السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أداة عملية جداً

أداة عملية جداً
19 نوفمبر 2010 20:14
بعد فترة طويلة من اقتناء فرن الميكرويف أدركت مدام (عديلة) أنها لم تستعمله إلا ثلاث مرات.. ثلاث مرات وهو يحتل حيزاً لا بأس به من المطبخ وكلفها مبلغاً ضخماً من المال. هكذا قررت أن تطهو فيه صينية بطاطس.. جربت خلط الكميات وراحت تفتح الفرن من وقت لآخر كي تتأكد من أن الطعام نضج، وفي النهاية رأت أنها استغرقت في عملية الطهي ثلث ساعة.. لا تذكر كم من الوقت كانت تحتاج له في الفرن العادي، لكنه ليس برقم بعيد عن هذا.. لو استغرق طهي الوجبة ساعة فلا مشكلة لأن عندها الكثير جداً من الوقت. في اليوم التالي خطر لها أن تجرب قلي البيض، وقد احتاجت لعشر دقائق، دعك من أن البيض انفجر وسبب مجزرة، وبالتالي احتاجت لعشر دقائق للطهي وساعتين لتنظيف الجهاز من الداخل، بعد ما امتلأ بالبيض والدهون. في اليوم الثالث قررت أن تجرب تحميص الفول السوداني. وكانت تجربة رائعة. لقد استغرق الأمر خمس دقائق بينما كان يستغرق عشر دقائق في الفرن العادي! كانت تردد طيلة الوقت كالمنومة مغناطيسياً: ـ»أداة عملية جداً.. لقد صارت الحياة أسهل»! جربت كل شيء.. وضعت فيه الطماطم ووضعت فيه الخيار. وضعت فيه الأرز والمكرونة. وجربت غلي اللبن برغم أنه انفجر في وجهها بمجرد أن أخرجته من الفرن. وجدت ابنها الصغير الوغد يحاول تسخين قطعة من البيتزا في فرن البوتاجاز، فانفجرت فيه صارخة وحملت قطعة البيتزا لتضعها في جهاز الميكروويف ، وهي تردد: ـ»هل جننت؟.. لديك أداة عملية جداً وتضيع وقتك مع هذا السخف»؟ قال الصغير إن الأمر لا يستغرق سوى ثلاث دقائق في الحالتين، لكنها كانت مصرة على أن الميكروويف أكثر أناقة. فكرت في تسخين الماء أو تسخين الحساء. ثم بدأت تدرك في رعب أنها تخترع أشياء لتجربها في هذا الجهاز. لم تدفعها الحاجة إلى استعماله بل هي تبتكر له مهاماً طيلة الوقت. بعبارة أدق هي لا تحتاج لهذا الجهاز لكنه هو الذي يحتاج لها حتى لا يتلف. إن النفع الحقيقي لجهاز كهذا هو في مجتمع غربي، حيث إيقاع الحياة سريع كلحن صاخب. ربة البيت تعود لدارها سريعاً ومعها طعام جاهز فتتركه للأولاد ثم تنطلق عائدة للعمل، وهي تعرف أن أولادها سيعودون من المدرسة ليضعوا الطعام الجاهز في هذا الجهاز ليظفروا بوجبة ساخنة خلال دقيقة. ربما يحضر زوجها أصدقاء من مجلس الإدارة، فيكون عليها أن تعد لهم دجاجاً وخضراً خلال نصف ساعة . باختصار هو جهاز صنع في الغرب من أجل الغرب، ولا يهمنا نحن العرب في شيء لأننا نملك الكثير من الوقت. أرادت أن تصارح زوجها بهذه الخواطر فلم تجده. كان يركب السيارة في جولة بالمدينة. الحكاية أنه ابتاع سيارة جديدة ثم اكتشف أن مدارس الأطفال قريبة وعمله قريب. لا يحتاج إلى سيارة لهذا الحد. النتيجة أنه اكتشف أن السيارة قد تظل واقفة أربعة أيام كاملة. عرف أن هذا سيتلفها، لهذا كان يأخذها في كل يوم في نزهة لمدة نصف ساعة ويبتكر لها مشاوير طويلة لم يكن بحاجة لها. لقد صارت السيارة كزوجة بحاجة إلى أن تتنزه وتخرج يومياً. والزوج يتذكر في حسرة أيام كان يمضي اليوم في البيت في أيام العطلة. اليوم لابد من أن تخرج السيارة البائسة قليلاً حتى لا تتأثر نفسيتها. أضاف هذا لخواطر السيدة عديلة أفكاراً جديدة عن الأجهزة التي نبتاعها لمجرد الاحتياج الاستهلاكي، أو لأننا نرى مثلها في الأفلام الأميركية، بينما كنا نعيش في سلام تام قبل أن تأتي. لكن لا وقت لديها للتفكير في هذه الأمور. إن الميكروويف لم يعمل منذ الصباح، وعليها أن تبتكر اختراعًا جديداً تضعه فيه . سوف تفعل ذلك وهي تردد: ـ»أداة عملية جداً.. لقد صارت الحياة أسهل بلا شك»! د. أحمد خالد توفيق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©