الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

ليبرمان ·· فزاعة إسرائيل الاستراتيجية

2 نوفمبر 2006 00:28
أكــرم الــفي: اعتذر لجميع أصحاب ''الكرافاتات الفضائية'' العربية، فبعد شهرين من تبشيرهم بقرب رحيل رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت بسبب نكسة جنوب لبنان، تحول تلميذ البلدوزر ''الشاروني'' إلى قائد أقوى حكومة إسرائيلية منذ عقود بل ربما تتحول خلال أسابيع إلى الأقوى على الإطلاق في تاريخ الدولة العبرية، ليثبت أولمرت أنه ورث عبقرية شارون السياسية وقدرته اللامتناهية على القفز فوق حواجز الأزمات الطارئة، فحقاً ''هذا الشبل من ذاك الاسد''· للمرة المليون، تعيد النخبة العربية اكتشاف النار، وتراجع تحليلاتها للسياسة الإسرائيلية الداخلية محاولة البحث عن نقطة ''الأزمة''، لتثبت أنها ''وطنية جداً''، عبر تكرار كلمة ''الأزمة'' بين كل 10 كلمات في كتاباتها عن الدولة العبرية و''''20 في كل جملة بالفضائيات تلبية لرغبة المشاهدين !· وكلمة السر في ''الأزمة'' الجديدة انضمام المتطرف اليميني افيجدور ليبرمان إلى حكومة أولمرت· ولكن للأسف الشديد فالدولة العبرية ليست في أزمة بل حكومة لبنان هي التى أصبحت في أزمة وحكومة ''حماس مستمرة في ''الكارثة''، بينما الحكومة الإسرائيلية تخرج من النفق بأقل الخسائر، ذلك لأن الأعداء تعلموا السياسة، أما نحن فلا نعرف غير تشنجات أصحاب ''كرافتات النضال'' أو أعوجاج ''كرافتات الفساد''· في النهاية، نجح أولمرت عبر السير على سلك رفيع للغاية في تقوية حكومته التى واجهت إشكالية تراجع تأييدها وسط الرأي العام الإسرائيلي والخوف من مواجهة صعوبات في تمرير ميزانية 2007 داخل الكنيست· وكان ثمن العبور إلى الضفة الثانية من النهر هو أصطحاب ضيف ''ثقيل'' على المركب هو ليبرمان زعيم حزب ''إسرائيل بيتنا''· التلميذ الشاطر كان الوضع في إسرائيل منذ شهر يبدو أن أولمرت يغرق، فالتأييد الشعبي له يتراجع بشكل غير مسبوق، وحليفه الرئيسي في الحكومة عمير بيريتس زعيم حزب العمل يواجه أزمة داخلية واضحة ونواب حزب العمل في الكنيست يتمردون على سياساته· التفت أولمرت يميناً ويساراً فوجد أن قاربه يختل توازنه بفعل مغامرة لبنان، ورعونة الشريك الأكبر في الحكم، وحزبا ''شاس'' و''المتقاعدون'' مكتفيان بالرشوة المالية لجمهورهما للبقاء إلى النهاية في الحكومة· هنا بحث عن ''ثقل'' يعيد للقارب توازنه، فناور خلال شهري عطلة الكنيست مع زعيم حزب الليكود وخصمه اللدود بنيامين نيتانياهو حيناً ومع سيلفان شالوم بعض الوقت، وعاد ليلوح بورقة ليبرمان· وخلال هذه العملية التى تواصلت لأكثر من 6 أسابيع قام أولمرت بجس نبض جميع الأطراف وردود فعلها ، فعرف للوهلة الأولى أن تهديد بيرتس بعدم البقاء في الحكومة مع ضم ليبرمان ليس سوى دخان يخرج من فم تنين ''ميت''· انتهت المناورات ''الاولمراتية'' بضم زعيم ''إسرائيل بيتنا''، القادم