الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«بنك الفيفا» يسرق الكرة!

«بنك الفيفا» يسرق الكرة!
26 فبراير 2016 00:25
بعد أيام في زيوريخ، التمست العذر للسويسريين، في انصرافهم عن الكرة.. بالطبع ميولهم مختلفة، فالتزلج هوايتهم المفضلة، لكن يبدو أن قربهم من «الامبراطورية»، حيث يقبع مقر «الفيفا» في بلدهم، جعلهم يدركون أن الواقع ليس كما يروج له، ولأن بلاتر ابنهم، وفعل ما فعل بالاتحاد الدولي، فقد ازدادت العقدة رسوخاً، ولذا لا تندهش إن وجدت «الفيفا» في وادٍ، وزيوريخ السويسرية، وربما الدولة بأكملها، في وادٍ آخر. اليوم، عرس «الفيفا».. من المفترض أن نحتفل.. لكن الواقع والدهاليز لا تدعو للاحتفال ولا تشجع عليه.. الصراع ليس من أجلنا، وإنما من أجلهم.. لم يعد الحلم كما كان.. طحنوه عبر سنوات طويلة، بعد أن استكثر الأغنياء الحلم على الفقراء.. استكثروا عليهم الشارع وركل الكرة والفرحة وجلسة أمام التلفزيون.. جذبوهم إلى التفاصيل، وشيئاً فشيئاً تبدل العالم، وباتت الكرة رصيداً في البنك، يتصارع عليه «الفيفا».. سرقه من قبل من سرق، وحتى لو كانوا جميعاً أبرياء فقد سرقوا الحلم. لستُ متشائماً، ولكن إياك أن تفرح، وأن تظن أنك الرابح الأكبر في معركة الكبار اليوم.. إن كنت تظن ذلك.. قل لي: من يمثلك، ومن تريد، هل اقتلعت بلاتر من «الفيفا»، وهل سيكون لك رأي في الجديد.. هل أخذت شيئاً من عطاياهم أو شاركت فيما دبروا.. هل يخصك شيء حقيقي فيما سيقررون.. إنها معركة الكبار وأنت ابن الأحلام البسيطة والكرة البسيطة.. أنت من لا زال يهتف ويغني ويصدح للكرة.. أنت وجههم الآخر.. كلهم يبحثون عن زيادة «الرصيد»، والغريب أنك أنت الرصيد.. تماماً كحزمة «مال» تفعل الكثير، ولكن لا صوت لها ولا رأي. الخطة، ليست وليدة اليوم، و«الفيفا» تخلى عنا منذ عقود طويلة، منذ أن أطلق هافيلانج عصر «البيع» واستبدل بالبسطاء الرعاة.. وسار خلفاؤه على الدرب، وكان آخرهم بلاتر، الذي تفوق على الأستاذ، واستولى على «العرش» بعده، في صفقة ومواءمات يعرفها القاصي والداني، إلا أنت، فأنت من يفرح ومن يسامح ومن يصفق، ومن ربما يبكي إذا شاهد بلاتر، يلوح لك من طائرة «الفيفا» التي اشتراها من «مالك» أنت. في «الفيفا».. ستدرك ما لا تحب أن تدرك.. ستكتشف ما لا يرضيك ربما.. هي مؤسسة كما كل المؤسسات بلا قلب.. كنت تظنها بقلب.. تصدق تلك المبادرات التي يفعلونها ذراً للرماد، وهذا الكلام المنمق.. هو جزء من الصورة وليس كلها.. هو جزء يصاغ من أجلك أنت لتساق إلى المدرجات وتدفع، أو إلى الرعاة فتشتري ما ينتجون، أو إلى القنوات لتشترك وتجدد الدفع والعهد بأن تظل أسيراً لحلمك الذي سرقوه. هل تذكر الماضي والحاضر أيضاً.. صراخ الملايين.. الفرح والبكاء وأطفال الحواري بملابسهم الممزقة يطلقون على أنفسهم أسماء من يعشقون، ويلعبون حتى تطلب منهم الشمس الانصراف.?.? كلها مشاهد لا أحد يصدقها غيرنا.. ربما لم يعد باقياً من الكرة إلا ما نصنعه نحن.. أخشى أن يسطوا على الشوارع والحارات وحتى «الكرة الشراب» ليسوقوها ويسرقوها. تابعنا على مدار أيام هنا في زيوريخ، ما أطلقوا عليها مساعي الإصلاح أو الثورة الجديدة في «الفيفا»، وبالرغم من كثرة البنود التي طرحوها، فإن كل الإصلاحات والتعديلات اتجهت إلى تعزيز مكانة الاتحاد الدولي ولا