الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هيكل عظمي في المنزل

هيكل عظمي في المنزل
18 نوفمبر 2010 20:45
قامت مالكة العقار بتأجير الطابق الأرضي ليدر عليها عائدا شهريا يساعدها على مصروفات الأسرة وبعد فترة قصيرة قدم لها المستأجر الغامض إيجار ثلاثة أشهر كاملة مجمعة واختفى ولم يعد يأتي إلى الشقة حتى بعد انتهاء هذه الأشهر وما بعدها ومرت أربعة أشهر أخرى فاتصلت به على هاتفه المحمول تطالبه بإخلاء الشقة أو دفع الإيجار فاكد لها انه يحتفظ فيها بأشياء ومقتنيات ثمينة تصل قيمتها إلى ملايين الدولارات وحذرها من الإقدام على هذه الخطوة أو الاقتراب من الشقة وإلا فإنها ستتحمل المسؤولية كاملة وهددها بانه سيتهمها بسرقة هذه المقتنيات الباهظة الثمن وسيقدمها إلى العدالة وضرب لها موعدا تلو الآخر لكنه خالفها جميعا ولم يلتزم بأي منها ولم يعد يرد على اتصالاتها الهاتفية . وأصبحت المرأة بين خيارين كلاهما مر فإما أن تتغاضى عن الأمر وتتناسى وتخسر الإيجار وإما أن تلجأ إلى القضاء وتقيم دعوى طرد للمستأجر ولإخلاء المسكن واستصدار حكم قضائي بفتحه وهي تعرف ان ذلك سوف يستغرق وقتا ويحتاج إلى مصروفات قضائية وأتعاب محاماة واختارت هذا الحل. بعد عدة أشهر حصلت المرأة على حكم وقامت لجنة من المحكمة بتسليمها الشقة وبعد انصرافهم أحضرت اثنين من العمال لتنظيفها وقد غطتها الأتربة وكادت تطمس أثاثها وكانت المفاجأة أنها لم تعثر على أي شيء ذي قيمة على الإطلاق وكل ما هو موجود بعض الملابس القديمة والبالية وأوراق مهملة وهذا يعني أن الرجل الذي كان يستأجرها ليس صادقا وكل ما فعله كان تلاعبا وتهربا من الإيجار وما ذكره مجرد خدعة. مصمصت شفتيها تعجبا واستنكارا فليس هناك أي تفسير منطقي لتصرفاته لكن إذا عرف السبب بطل العجب. فقد اكتشفت المرأة شيئا غريبا في الأرضية حيث تم تغيير جزء من البلاط واستبداله بنوع آخر وبلون مختلف وذلك تصرف غريب لا تدري متى وكيف ولماذا اقدم عليه؟ بعض البلاطات لم يكن مثبتا بشكل جيد ولا بطريقة فنية الأمر يدعو للشك ويثير الريبة وطلبت المرأة من العاملين رفع هذه القطع الجديدة الغريبة وكانت المفاجأة الكبرى انه قبر لجثة آدمية تحولت إلى هيكل عظمي وضاعت كل معالمها ولا تستطيع أن تحسم إن كانت لرجل أو امرأة أو لشاب أم عجوز وكاد الثلاثة يسقطون مغشيا عليهم من هول المشهد المرعب الذي لم يروا مثله وعقدت المفاجأة ألسنتهم وحاولوا استجماع قواهم حتى يخرجوا من هذا المدفن وخيل اليهم أن الموت يطوق رقابهم ولم يكن أمام مالكة العقار إلا أن تبلغ الشرطة لتخلي مسؤوليتها عن هذه الجريمة الغريبة. امتلأ المكان برجال الشرطة وخبراء الأدلة الجنائية فقد كانوا أمام جريمة غاية في الغموض خاصة ان القتيل مجهول الهوية والقاتل غير معروف والوضع معقد ولابد من البحث عن خيط للامساك بأوله لحل هذا اللغز والبداية هي البحث عن المستأجر الذي اختفى تماما ولا أحد يعرف له عنوانا ولا عملا . وفي المقابل كان البحث على قدم وساق عن «جلال « صاحب بطاقة الهوية التي عثر عليها في غرفة النوم والمعلومات التي تم التوصل إليها انه كان يعمل محاميا بعد أن تخرج في كلية الحقوق منذ ربع قرن وتزوج وهاجر من قريته إلى أقصى الشمال وانجب ثلاثة أطفال غير انه اهمل مهنته التي لا يحبها . ويعتمد على عائد الأراضي التي ورثها عن أبيه وقالت زوجته انه لم يكن رجلا على قدر المسؤولية فقد اهمل بيته واولاده ولم يهتم بأي شيء في حياتهم وكان غريب الأطوار يبحث عن الشهرة ويهوى الطرب وكتابة الأغاني الشعبية وفي سبيل ذلك