من الاتحاد السوفييتي السابق وصاحب الآراء المتشددة ضد عرب إسرائيل والدول العربية، ليصبح حجم تأييد الحكومة الإسرائيلية الائتلافية داخل الكنيست نحو 78 عضواً من أصل 120 مقعد، فيما يتجه أولمرت إلى ضم حزب ''يهدوت هتوراة'' أيضاً ليفوق عدد نوابه في البرلمان الثمانين· إن قصة نجاح أولمرت في عبور ''مانش'' لبنان، وبقائه على رأس النظام تعيد للأذهان قصص نجاحات سلفه ارييل شارون، الذي ربما ارتسمت على شفتيه ضحكة خبيثة مع سماعه الأنباء الأخيرة، فتلميذه تعلم منه كل ما هو ضروري ليبقي ويستمر ويحكم، مثلما فعل هو طوال السنوات الخمس الماضية ولم يهزمه أحد في الساحة الإسرائيلية سوى المرض· فقد تعلم أولمرت في مدرسة شارون اللعب على كافة الأطراف السياسية في الوقت نفسه، فليس هناك أصدقاء دائمون أو عداء دائمون في السياسة فقط المصالح هي الدائمة، ومصلحتك الوحيدة عندما تصبح في السلطة أن تستمر، ولكي تبقي عليك ان تلعب بأهم أوراقك وهي إغراء الآخرين بالسلطة· إن أولمرت أدرك بحس سياسي مرهف أن بيريتس لا يستطيع أن يتخلي عن الشراكة في الحكومة في ظل الأزمة المحتدمة داخل حزب العمل، لأن حقائب الوزارات هي آخر أدواته لإغراء المؤيدين داخل الحزب مع اقتراب موعد الانتخابات الداخلية·· في الوقت نفسه، فإن الشريك الجديد ليبرمان لن يخرج عن الخط المرسوم له داخل الحكومة وسيقبل بالقليل بسبب طمع الأخير في أن يظهر نفسه كزعيم جديد لليمين بدلاً من نيتانياهو، ويبحث عن فرصة لإعادة تصدير نفسه إلى الجمهور الإسرائيلي كسياسي مسؤول وليس فقط كصاحب آراء متشددة تعجب المتطرفين اليهود· ابتسامة ''شارون'' هكذا انضم ليبرمان بحزبه الذي يضم 11 نائباً في البرلمان إلى الحكومة بحقيبة واحدة من دون وزارة'' هي حقيبة وزير الشؤون الاستراتيجية الملكلف ملف التهديد النووي الإيراني ، وبقي بيرتس ووزراؤه في الحكومة· ليدخل اولمرت جلسات الكنيست مبتسماً ومتحدياً فهو يحمل في جعبته أوراقاً كثيرة، بينما نجد معارضيه لا يملكون سوى الانتظار طويلاً استعداداً للنزال معه، وما أشبه ابتسامة أولمرت بتلك التى كان يحملها وجه شارون مع كل انتصار داخلي جديد· وقع انضمام ليبرمان إلى الحكومة الاسرائيلية الائتلافية كصدمة على رؤوس الجميع في إسرائيل وفي المنطقة العربية، وخاصة مع تعيينه وزيراً للشؤون الاستراتيجية· وجاء ت أغلبية ردود الفعل الغاضبة من داخل حزب العمل ونواب عرب ،48 ووصل إلى حد وصف العمالي عوفير بينيس -باز تعيين ليبرمان بأنه '' تهديد استراتيجي على إسرائيل''، فيما اعتبره عدد من النواب العرب تعبيراً عن توجهات فاشية· إن ليبرمان ليس شخصية مجهولة في الحياة السياسية الإسرائيلية، فهو عضو بالكنيست منذ 1999 ، وسطع نجمه لاول مرة مع معارضته لتوقيع نيتانياهو اتفاق ''واي بلانتشين'' ، ثم بتشكيله حزب ''إسرائيل بيتنا'' لينافس شارانسكي وحزب ''إسرائيل بعالياه'' على أصوات اليهود الروس، ونجح