الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اللاّذَوْقيون..!

اللاّذَوْقيون..!
6 يناير 2008 00:51
مشكلته أنه لا يُباع ولا يُشترى، لا يُزرع ولا يُصنع، لا يوهب ولا يورث· مشكلته أيضاً أنه إذا انتكس لا ينفع في علاجه دواء·· ولا يجدي معه نصح ولا إرشاد، ولا يصلح مع فاقده إلا الصفع أو الضرب على القفا··! إنه صاحب الحروف الثلاثة ''ذ، و، ق''، وهي الحروف التي تجعل من حاملها إنساناً يحمل كل مؤهلات (البني آدم)·· والتي تحوّل فاقدها إلى مخلوق لا هو بالإنسان الذي تحترمه·· ولا بالحيوان الذي تلتمس له العذر لأنه لم يؤهل أصلاً لحمل أمانة تلك الحروف الذهبية··! وكما يسهل عليك اكتشاف البني آدم الذوق الذي يكشف عن طبيعته الحضارية تلقائياً، فإن اكتشاف عديم الذوق أسهل بكثير، فتصرفاته وتعدياته تصرخ معلنة عن وجوده، وكما يأسرك البني آدم الذوق بذوقه واحترامه للآخرين·· فإن الأخ (الجِلياط) يستطيع بسهولة أن (يفقع) مرارتك، ويستطيع بسهولة أكثر أن يخلق من المشاكل ما يراه هو أموراً عادية أو تافهة لا تستحق منك أو من الآخرين كل هذا الضيق والاحتجاج··! من نماذج هذا البني آدم، ذلك النموذج المعروف الذي لا يحلو له التجرد من ذوقه إلا في الطريق العام، فتراه يتجول بسيارته ''التي غالباً ما تكون فارهة'' من شارع إلى شارع، تزعجه الشوارع الواسعة التي ينساب فيها المرور بلا مشاكل، وتغيظه مواقف السيارات الخالية من السيارات، فيظل يدور ويدور حتى يجد ضالته في شارع مزدحم يختنق بحركة المرور، وتزحف فيه السيارات من شبر إلى شبر، وهنا تنشط لديه الغدة ''اللاذوقية'' وتنتفخ، فينتابه الفرح وتغمره السعادة، ويبدأ في دراسة الموقع أمامه حتى يكتشف موقعاً استراتيجياً يتحكم في حركة المرور، وسرعان ما يوقف سيارته في ذلك المكان متعمداً ترك محركها دائراً، وببرود الواثق من نفسه يغادر سيارته لأمر ما، تاركاً المنتظرين ''المفقوعين'' والمحاصرين (الملطوعين) معلقين بين الأمل في عودة أخينا لفك حصارهم والإفراج عن سياراتهم أو العودة مشياً إلى بيوتهم، فبقاؤهم على هذه الحال لأطول وقت ممكن يحقق لصاحبنا لذة سادية لا يدرك حلاوتها إلا من كان مثله مصاباً بـ(العمى الذوقي)··! من عيّنة هذا (المتجرد) أيضاً، ذلك الذي لا (يفتح نفسه) من مواقف السيارات إلا ما كان (كومبليت)، فلا يتعب نفسه بالبحث عن موقف آخر أهدأ وأرحب حتى ولو كان على بعد أمتار قليلة، فمثل هذا (الباركينج) المزدحم يسعده ويتيح له (فش) أكبر قدر ممكن من عقدة (اللاذوقية)، ويهيئ له ممارسة التصرف المحبب لديه، ومن ثم يغادر سيارته بعد إيقاف محركها وإغلاق أبوابها، وينصرف في هدوء الواثق من غبائه·· وبسعادة المتأكد من نجاح خطته في إيذاء الآخرين، وعلى المحاصرين بسيارته أن يضربوا رؤوسهم في كل الحوائط المحيطة بهم، وأن يستمروا في ذلك حتى يأخذ صاحبنا مزاجه، فيعود هادئاً مسترخياً، متجاهلاً نظرات وصيحات الغيظ من تعساء الحظ الذين شاء قدرهم أن ''يسعدوا'' بوقف حالهم وتعطيل مصالحهم طوال فترة نشاط واستنفار غدة (اللاذوق) حتى تهدأ وتستقر لدى صاحبها··! وإذا تركنا الشوارع والسيارات، ودخلنا إلى مواقع العمل -والحكومي بالذات - فسنواجه بسلسلة فريدة من عينات (اللاذوقيين)، الذين يعطيهم موقعهم الوظيفي فرصاً رائعة لاستعراض مواهبهم (اللاذوقية)·· فطرية كانت أم مكتسبة··! تدخل على الواحد منهم مكتبه فيجد لذة في تجاهلك، تصبّح عليه فيحس بمتعة شديدة في عدم الرد عليك، أما إذا أسعدك الحظ -ببركة دعاء الوالدين- فلا تصل في تفاؤلك إلى تصور أنه سيتكرم بالنظر إليك، فهذا شرف يرى أنك لا تستحقه، ولك أن تتوقع أيضاً أنه سوف يهملك (لاطعاً) إياك لأطول وقت ممكن، تاركاً شخصك الكريم قلقاً·· متململاً·· حائراً·· إلى أن تهدأ -إلى حد ما- غرائزه اللاذوقية بعد أن تنتشي عقده تماماً فينهي الموقف متفضلاً بإنهاء معاملتك على خير·· أو صافعاً إياك بالمقولة الأزلية: ''تعال بكرة''، والعقدة اللاذوقية في حال هذا الموظف وأمثاله مكتسبة غالباً، لأنها ترتبط وجوداً وعدماً·· ارتفاعاً وانخفاضاً بالكرسي وبالمكتب وبالوظيفة، وبالفراش الواقف على بابه أيضاً، انطلاقاً من منطق أن استعمال الذوق مع أصناف البشر المتعاملين معه- وكلهم في نظره من السوقة وعامة الناس- يحط من قدره وقدر وظيفته، وأن التلطف معهم ترف لا يستحقونه، انطلاقاً من المبدأ القائل إن (سيد القوم خادمهم) وليس (خادم القوم سيدهم)·· ''ولله في خلقه شؤون''! اللي شبكنا يخلصنا من الواوا وأخواتها!! اختلف صديقي يونس مع خاله إبراهيم في أمر مَّا، فارتفع صياحهما كالعادة في قلب الحي، خاصة أن إبراهيم أصغر عمراً من ابن أخته وهو أمر شائع في حياتنا العربية التي لا يكف فيها الآباء عن الزواج عقداً بعد عقد!! أطل الجيران برؤوسهم من الشبابيك ليستطلعوا أمر الضجة، ولكنهم ما لبثوا أن غرقوا في ضحكهم عندما رأوا الخال وهو يصيح: ''أنا ما يهمني، على قولة فريد اللي شبكنا ايخلصنا''!! وعندها قهقه يونس وتبخر انفعاله ليستدرك خطأ خاله قائلاً: ''خالي اللي غنى اللي شبكنا ايخلصنا عبدالحليم حافظ مو فريد الأطرش''، فرد الخال محرجاً: ''انشالله ايكون عبدالوهاب لا تغير الموضوع، أقولك اللي شبكنا ايخلصنا''!!· والحق عندما أسترجع هذه الحكاية اللطيفة أتذكر كيف أن الناس حتى ماض قريب كانت لا تستمع إلا للكبار ولا تطرب آذانها إلا للفن الرفيع، حتى أنني أتذكر أن عمي البروفيسور الجامعي الذي يكاد يتحول لشيخ دين هذه الأيام، لم تكن تخلو سيارته من أشرطة فريد الأطرش، تلك السيارة التي حفظت فيها أغنيات مثل ''أول همسة وجميل جمال، وحبيناكي حبينا''، على العكس من مسجلة منزلنا التي لا تعرف إلا أشرطة أم كلثوم ووردة ومحمد عبدالوهاب ومحمد عبد المطلب وعبدالحليم حافظ وناظم الغزالي وحضيري أبو عزيز والأغنيات القديمة لأبوبكر سالم مثل ''ما يهزك ريح يا مركب هوانا''· غير أن ريح أغنيات وفيديو كليبات هذه الأيام لم تهز المركب فقط بل قامت بتجفيف كل منابع الفن والجمال، ولذلك تحولت الأسطوانات القديمة التي بقيت في منزلنا إلى ثروة هائلة أضفت عليها الكثير عبر تسوقي من سوق الحراج في البحرين ''سوق لبيع الأشياء المستعملة والأنتيكات القديمة''، ففي هذا السوق عثرت على أسطوانات قيّمة لودودة المنيلاوية وسلامة حجازي وليلى نظمي ومحمد عوض أفندي وسيد درويش التي يعود بعضها لبدايات القرن، ورغم أنني دفعت فيها مبالغ تعتبر طائلة، إلا أنها أصبحت ملجئي الجميل كلما شعرت برغبة في الهروب من جحيم أغنيات فضائيات ومحطات ''إف· إم'' هذه الأيام التي أنزلت علينا عذاب الاستماع إلى ''بوس الواوا'' و''الواوا أح''، وحسبنا الله على من ''شبكنا ولم يخلصنا من ردح الواوا بعد أن كنا نعيب السح الدح امبو''!!