الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

فؤاد التكرلي·· الموت اغتراباً

فؤاد التكرلي·· الموت اغتراباً
17 فبراير 2008 22:21
رحل الاثنين الماضي الروائي العراقي فؤاد التكرلي عن عمر ناهز الـ81 عاما وقد ترك خلفه أثرا إبداعيا قل نظيره·· ترك مأساة ملحمته الشهيرة ''الرجع البعيد''· ولد فؤاد التكرلي في بغداد 1927 في منطقة باب الشيخ وهو حي معروف أرخه في رواياته وكتب عنه بكل تفاصيله مثلما كتب بدر شاكر السياب عن نهر جيكور الذي لم يتعد المترين عرضا فصار في شعره أسطورة· في بعقوبة استلم دار القضاء، فكتب من هناك قصته الأولى ''العيون الخضر'' ثم بدأ في انتاج نصوصه القصصية القصيرة ''التنور'' و''الطريق الى المدينة'' و''موعد النار'' و''الصمت واللصوص'' و''الغراب'' و''القنديل المطفأ'' و''الدملة'' وغيرها الكثير·· إلا أن عمله ''الوجه الآخر'' كان انعطافة كبيرة في تناول الشخصية المثقفة التي تتأرجح بين الفكر والمبادئ والسلوك·· فقد كشف الكثير عن بناء هذه الشخصية في تكوينات المجتمع العراقي· في الثمانينات من القرن الماضي كتب ''الرجع البعيد'' وهي الرواية الطويلة التي أرخت لفترة أواخر حكم عبدالكريم قاسم، حيث تناولها بحس واقعي عالٍ وبمكون بنائي صارم ينم عن ذكاء مفرط في التلاعب بالشكل بما يطابق المحتوى· ثم جاءت روايته ''خاتم الرمل'' لتؤسس مفاهيمه إزاء الحياة والذات المتشظية وبعدها كتب ''الأوجاع والمسرات''، وهي بحق تكملة لهذا الرصد البانورامي لواقع التحولات السياسية الكبرى وتشكلاتها التي عاشها الإنسان العراقي إبان الستينات حتى الثمانينينات من القرن الماضي· وجاءت أخيرا روايته ''اللاسؤال واللاجواب'' ليعيش فؤاد التكرلي مع الناس في همومهم اليومية والمعاشية ليكتب عنهم مآسيهم وأحلامهم بلا سؤال أو جواب وكأنه أراد أن يقول هذا هو الواقع، فلا تسألوا كيف حدث هذا، فلا جواب سيأتي·· بل تبقى الواقعة كما هي وكما حصلت بدون امكانية الاضافة اليها· لقد كان القاضي فؤاد التكرلي أمينا للواقع، للتربة العراقية بمفهوم القص المحلي حتى ان روايته ''الرجع البعيد'' عندما حوّل حوارها الى الفصحى بعد ان نشر بالعامية العراقية بدا ذاك البريق المحلي يخفت ويضيع في سدى الكلمات المنمقة، انه شاعر العامية في حواره، استاذ الفصحى في سرده، معلم التصوير في وصفه، بناء الجمل في تراصها ووحدتها، منسق الزهور الجميلة في عباراته المتلاحقة وهي تدفع بعضها بعضا وكأنه لم يوجهها الى طريق أراده بل هي التي توجه قلمه· فؤاد التكرلي كان قد عالج القرى فكتب في شخوصها ودخل أزقة المدينة فتحسس جدرانها ووشم روائحها في الكلمات·· جاس ظلام الشوارع الخلفية في بغداد، وصف مقاهيها رسم أعمدة شارع الرشيد وفضاءات شارع المتنبي، كتب عن شخوص بغداد الأزليين، لم يترك جسراً إلا وقد داسته أصابع الكلمات·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©