شيء في صميم اللعبة.. غيروا مسمى اللجنة التنفيذية إلى «مجلس الفيفا»، وزادوا عدد الأعضاء وأصروا على زيادة المشاركة في إدارة اللعبة، والتنوع في اتخاذ القرارات، من خلال وجود مؤتمر سنوي لكبار المسؤولين التنفيذيين في الاتحادات الأعضاء، وإنشاء لجنة جديدة لأصحاب المصلحة في كرة القدم، وترويج مكانة المرأة، وزيادة عدد السيدات في مراكز القيادة، واستقلالية اللجان الرئيسية وتقليص عدد اللجان الدائمة، لتبسيط اتخاذ القرارات.. أرأيت لا شيء يخصك، حتى لو ادعوا أنهم يفعلون كل هذا من أجلك. اليوم، لا صوت يعلو على صوت المال، وحتى أنت، عليك أن تدفع لتظل في أحضان «الساحرة المستديرة» التي لم يعد بإمكانك الانصراف عنها، وهذا المال، هو وحده الذي يشعل الصراع، ليس بالضرورة، من أجل الظفر ببعضه، ولكن لإدارته، فالامبراطورية لها بريقها، وهي مثل الرومانية قديماً «لا تغرب عنها الشمس»، وفي كل دقيقة ربما يلعب الناس الكرة حول العالم. وتعتمد إيرادات «الفيفا» بشكل أساسي على تنظيمه للبطولات الكبيرة، وعلى رأسها بطولات كأس العالم، والتي تشكل 93% من مجموع الإيرادات، وبيع علامته التجارية «FIFA»، حيث تدفع الشركات أموالاً طائلة مقابل الحصول على رخصة لاستخدام شعارات الاتحاد الدولي، ومع هذا وذاك، يجني «الفيفا» من كل شيء، لأنك واثق أنك لن تتخلى عنه.. لأن المنتج الذي يقدمه لا يقاوم. اليوم، سيتجدد صراع، اعتاده «الفيفا» كثيراً.. صراع على عرش الرئاسة، لكنه حتماً سينتهي إلى «البيزنس»، شاء رئيس «الامبراطورية» القادم أم لا؟.. وفي كل الأحوال، فإن الجماهير لا مكان لها في «الأجندة» حتى وإن بقيت في المدرجات، وربما هذا أفضل. اليوم.. تختلف الأهداف والطموحات في السباق على مقعد الرئاسة.. هناك من يقاتل من أجل جلب الرعاة، ومن يكافح من أجل زيادة الرصيد في البنوك لأكثر من ملياري دولار يكدسونها هناك حالياً، وهناك من يقاتل لرفع ثمن حقوق البث التليفزيوني، لكن الواقع أن الكرة ذاتها.. تلك المستديرة، المفعمة بالحماس وهذه الآهات في المدرجات.. لا أحد يسأل عنها ولا يكترث بها.. كرة القدم التي ترسم الفرحة والسعادة فوق الوجوه.. لعبة البسطاء والفقراء والأغنياء التي قال عنها بيل شانكلي مدرب ليفربول في السبعينيات من القرن الماضي إنها «أهم من الحياة والموت».. لم يعد منها سوى أشياء في الصدور. عندما تشاهد الأطفال يركلون الكرة في الشوارع بأقدام عارية في أفريقيا أو آسيا أو أميركا الجنوبية، وعندما تشاهد انفعالات الوجوه لملايين الجماهير وهم يشاهدون مباراة لأنديتهم أو بلادهم.. حين تصادف من يصرخ، ومن يبكي، ومن يسقط، أو يقفز، أو يحتفل، رغم وطأة أسعار تذاكر المباريات التي باتت تؤرق الإنجليز، وارتفاع اشتراكات المشاهدة وأسعار الملابس الرياضية والكرات.. تمسك بأولئك المثابرين الأوفياء للكرة، واقتحم عالمهم واختبئ وسطهم.. هؤلاء هم «أهل الكرة». هي ليست دعوة للتشاؤم.. البعض يرون أن هذا المزيج الدرامي، ربما يكون قد أضفى بُعداً للكرة، وربما يكفينا ميسي ورونالدو وكل الأساطير الذين على شاكلتهم في الملاعب اليوم.. يكفينا ما رأينا من بيليه ومارادونا وزيدان.. سنظل نصنع الذكريات، وستبقى الكرة هي الكرة، فليذهب أغنياء «الفيفا» بالمال، وليتركوا لنا الآمال.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©