بالفعل في انتخابات 2001 في تدعيم قوته السياسية عبر الخطاب اليميني المتشدد· ومع دخوله حكومة شارون ذاع صيت ليبرمان الذي ظل يكرر مقولاته العنصرية من الدعوة إلى طرد فلسطيني ،48 وهو المشروع الذي طرحه بوضوح في الكنيست منذ عامين، واستمر في اثارة الجدل بالتهديد بقصف السد العالي وأخيراً الدعوة لتطبيق قوانين العقوبات على النواب العرب الذين يلتقون بممثلي عن ''حماس'' و''حزب الله''· ولعله من المذهل التعامل بهذا القدر من الفزع من قدوم ليبرمان، فهو وزير لمرتين في حكومات شارون السابقة، وخرج فقط في 2004 بعد احتجاجه على خطة فك الارتباطك من غزة، فليبرمان لن يدخل الحكومة للمرة الأولى، ولا هو القادر على تغيير السياسات الإسرائيلية بشكل مفاجئ وتحويلها بل هو احد التروس التى تم استخدامها من قبل في آلة الحكم الصهيوني· ولعل رد الفعل الداخلي والاقليمي تجاه تعيين ليبرمان، هو تعبير عن نجاح خطة اولمرت في استخدامه كـ''فزاعة'' ضد المعارضة العبرية ، وفي الوقت نفسه ضد الدول العربية وإيران· السلام قادم !! ''فزاعة''، يمكن إخراجها من جيب اولمرت في أي وقت وتجاه أي محاولة لمعارضته في الكنيست أو للحصول على مكاسب على الصعيد الإقليمي، فالدرس السياسي الذي تعلمه تلميذ شارون أن الهجوم هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق المكاسب وفي مقدمتها مكسب البقاء· وليبرمان هو ''الفزاعة'' التى يمكن تحويلها إلى اداة هجوم في أي وقت ضد الجميع· اعتبر أغلبية الكتاب الإسرائيليين والعرب انضمام ليبرمان للحكومة العبرية هو المسمار الأخير في نعش أي مبادرة من تل أبيب تجاه السلام مع المحيط العربي، ولكن من وجهة نظري أن العكس هو الصحيح، أوعلى الاقل فإن ليبرمان لن يحول من دون خطوات مقبلة تجاه التسوية· تاريخياً ينجح اليمين الإسرائيلي في صنع خطوات تجاه العرب بسبب دعم اليسار له، مما يسمح له بمساحة تأييد داخل الكنيست والرأي العام· فمناحم بيجن هو الذي صنع التسوية مع مصر، وشارون هو الوحيد الذي نجح في الانفصال عن غزة ، بينما فشل رابين وبيريز وبارك في استكمال خطوات اوسلو العرجاء· ومع وجود ليبرمان في الحكومة، فإن مساحة المناورة التى يمكن لأولمرت استغلالها قد اتسعت، وهو ما قد يسمح له بعد فترة، وفي حال تغيير الاوضاع الاقليمية وخاصة على صعيد الأزمة الداخلية الفلسطينية، بالقيام بمبادرات وتحقيق سلام ''على الصيغة الإسرائيلية '' بالطبع· في النهاية، فإن الكاسب الأكبر من حضور ليبرمان جلسات الحكومة الإسرائيلية هو أولمرت الذي بدأ في تعلم الدرس جيداً وخاصة كيفية استخدام أوراق اللعبة السياسية في الدولة العبرية، بينما للأسف مازال قادة لبنان وفلسطين يغرقون في مستنقع لعبة شد الحبل المميتة سياسياً· ولكن لا تنسى -حتى تصبح قومياً وجماهيرياً- أن ترتد كل يوم قبل الأفطار وبعده ''إسرائيل في أزمة''!!·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©