الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«التسوية» وحدود الدور الأوروبي

19 نوفمبر 2010 22:38
ليس من الصعب فهم تصميم الاتحاد الأوروبي على لعب دور بنّاء في حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، فقد اعتقدت أجيال من صانعي السياسة الأوروبيين أن تسوية دائمة لهذا النزاع، على أساس حل الدولتين، ليست أمراً حاسماً بالنسبة للشرق الأوسط فحسب وإنما هي أمر "أساسي لأمننا في أوروبا"، حسب كلمات خافير سولانا. وإلى جانب هذا أصبح صانعو السياسة الأوروبيون ينظرون إلى نجاح أوروبا في تحويل قوتها الاقتصادية إلى تأثير سياسي في نزاع الشرق الأوسط خاصة على أنه مؤشّر رئيسي على قدرتها على لعب دور قيادي على المسرح العالمي. وقد ظهر هذا بوضوح كبير في الأسابيع الماضية عندما استحثت كاثرين أشتون، الممثلة العليا للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، الخطى إلى المنطقة لمحاولة إنقاذ عملية السلام المتعثّرة بعد أن تعرضت لانتقادات بأنها فشلت في إبراز الصورة الدولية لخدمة العمل الخارجي الأوروبي التي أطلِقَت مؤخراً، وهي آلية جديدة صُمِّمت لإعطاء الاتحاد الأوروبي صوتاً أكثر قوة حول العالم. كما أعلن ساركوزي، الذي بقي صامداً في باريس وبشكل علني بأنه بعد عقد كامل من فشل الولايات المتحدة في تحقيق السلام، لم يعد باستطاعة الاتحاد الأوروبي الوقوف موقف "المتفرج الذي يشاهد الوقت يمرّ" ولم يعد يستطيع "التبرع بالأموال ثم البقاء خارج العملية السياسية". إلا أن الواقع هو أن كلاً من إسرائيل والفلسطينيين ينظرون إلى الدبلوماسية الأميركية، وليس الأموال الأوروبية، على أنها المفتاح لتحقيق تسوية نهائية. فمرة بعد أخرى، وقفت اعتبارات سياسية محلية ومنافسات أوروبية حائلاً أمام تحقيق الإجماع والسياسة المشتركة اللازمين للقيام بعمل أوروبي مشترك فاعل في الشرق الأوسط. وما تزال أوروبا غير قادرة على إقناع الإسرائيليين أو الفلسطينيين بأن لديها أكثر من واشنطن ما تقدمه في دور الوسيط والراعي والضامن للسلام. وكان الرئيس الفرنسي السابق شيراك طالب عند توليه الحكم عام 1995 بأن يقوم الاتحاد الأوروبي بتطوير دور سياسي في عملية السلام بشكل مستقل عن الولايات المتحدة، وضغط على ياسر عرفات حينها لدعم اقتراحه بإعادة فتح المفاوضات بشراكة الاتحاد الأوروبي على أسس متساوية مع الولايات المتحدة. ولكن لم يكن لهذه الدفعة الدبلوماسية أثر عملي يذكر، كما لم يكن هناك أثر لمطالب الهيئة الأوروبية بأن يشارك الاتحاد الأوروبي "إلى جانب" الولايات المتحدة في المفاوضات السياسية على أساس أن أوروبا تقوم "بتقزيم جهود جميع الدول المانحة الأخرى". وبحلول عام 1998 غطى الاتحاد الأوروبي حوالي 55 % من مجمل المعونة المقدَّمة للسلطة الفلسطينية، مقارنة بـ 11 % فقط من الولايات المتحدة. ولكن كل ذلك أصبح طي النسيان عندما أدى بيل كلينتون زيارة رسمية إلى غزة. وقد قارن نبيل شعث، وزير الخارجية الفلسطيني آنذاك تلك الزيارة بزيارة الرئيس نيكسون إلى الصين، وشرح أن استثمار علاقة الولايات المتحدة الخاصة بإسرائيل، ومعها علاقتها الخاصة بالفلسطينيين هو "الأفضل لعملية السلام". وليس مما يدعو إلى الدهشة إذن أنه بحلول منتصف عام 2000، كانت الصحف الفرنسية تقتبس أقوال شيراك المحبط وهو يتحسّر حقيقة من أنه "لا أهمية للأوروبيين في هذه المفاوضات. يجب ألا تكون عندنا أوهام. فكلينتون هو الذي يدير العملية بأكملها". ولم يتغير الكثير في حقبة ما بعد أوسلو. والآن إذا لم يستطع مبعوث عملية السلام الأميركي جورج ميتشل إبقاء الفلسطينيين والإسرائيليين منخرطين في عملية السلام، فيبدو من غير المعقول أن يتمكن الاتحاد الأوروبي من إحضار أي شيء إلى الطاولة قد يغير ذلك. والسؤال: ما الذي يتعين على أوروبا أن تفعله إذن؟ لقد عبّر مارك أوتي الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي للسلام في الشرق الأوسط مؤخراً عن تطلعه لليوم الذي يصبح فيه الاتحاد الأوروبي "لاعباً كاملاً" في سياسة النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني. إلا أنه يتوجب على الاتحاد الأوروبي أن يتوقف عن قياس نجاحه أو فشله في المساهمة في السلام من حيث قدرته على تحقيق نقاط سياسية على الولايات المتحدة أو تحقيق دور سياسي في العملية مكافئ لوزنه الاقتصادي. وبدلاً من ذلك يتعين على الاتحاد الأوروبي التأكيد على موقعه بعيد المدى كأحد المانحين الرئيسيين في المجتمع الدولي للفلسطينيين، إضافة إلى كونه الشريك التجاري الأول مع إسرائيل. وعلى رغم أن ذلك ليس بالأمر الباهر، إلا أن الدعم الأوروبي لميزانيات المؤسسات الفلسطينية والبنية الأساسية، إضافة إلى المعونة الإنسانية ومساعدة اللاجئين والمعونة الغذائية كانت مهمة بشكل هائل في مساعدة المجتمع الفلسطيني، وهي ما تزال تشكّل أمراً أساسيّاً في عملية بناء الدولة الجارية حاليّاً. وعندما يتم تأسيس الدولة الفلسطينية في نهاية المطاف، سيلعب الاتحاد الأوروبي دوراً حاسماً في عمل ما كان يعمله على أفضل وجه في أوروبا خلال نصف القرن الماضي، وهو تشجيع الإجماع والتعاون الاقتصادي بين الأعداء السابقين خدمة لمصلحة الازدهار الإقليمي والاستقرار طويل الأمد. وستكون أوروبا وإسرائيل والفلسطينيون في أفضل حال إذا اعترف الاتحاد الأوروبي بشكل كامل بأهمية هذا الدور، ليس فقط كشرط مسبق للتأثير السياسي وإنما كنتيجة بحد ذاتها. روري ميللر مدير دراسات الشرق الأوسط بكلية كينجز في لندن ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©