَ الإفتاء قد تجرأ عليه كلُّ أحد، ولأنَّ تمييز العالم مِنْ غيره لا يستطيعه أكثر الناس، لأنَّ الطريقَ إلى معرفة العالم هو إدراك تحققه ورسوخه في العلوم والمعارف التي ذكرناها، ولذا قِيْل: لا يعرفُ العالمَ إلا العالمُ، لهذه الأسباب وغيرها قامت الدولة مشكورة بإنشاء المركز الرسمي للإفتاء، يتولى الإفتاءَ فيه علماءُ أخذوا العلم مِنْ أهله بأسانيد متصلة، ومنَاهِج مُؤصَّلة، وشهد لهم شيوخهم بالأهلية، ليكون هذا المركز مصدراً للمعلومة الصحيحة المؤصَّلة، وخِدْمَةً للجمهور، وأماناً من الأفكار المتشددة المشبوهة. وفق الله الجميع لمرضاته.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©