ترك المدينة التي تقيم فيها أسرته وتوجه إلى العاصمة من اجل التعامل مع المطربين والملحنين منذ اكثر من أربعة أعوام فاضطرت إلى أن تنساه وتتحمل المسؤولية وترعى الأبناء وانقطعت أخباره عنهم وعاش لنفسه. كل ذلك ليس دليلا على أن هذا الهيكل العظمي يخص هذا الرجل وانما مجرد احتمال قد يكون صحيحا أو خاطئا حيث لم يتم التوصل إلى هويته بشكل حاسم ولذلك لا بد من تحليل الحامض النووي لاحد اقاربه لحسم هذا الجدل وبالفعل تم إحضار ابنه الأكبر لإجراء التحليل الذي جاءت نتيجته تؤكد أن القتيل هو «جلال» المحامي الذي اختفى منذ اربع سنوات وانقطعت أخباره عن أسرته والآن يجب أن يتركز البحث عن القاتل. أما المستأجر الغامض فقد تبين من خلال بياناته المدونة في عقد الإيجار انه «صلاح» متعطل عن العمل واحترف النصب والاحتيال على كل من يتعامل معهم حيث يحصل على أموالهم ويختفي وتعددت ضده البلاغات وصدرت أحكام كثيرة بحبسه وهو مثل الزئبق لا يستقر في مكان حتى لا يتم القبض عليه . واستمر البحث عنه وخلال عشرة أيام فقط تم التوصل إلى المزيد عن المعلومات المؤكدة إذ انه تعرف على امرأة مطلقة على شاكلته ولها طفلان تصطحبهما معها اينما حلت أو ارتحلت وتوثقت العلاقة بينهما لكنها لم تصل إلى الزواج وهما يتشاركان في ارتكاب جرائم النصب والاحتيال ويتقاسمان الحصيلة وقد وجدا في اتحادهما غطاء لإبعاد الشبهات والشكوك ويقيمان في منطقة نائية بعيدا عن كل المدن والقرى التي سبق لهم التردد عليها. وتم تحديد المكان وقامت قوة بالقبض عليه واعترف بجريمته بالتفصيل وقال انه فعلا اتخذ من الاحتيال وسيلة للحصول على الأموال وعندما كان يقيم مؤقتا في احد الفنادق تعرف على «جلال» المحامي الذي كان يبحث عن الشهرة وقال له انه شاعر يريد أن يصل إلى الفنانين لإبراز موهبته وتوثقت العلاقة بينهما وأوهمه «صلاح» بان أصدقاءه كثر ويمكنهم ان يساعدوه في الوصول إلى هدفه وتحقيق امنيته واقتنع واغدق عليه الأموال وفي معظم الأيام يدعوه للغداء والسهرات في المسارح ودور السينما كنوع من التقرب اليه حتى يفي بوعده. وقال صلاح: استطعت أن أماطل في الأمر حتى استأجرت تلك الشقة في منطقة جديدة لرخص أسعارها وعندما علم بانني ساترك الفندق طلب الإقامة معي فوافقت واستمر التعامل بيننا خمسة أيام فقط بعدها اكتشف حقيقتي وعلم أنني مطلوب القبض عليَّ وان الشرطة تطاردني وفوجئت به يهددني بالإبلاغ عني اذا لم ارد إليه الأموال التي انفقها عليَّ ورفضت وعندما تأكدت من انه جاد في تهديده لم أجد مفرا من التخلص منه خاصة انه تسلم خمسة آلاف جنيه من عائد الأراضي التي يملكها ووجدتها غنيمة لابد من اقتناصها وضربته على رأسه بقطعة حديد عدة ضربات حتى لفظ أنفاسه ورغم انني ارتكبت العديد من الجرائم فانني كنت في قمة الرعب والفزع فتلك اول مرة تكون الجريمة دموية ويسقط فيها قتيل ولابد من التخلص من الجثة ولم أجد إلا هذه الفكرة الشيطانية بأن ادفنه في نفس الغرفة واختفي وها قد مر حوالي اربع سنوات على الجريمة التي لم تفارق خيالي لحظة ولا أحلامي ليلة وكنت اعتقد أنها أصبحت في طي النسيان وقيدت ضد مجهول وانه اصبح من المحال كشفها. حصلت أسرة القتيل على بقايا العظام ودفنتها ولم تحزن كثيرا على فراقه لانه خرج من حياتهم منذ زمن طويل وتم إيداع القاتل السجن تمهيدا لمحاكمته بينما تفكر صاحبة المنزل في بيعه لانها غير قادرة على الإقامة فيه بعدما شهد هذه الجريمة البشعة لان عظام القتيل تحولت الى كوابيس تنغص عليها نومها.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©