· كُلي يا حبيبتي نعم يا (رانية)·· أعرف أنك تحبينني وأنك تتعذبين، وأنك لا ترغبين في تذوق طعم الزاد إلى أن نصير معاً للأبد، لكن لبدنك عليك حقاً، ولهذا أتيت بك إلى هذا المطعم الفاخر كي أطعمك قليلاً·· حتى تجدي في عروقك القدرة على المزيد من الحب والحزن· كُلي·· كُلي يا صغيرتي·· أمامي فنجان القهوة السوداء·· لا أريد سواها لأنها رخيـ ·· لأنها أقرب إلى الاكتئاب الذي أمرُّ به· إن الحياة من دون حبيبتي ليست حياة أصلاً·· لهذا أشرب القهوة السوداء كي تمزق معدتي وكي ترفع ضغط دمي إلى أن تنفجر شرايين مخي· نعم·· التهمي السلاطات كلها·· ما شاء الله·· إن أكل السلاطة بالشوكة لا يسمح للمرء سوى بالتقاط أقل القليل، لكنك تغرسين الشوكة فيفرغ الطبق·· خبز أيضاً؟·· هل تريدين بعض الماء كي يساعد على البلع؟·· تذكرت أشعب الطفيلي عندما كان مع ابنه في حفل زفاف وشرب الصبي كوب ماء فصفعه أبوه قائلاً: لو أنك اتخذت بدلاً من هذا الماء بضع لقيمات! قال الصبي: إن كوب الماء يفرغ مكاناً لمزيد من الطعام· هنا صفعه أشعب ثانية قائلاً: لماذا لم تخبرني بهذا من قبل؟!! ها ها!·· لماذا تذكرت هذه القصة الآن؟··لا أعرف·· اشربي الحساء يا صغيرتي الرقيقة المعذبة·· لا·· لا داعي للشرب من الطبق مباشرة·· اشربي بالملعقة··· نعم يا رانية·· إن قصة حبنا خالدة ولن تموت، حتى لو كان أهلك لا يوافقون على شخصي لأنني فقير ولأنني ثقيل الظل ذو وجه عكر· تلتهمين المكرونة الآن··· أنا فعلاً معجب ببراعتك·· الشوكة لا تقدر إلا على حمل حفنة من أعواد المكرونة لكنك تنقلين بها نصف الطبق إلى فمك· اشربي بعض الماء·· أنت تُفرِطين في وضع أحمر الشفاه كأنك أكلت إنسانًا حياً·· لا·· هذه صلصة المكرونة··! معجب أنا بطريقتك في تفسيخ لحم الدجاجة·· إن هي إلا لمسة واحدة وتحولت الدجاجة إلى أشلاء· لم أر أحداً يفعل هذا سواك وسوى (أبو لهب) في فيلم (فجر الإسلام)· جميل·· جميل·· يسعدني أن أرى فمك الدقيق الصغير يمحو كل أثر للدجاج هنا·· المزيد من الكباب؟ أنت تنقلين أصابع الكفتة إلى فمك برشاقة رائعة·· إصبع·· إصبعان·· ثلاثة·· لا·· هذا إصبعك أنت فلا تأكليه من فضلك·· أنا سعيد جداً لأنك تأكلين·· سعيد لدرجة أنني سأطلب فنجان قهوة آخر·· ماذا كنا نقول؟ آه·· الحب والحاجة إلى أن نكون معاً للأبد· إن أباك رجل قاس وأمك··· لا!·· لا داعي للعق الطبق بعد أن أكلت اللحم· أعرف أنه مبلل بالصلصة الشهية المتخلفة عن الشواء، لكن المنظر غير محبب··· أحب طريقتك الرشيقة في شرب المياه الغازية· ثم تتجشئين في رشاقة قبل أن تنتقلي لطبق آخر· آه·· الجمبري·· في مصر يسمونه الجمبري وفي الخليج يسمونه الروبيان· لا مشكلة·· المهم أنه يختفي من على ظهر البسيطة بسرعة البرق· على فكرة·· عرفت صديقين درسا في أكبر معاهد السياحة والفنادق، وبرغم هذا يعجزان عن انتزاع لحم السمكة بضربة سكين واحدة كما تفعلين أنت!!·· أنت جميلة وبارعة حقاً· بطيخ مع السمك؟