الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رمضان معسكر سنوي تدريبي يقوي العزيمة والإرادة

رمضان معسكر سنوي تدريبي يقوي العزيمة والإرادة
12 أغسطس 2012
(أبوظبي) - لا يتجادل اثنان في كون كل عادة أو عادات سيئة في أي مجتمع تأتي بسبب قلة ضبط النفس. وسواءً كان الأمر يتعلق بالعنف أو الإدمان أو القمار أو الخيانة أو غيرها، فإنها تكون نتيجةً طبيعيةً للاستسلام لرغبات النفس والانجرار إليها بسبب العجز عن ضبطها أو ردعها. فعندما لا يملك الشخص القوة لصد الإغراءات المتعددة التي يصادفها كل يوم، فإنه يصبح من حيث يعلم أو يجهل عبداً لأهواء نفسه، وسجيناً لنزواته. فيشعر آنذاك أنه منزوع القوة والإرادة، وعاجز عن مساعدة نفسه، والآخرين. تدريبات نفسية في بعض الحالات، يصاب الأشخاص الذين يفقدون السيطرة التامة على ضبط أنفسهم بالكآبة، كما قد تقل رغبتهم في الحياة، ومنهم من يفلس ومنهم من تقوده زلاته إلى السجن، ومنهم من يصل به اليأس إلى حد التفكير في الانتحار. لكن الأمر يتغير إن خضع الشخص لدورات تدريبية سنوية في الصوم، فهذا الأخير لا يعود بالنفع فقط على البدن وصحته، بل إن منافعه النفسية لا حصر لها ولا حد. وإذا كان الجسد يحيى بالأكل والشرب والشهوات، فإن الروح ترتوي وتحيى بالصوم عما يحيي الجسد، وتظمأ أكثر كلما أسرف الجسد في إشباع رغباته. ونظراً لأن سبب كل عادة سيئة هو العجز عن السيطرة على النفس، فإنه من الأهمية بمكان أن يعمل كل شخص على تدريب نفسه على تقوية إرادته وعزيمته من أجل تجنب الوقوع في الأخطاء المدمرة التي تؤذيه وتؤذي غيره. ولحسن الحظ، فإن المسلمين لديهم فرصة سنوية ذهبية للخضوع لتدريب ضبط النفس من خلال شهر رمضان. فكل مسلم يتلقى بشكل تلقائي عند صومه تدريبات نفسية مكثفة تقوي لديه القدرة على التغلب على الكثير من الإغراءات المباحة، وعلى رأسها الأكل والشرب والجماع، بل وحتى الغضب. هذا ناهيك عن كون الصائم يراقب لسانه يومياً، ويحرص على تطييبه من خلال عدم التفوه بما يؤذي مسامع الآخرين، وترويض الأذن عبر إلزامها بعدم الاستماع إلا للكلام الطيب الإيجابي الذي يزيد النفس سمواً وتسامياً، والعين من خلال إجبارها على عدم النظر إلى كل ما من شأنه استثارة غرائز النفس، والإقدام على عدم ارتياد أي مكان يلهي ويشغل عن ذكر الله مقابل تعويدها على إكثار الخطى للمساجد وأماكن تغذية الروح، وهكذا تدخل أعضاء الجسم بأكملها في دورة تدريبية مكثفة تستغرق شهراً كاملاً، وتكون للصائم بمثابة المعسكر التدريبي الذي يخرج منه شخصاً آخر يملك العدة اللازمة لمواصلة خوض غمار الحياة بعزيمة أقوى وإرادة أصلب. تقدير الذات بالإضافة إلى تعزيز صفة قوة الإرادة والقدرة على ضبط النفس، ينشئ الصوم في نفس الصائم شعوراً عميقاً بالامتنان المشوب بالصبر والحلم. فحرمان النفس إرادياً من شيء ما يقود في النهاية إلى تقدير النفس. وبعد يوم صيام طويل، تبلغ حاستا الذوق والشم لدينا ذروتها، فتغدو كل رشفة ماء كشلال يروي نهراً بعد طول جفاف، وتصبح كل لقمة تصل الجوف كمن يُنزل مائدةً من السماء على تائه في صحراء قفراء أو جزيرة جدباء دبت فيه الحياة مجدداً بعد أن كاد يهلكه الجوع والعطش. ولعل الصيام يتقاطع جزئياً مع بعض مبادئ علاج “جيستالت” النفسي الذي يركز على المسؤولية الشخصية للفرد، وعلى تجربته الذاتية في الوقت الحاضر، وعلاقته بالسياق الاجتماعي والبيئي الذي يعيش فيه، وجميع أنواع التعديلات والتكييفات التي يقوم بها استجابةً لظرف ما. وفي عالم تطغى فيه قيم الثواب الفوري والمكافأة العاجلة، فإنه من المهم جداً تعلم كيفية تأجيل ملذات الحياة العادية والمألوفة. فالتحلي بالصبر وتعويد النفس على مواجهة أي إغراء منبوذ، وتأجيل أي شهوة مشروعة هو عنصر أساسي للوصول إلى درجة عالية من النضوج النفسي. فالصائمون يتدربون على الصبر وعدم استعجال الحصول على مئات الأشياء والرغبات والأمنيات في الحياة، وهذا يجعل الشخص أطول نفَساً وأكثر جلَداً. ويقول العالمان النفسانيان فيرمان وفارجيو إن الصوم طريقة مثالية لمساعدة كل شخص نفسه على المضي قدماً نحو تحقيق الذات وتوليد طاقات وعي ذاتية خارقة. وفي هذا الصدد، فإن الصيام لفترة طويلة متواصلة تجعل مكامن الأداء الاستثنائي البشري تتفتق، وقدراته الهائلة تبزغ وتظهر، وحالات وعيه تتغير. وهذا يفسر كيف أننا قادرون على الأداء والإنجاز طوال شهر رمضان على الرغم من كوننا محرومين من النوم والطعام والشراب. ويصف فيرمان وفارجيو حالة الانتشاء الروحية التي نمر بها خلال الصوم بالتطهير الذي يشفي النفس العليلة ويروي الروح الظامئة. فالصوم في نظرهما هو فعل يتيح تفريغ الجسم بدناً وروحاً من الأشياء غير الطاهرة الكامنة في دواخلنا، وتقريبنا أكثر من عوالم السمو والرقي الروحانية، والدنو إلى ملكوت السماوات. ومن جهته، يقول العالم النفساني لين سبيرينج، إن الصوم فرصة استثنائية للتخلص من قيود العالم الأرضي، والارتباط بكل ما هو سام، ورد الاعتبار للروح التي يطولها النسيان والإهمال بقية أشهر السنة. ويقول الباحث غاندي فريديريكس إن الصيام له قدرة سحرية لا تضاهى على تغيير الفرد والمجتمع، بل والعالم أجمع.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©