الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العلم عبادة ونور للبصيرة وتهذيب للنفوس

العلم عبادة ونور للبصيرة وتهذيب للنفوس
22 أغسطس 2011 22:39
إن من أشرف الأمور التي قد ينالها المسلم في هذه الحياة الدنيا هو وسام العلم، قال الله تعالى:(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) «المجادلة، 11»، وقال أيضاً: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ) «الزمر، 9»، وقَال رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:»مَنْ يُرِد اللَّه بِهِ خيْراً يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ» (البخاري)، وأيضاً فإن من أعظم الأمور المحفزة لطلب العلم هو الأجر العظيم والثواب الكبير من الله عز وجل لطالب العلم ومعلمه، والأدلة على ذلك كثيرة فعن قيس بن كثير قال: «كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ إِنِّي جِئْتُكَ مِنْ مَدِينَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَدِيثٍ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا جِئْتُ لِحَاجَةٍ قَالَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْـجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ». قيمة العلم وترجع قيمة العلم إلى أسباب كثيرة منها: - العلم مهذب للنفوس: فالعلم مقدم على القول والعمل، فلا عمل دون علم، ومن أراد تزكية أفعاله وأقواله وباطنه فعليه بالعلم. - العلم نور البصيرة: إنه نور يبصر به المرء حقائق الأمور، وقد جعل الله الناس على قسمين: إمَّا عالم أو أعمى فقال الله تعالى: (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْـحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ) «الرعد، 19». - العلم يورث الخشية من الله تعالى: قال الله عز وجل: «إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ» «فاطر، 28». غير أن أهمية العلم بذلك الاعتبار تقتضي توفر جملة من القيم والأخلاق تبدأ بالاستقامة، ويقصد بها تنفيذ أوامر الله واجتناب نواهيه، وبمعنى آخر هي القيام بكل ما يحبه الله ويرضاه، وهي بهذه الحالة مطلوبة للناس عامة ولطالب العلم خاصة، قال تعالى: «فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ» «فصلت، 6»، وقال الله عز وجل لنبيه: «فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ « «هود، 112»، وَوَعَدَ المستقيمين بجزيل الثواب؛ قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ *أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْـجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» «الأحقاف: 13، 14». ولقيمتها بالنسبة للمسلم يذكر هنا أنه لَمَّا جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ قَالَ قُلْ رَبِّيَ اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ هَذَا» (الترمذي). ومبدأ الاستقامة يمكن أن يصل إليه المسلم من خلال إيمان المسلم بأنَّ سعادته سواء في الدنيا أو الآخرة تتوقف على تيقنه بأن ذلك متعلق بمدى حرصه والتزامه بدين الله الحنيف، قال تعالى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» «النحل، 197»، وقال تعالى: «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى» «طه، 124»، وذلك يقتضي بالتأكيد أيضاً إنابة وتوبة إلى الباري جل سلطانه من حيث التخَلِّي عن سائر الذنوب والمعاصي، والندم على كل ذَنْب قد سبق فعله، مع العزم على عدم العودة إلى الذنب، مع استحضار المراقبة دائماً إلى الله عز وجل يقول تبارك وتعالى: «إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا» «النساء، 1»، وقال تعالى أيضاً:» وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ» «يونس، 61»، وهي المراقبة التي تؤدي إلى توفير مبدأ المحاسبة لتحقيق صلاح النفس وتأديبها، وتزكيتها وتطهيرها، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ «الحشر، 18». إن مبدأ الاستقامة لن يتحقق إلا من خلال التشبع بروح الصدق والإخلاص، لأن ذلك من المبادئ الأساسية الأخلاقية لطالب العلم، فقيل: (قولوا لمن لم يك مخلصاً: «لا تتعنّ») أي لا تتعب نفسك. وقيل أيضاً: (لا يكون العبد متحققاً بـ (إياك نعبد) إلا بأصلين: الإخلاص، المتابعة، وقال سفيان الثوري: «ما عالجت شيئاً أشد عليّ من نيتي»، والإخلاص يمثل مظهراً حقيقياً لتقوى الله تعالى، لأنها هي المقصود الأعظم من طلب العلم، فلا يتقى الله ويخشى حقاً وصدقاً إلا بالعلم. وكلا من الاستقامة والإخلاص والتقوى يقتضي تمثل الصبر كواقع قيمي ضروري للحياة العلمية، ولهذا قيل: (عودوا أنفسكم على الخير فإن النفوس إذا اعتادت الخير ألفته)، ولربما قد يتحقق ذلك بسهولة إذا ما فقه طالب العلم معنى الصحبة والرفقة الخيرة، وقَدْ أشارَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى أهميةِ هذَا الأمرِ فقالَ: «الْـمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ» (أبو داود). العلم عبادة ناهيكم عن وجوب اعتبار العلم عبادة، قال بعض العلماء: «العلم صلاة السر، وعبادة القلب»، وإذا ما وصلنا إلى تحقيق تلك القيم والأخلاق لطالب العلم، فإنه ينبغي أن يظهر عليه ذلك شكلاً كما وجب مضموناً والأمر يتعلق بالتحلي برونق العلم، فعن ابن سيرين رحمه الله تعالى قال: «كانوا يتعلمون الهدى كما يتعلمون العلم»، وهو ما قد يعبر عنه بالرزانة، فعلماء الأخلاق تحدثوا عن خلق الرزانة فذكروا فيه أربعة أمور: الوقار - وضع الكلام موضعه - التوسط في تدبير المعيشة - مسايرة الناس بالمسالمة، والرزانة يقابلها السخف، ولهذا كثرة المزاح مرفوض خاصة لرجل العلم لأنه يؤدي إلى سقوط الوقار، قال عمر رضي الله عنه: «من مزح استخف به» والوقار مشتق من الوقر الذي هو الثقل. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «الهدي الصالح والسمت الصالح والاقتصاد جزء من خمس وعشرين جزءاً من النبوة»، ويقول عمر: «تعلموا العلم وعلموه الناس وتعلموا الوقار والسكينة». د. محمد قراط
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©