الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الخلط بين تقدم السن والشيخوخة خطأ شائع

الخلط بين تقدم السن والشيخوخة خطأ شائع
19 أغسطس 2013 20:54
ظلّ بيكاسو مبدعاً في نشاطاته الفنية إلى أن توفي في الواحدة والتسعين، وأنتج وهو في الثامنة والثمانين 165 لوحة و46 رسماً! وبقي «برتراند راسل» حتى الثمانينات يحاور ويكتب ويتظاهر في شوارع لندن ضد الاستخدامات المدمرة للذرة. وظلّ رائد جراحة القلب «مايكل دبجي» يجري عمليات جراحية دقيقة وهو في الخامسة والتسعين بشكل أدهش طلبته ولم ترتعش يده. واحتفظت العالمة الأنثروبولوجية المعروفة «مرجريت ميد» بنشاطها وطاقتها على العمل حتى شارفت الثمانين. وعاش العالم الروسي المشهور «بافلوف» ما يقرب من ستة وثمانين عاماً، ولم يتوقف حتى موته عن العمل والتوجيه والإشراف على الطلاب وإجراء التجارب. كما أنجز «فرويد» كتابه الشهير «موسى والتوحيد» وهو في الثالثة والثمانين. أما الممثل الشهير «أنطوني كوين» فقد تزوج وأنجب وهو في الثمانينات. هُناك صورة نمطية أو مفهوم مشترك عند الناس بأن الشخص المسّن يتحرك ببطء ويفكر ببطء، ويقاوم التغيير، ويعاني من تدهور في قدراته الجسمية والعقلية، وأنه يصبح في النهاية كالطفل من حيث اعتماده على الآخرين. هذه الصورة النمطية فكرة خاطئة إذا جرى تعميمها على كل المسنيّن. فالباحثون يميزون بين «المسّن - الشاب» و«المسّن - المسّن». فالكثير من المتقاعدين، أو من هم في سن السبعين، أصحاء ونشطاء ويعيشون في انسجام مع أسرهم ومجتمعهم، وبينهم نشطاء سياسيون. فهناك فكرتان خاطئتان تستحقان التوقف عندهما، الأولى تقول: إن القوى الذهنية والإبداعية تضعف أو تتدهور لدى المسّن. والثانية تقول: إن الحاجة الجنسية لدى المسن تضعف أو تنعدم. ففيما يخص الوظيفة الذهنية والإبداعية، فإن الكثير من الفلاسفة والسياسيين والكتّاب والفنانين، ظلوا على نشاطهم الإبداعي طوال حياتهم. يقول الدكتور قاسم حسين صالح، الأستاذ بجامعة بغداد: «إن الباحثين وجدوا في دراسة ميدانية أن المسنيّن تحسنت درجاتهم في اختبارات الذكاء، وتحسنت أيضاً مهاراتهم اللفظية، وقدراتهم على التعامل بذكاء مع مشكلات الحياة اليومية. أما التدهور أو الضعف العقلي، فقد يكون ناجماً عن أمراض متعلقة بالعمر، وليس بالشيخوخة بحد ذاتها. وفيما يخص القدرة الجنسية فإن الباحثين يشيرون إلى أنه لا توجد «نهاية» حتمية للنشاط الجنسي ترتبط بتقدم العمر، فالشخص يمكن أن يظل نشطاً جنسياً طوال حياته. لكن هل تتغير سمات الفرد أو خصائصه الشخصية أو حالته المزاجية بتقدمه في العمر؟». ويجيب الدكتور قاسم: «الجواب لا في الأغلب الأعم. فالذي كان في ثلاثيناته كريماً ومحباً للاختلاط بالناس ولديه ثقة بنفسه لا يتحول في ستيناته إلى بخيل ومنعزل وضعيف الثقة بنفسه. والأفراد الذين يشعرون بالقلق والعداء والاكتئاب والاندفاعية وهم في عمر السبعين كان معظمهم كذلك حين كانوا بعمر الأربعين أو العشرين.هذا يعني أن الخصائص الأساسية في الشخصية تميل إلى أن تبقى، كما هي في حياة الفرد، وأن المسّن يميل إلى أن يبقى يفكر ويتصرف ويتفاعل مع الآخرين كما كان أيام شبابه. وبعكس ما يعتقد كثيرون، فإنه لا يحصل تغيير مفاجئ في النمط الشخصي. صحيح أن المسّن يواجه مشكلات تتعلق بالتوافق النفسي والاجتماعي، غير أن هذا لا يحصل بشكل مفاجئ بحيث يصبح شخصاً مختلفاً. وما ذكرناه لا يعني عدم وجود تغيرات على الإطلاق، فقد توصلت دراسة إلى أن الأشخاص الذين يحافظون على أسلوب حياتهم كلما تقدم بهم العمر يقل الرضا عن النفس لديهم، غير أنها عزت السبب إلى الصحة وليس إلى العمر. وهنالك بالطبع تنوع في استمرارية الحياة، فبعض المسنين يتوقفون عن النشاطات التي كانوا يمارسونها، فيما يستمر البعض الآخر في العمل ومتابعة ممارسة الهوايات والاهتمامات». الذاكرة يضيف الدكتور قاسم: «بالرغم من أننا لا نعرف حتى الآن بوجود مواقع محددة في المخ مسؤولة عن التذكر، فإننا نعرف أنه يمكن أن يُعاني بعض كبار السن من تدهور الذاكرة القريبة فيما تظل الذاكرة البعيدة لديهم نشطة وفعَّالة. وهنالك تباين كبير بين المسنيّن في كمية ونوعية ما يتذكرونه من معلومات، لأن عملية التذكر تتأثر بالعوامل الشخصية والمزاجية للفرد. ولهذا ينبغي أن تعطي للمسن فترة أطول للتذكر، وأن يكون الكلام معه على مهل. ومعروف أننا نتذكر الأحداث أو الأشياء المهمة لنا أكثر من تلك التي لا نعيرها أهمية، ونتذكر الأشياء السارّة أكثر من المؤلمة، بعبارة أخرى: نحن ننسى لأننا نحب أن ننسى لا لأننا عاجزون عن التذكر». تغير ميول المسنين يعدّ فقدان النشاط في كثير من القدرات العقلية مصدراً آخر للإحباط والتأزم لدى عدد من كبار السن. ويبدو أن ضيق دائرة العلاقات الاجتماعية في هذا السن، والتقوقع على الذات من العوامل التي تترك آثارها على أساليب التفكير فتتضاءل القدرة على التجريد واستخدام المفاهيم ويحل محلهما اهتمام بالعلاقات العيانية الملموسة والأفكار ذات المضامين الذاتية. ويقل ميل المسنين في هذا السن إلى الاستكشاف وحب المغامرة وتغيير البيئة، ولهذا تزداد نسبة المحافظة في الاتجاهات، والسلبية، والاستسلام للبيئة. كما يقل اهتمامهم بالنشاطات الخارجية. وبالرغم مما قد تبدو به هذه التغيرات من صورة سلبية، فإن البعض يراها دليلاً على الاقتصاد في استخدام الطاقة النفسية ودليل على تطوير الجوانب الانفعالية بحيث تكون أهدأ مما كانت عليه في عالم الشباب.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©