الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحسد وقلة الورع وسوء الظن والتسلية وقود الإشاعات

الحسد وقلة الورع وسوء الظن والتسلية وقود الإشاعات
23 أغسطس 2011 22:39
أبوظبي (الاتحاد) ـ كثيرة هي الآفات التي قد تصيب المجتمعات الإنسانية، فتفكك تماسكها وتنخر تلاحمها، ولا شك أن من أخطرها وأعظمها حلول آفة الإشاعة في جسدها، وسريانها فيه سريان الدم في العروق. فما هو مفهوم الإشاعة؟ وما هي الأسباب التي تؤدي إلى ظهورها؟ وما هي مخاطرها على الفرد والمجتمع؟ وما هو موقف الإسلام منها؟ إن الإشاعة في اللغة مشتقة من فعل شاع يشيع شيعاً وشيوعاً، بمعنى ذاع وفشا، فيقال: شاع الخبر فهو شائع، إذا ذاع وفشا وانتشر، وقولهم: هذا خبر قد شاع في الناس معناه قد اتصل بكل أحد فاستوى علم الناس به، ولم يكن علمه عند بعضهم دون بعض «تاج العروس». والإشاعة في عرف الناس عبارة عن خبر أو قول يختلقه البعض لأغراض خبيثة في أنفسهم، ثم تتناقله الألسنة فيشيع ذكره وينتشر دون تثبت من صدقه وصحته. فيلاحظ من خلال هذين التعريفين أن الإشاعة في المعنى اللغوي هي ذيوع الخبر وانتشاره سواء كان خبراً صادقاً أو كاذباً، بينما قصرها العرف على الأخبار التي لم يثبت صدقها بعد. الأسباب تتعدد الأسباب المؤدية إلى اختلاق الإشاعات، وتكثر الدوافع المحركة لانتشارها وفشوها إلى حد لا يمكن معه حصرها وعدها، فنذكر هنا بعضاً من تلك الأسباب والدوافع: - الفراغ: يعد من أهم الأسباب في ظهور الإشاعات وانتشارها. لأن الإنسان العاطل الذي ليس له شغل يشغله أو عمل يعمله، يعود عليه وعلى مجتمعه بالخير والنفع، تجده يقتل وقته ويصرفه في مراقبة الناس والبحث عن أخبارهم والتنقيب عن أحوالهم الظاهرة والباطنة، فيجلس في مجالس القيل والقال ويخوض مع الخائضين فيها. فالنفس إذا لم يشغلها صاحبها بالطاعة شغلته بالمعصية، ولهذا قال الله تعالى:(فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ». - العداوة: غالباً ما تصدر الإشاعة من عدو فاض قلبه بالحقد والكراهية لمن يعاديه، فيطلق سهام الإشاعات للإضرار به والانتقام منه. - الحسد: وهو من الأسباب التي تدفع الحسود إلى ترويج الإشاعات عن المحسود من أجل إلحاق الأذى به. - قلة الورع: إن الإشاعة تصدر من إنسان خبا نور الإيمان في قلبه، وقل ورعه وتقواه، وضعف الوازع الديني في داخله، فاتبع هوى نفسه، قال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) «الجاثية، 23». - سوء الظن: إن من يسيء الظن بالآخرين، ولا يلتمس لهم الأعذار، يقوم بتفسير بعض الوقائع والأحداث بناء على خلفيات نفسية مبيتة، وأفكار وأوهام من نسج خياله، يفتريها على الناس ويذيعها كإشاعات عليهم. قال تعالى: (وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْـحَقِّ شَيْئًا) «النجم، 28». - اللهو والعبث: هناك من الناس من لا يكون قصده خبيثاً أو سيئاً حين يروج بعض الإشاعات، وإنما يصدر منه ذلك بهدف اللهو والتسلية والتنفيس عن النفس. فهذه بعض من الأسباب والدوافع المحركة لظهور الإشاعات وانتشارها في المجتمع. أثر الإشاعة إن الإشاعة تستهدف عقل الإنسان وقلبه ومشاعره، فتعمل على تحطيم روحه ونفسيته، فتهزه من داخله وتطعنه في سويداء قلبه، وتجرحه في مشاعره وأحاسيسه، وتخلق لديه اضطراباً في أفكاره وتشتتاً في تصوراته. فالإشاعة تعد سلوكاً عدوانياً ضد الفرد والمجتمع، تفقد الناس إحساسهم بالأمن والاستقرار. الشريعة والإشاعة إن للإسلام منهجاً محكماً في مواجهة الإشاعات والأراجيف، ندرك معالمه من خلال نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، والتي يمكن إجمالها في الضوابط التالية: - التثبت في الأخبار: لقد أمر الله عز وجل بالتثبت في سماع الأخبار، ونهى عن العجلة في تصديقها وقبولها، فقال عز من قائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) «الحجرات، 6»، وقد بين الله تعالى الأضرار والمفاسد المترتبة على عدم التثبت في سماع الأخبار ونقلها وإذاعتها في قوله: (أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ). وهذا هو المنهج الذي اعتمده المحدثون في قبول الأخبار وتنقيح الروايات وتمحيصها، فميزوا بين الثقات والمجروحين من الرواة وبينوا المقبول من المردود من الروايات بكل عدل وإنصاف، بعيداً عن الأهواء والأغراض الشخصية. ومن وسائل التثبت التي حددها القرآن الكريم، الرجوع إلى أهل الاختصاص للتأكد من صحة الأخبار. والنهي عن اتباع ما لا علم للإنسان به، وعدم اتباع الظن، فيقول صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْـحَدِيثِ»، «متفق عليه». وبعد، ففي هذا الهدي القرآني والنبوي ما يبصر أولي الألباب بمخاطر الإشاعات والخوض فيما ليس للإنسان به علم وعلينا أن ننشغل بالصلاة والصيام وغيرها من العبادات. د. حياة البرهماتي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©