·· للناس فيما يعشقون مذاهب·· حبات العنب مع البطيخ في شوكة واحدة ثم تغمسين هذا كله في الآيس كريم قبل أن ترفعيه لفمك·· فكرة جميلة فذكريني بأن أجربها·· الأجمل أنك تتبعين هذا بإصبع من الكفتة!·· ثم كوب من الماء··· عندما نتزوج يا رانية سوف أصحبك لهذا المطعم كل يوم فمن الواضح أنه يروق لك·· معجزة حقيقية أن تتمتعي بهذه الشهية وتحتفظي برشاقتك· تقولين إن هذه الشهية ليست من عاداتك لكنك سعيدة الليلة·· أدعو الله ألا تسعـ···· أن تسعدي للأبد ما دام هذا يجعلك تأكلين بشهية·· تريدين عود خلة؟·· هل ستأكلينه هو الآخر؟·· آه·· تريدين تنظيف أسنانك·· حسن·· سوف أحضر لك علبة كاملة·· كلام كثير يا رانية أريد أن أقوله لك، لكنك تفضلين أن ننتظر حتى تصل الحلوى·· ظننتها وصلت فعلاً!·· ليكن·· أنا فقط بحاجة إلى إجراء مكالمة مهمة ويجب أن أبحث عن هاتف هنا· تقولين إن هاتفي الخلوي يطل من جيبي؟·· ربما كنت كذلك بحاجة إلى دخول الحمام·· المهم إنني مضطر للنهوض·· كلي واستمتعي بالحلوى إلى أن أعود·· إن تأخرت لا تقلقي·· سأعود بالتأكيد وحياة عينيك الجميلتين، وعندها نتكلم عن حياتنا معاً·· عن اللحظة التي تصيرين فيها زوجتي وأكون مسؤولاً عن طعامك وشرابك وملبسك··· إن أباك رجل عظيم حقاً·· تقولين لي: ما هي المناسبة؟·· أقول: إنه مجرد خاطر عابر·· لا تتحركي من مكانك· سأجري المكالمة وأدخل الحمام ثم أعود······· سيارة الأديب بينما كان الكاتب الناقد أديب التقي يقود سيارته ''البويك'' تعطلت في منتصف الطريق، وكان على ما يبدو قد سئم منها لأن الدهر أكل عليها وشرب، حتى أوشكت أن تصبح أنقاضاً، وكانت في كل مرة يركبها تتعطل وتتوقف في قارعة الطريق، فتفتقت قريحته الشعرية عن بضعة أبيات هجائية قال فيها: سيارة شحنت من نوع البويك تجري الهوينا على عرى وتفكيك قديمة أبلت الأيام جدتها كأنمــــــا هي من عهـــــــد المماليـــــــك تخالنا وهي وسط الدرب واقفة ونحن من حولها بعض المفاليك üüü طالب الطب كان الأديب عبد السلام العجيلي طبيباً، درس الطب في جامعة دمشق، وقد كتب آنذاك يعارض ساخراً قصيدة ''أبو نواس'' التي يقول مطلعها: غيري على السلوان قادر وسواي في العشاق غادر فقال العجيلي: üüü ثقيل وخفيف ألف أبو العلاء صاعد عدة كتب، من بينها كتاب ''الفصوص'' الذي دفعه إلى غلام ليحمله ويعبر به نهر قرطبة، لكن الغلام انزلق فسقط منه الكتاب في النهر· سمع بذلك ابن العريف فقال بحضرة المنصور ساخراً: قد غاص في البحر كتاب الفصوص وهكذا كل ثقيل يغوص فضحك المنصور ومن بمجلسه، لكن ذلك لم يزعج الشاعر أبو العلاء وقال مرتجلاً يجيب ابن العريف: عاد إلى معدنه فإنما توجد في قعر البحار الفصوص أسد ونعامة! يتداول الناس حين يبتغون رمي مدعي الشجاعة بالجبن، بقول شهير ذهب مثلاً حتى لدى الكتّاب والساسة أسد عليّ وفي الحروب نعامة من دون -ربما- أن يعرف جميعهم حكاية هذه القصيدة، ولمن وجهها الشاعر! إذ يروى أن الحجاج هرب في إحدى الوقائع من غزالة سعت خلفه، فعيّره الشاعر ساخراً من تبجحه بالقوة بقوله: أسد عليّ وفي الحروب نعامة فتخاء تنفر من صفير الصافر هلا برزت إلى غزالة في الوغى بل كان قلبك في جناحي طائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©