الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حثبور الرميثي: «البرجيل» جهاز تكييف يعمل دون كهرباء في البيوت القديمة

حثبور الرميثي: «البرجيل» جهاز تكييف يعمل دون كهرباء في البيوت القديمة
12 أغسطس 2012
يرصد الوالد حثبور محمد كداس الرميثي ذكرياته الرمضانية، وكيف كان حال رمضان قديماً، مقارنة بحاله الآن في كل ما يخص المجتمع بمكوناته كافة، خاصة مع أهل البحر الذين يشكلون نسيجاً مهماً في بنيان الحياة المحلية، وكانوا يقضون معظم أيامهم في البحر، بحثاً عن الرزق، وكيف كان « البرجيل» بمثابة جهاز تكييف يعمل دون كهرباء في البيوت القديمة. وتأتي أهمية حديث الوالد الرميثي من أنه يعد ذاكرة تراثية متحركة بفعل خبرته الطويلة مع عالم البحر وعاداته وتقاليده المستمدة من عمره الذي تجاوز الخمس وسبعين سنة، قضاها تقريباً متنقلاً بين جزر الإمارات المختلفة، سعياً وراء الرزق، ومستكشفاً لأسرار البحر وأعماقه، وعبر استرجاعه لذكرياته البعيدة ورؤيته المباشرة لمراحل تكوين دولة الإمارات منذ ما قبل الاتحاد إلى يومنا هذا. أحمد السعداوي (أبوظبي)- يقول الرميثي، رمضان في الزمن القديم، في حقبة ما قبل النفط، كان الناس فيه يعيشون بمشقة وتعب، غير أن البساطة واليسر كانا غالبين على العلاقات بين الناس، وهو ما كان يعطي الحياة طعماً جميلاً، حيث كانوا يتبادلون أطباقاً من الخير الموجود في البيت، سواء كان ذلك سمكاً مقلياً، أو دجاجاً لمن كان يربيه في بيته من أهل البر، أو بعض أنواع الحلوى الشعبية الإماراتية. حيوية ونشاط ويوضح الرميثي أن أهلنا قديماً كانوا يتسمون بالحيوية والنشاط في شهر رمضان قياساً إلى هذه الأجيال، حيث كان يقضي النواخذة وأهل البحر نهار رمضان في العمل والصيد، وكان كل محمل يضم خمسة أو ستة نواخذة، ومعهم مأكلهم ومشربهم، وإذا ما جاء وقت الإفطار تناولوا طعامهم داخل المحمل، أما بالنسبة للأهل الموجودين على البر في الجزر المختلفة، فكانوا يعيشون متقاربين في بيوت من الشعر، أو بيوت الجريد المصنوعة من سعف النخيل، وعند موعد الإفطار يحضر كل منهم «صحن طعام ودلة شاي» ويتبادلون الإفطار سوياً. ويلفت الرميثي إلى أن كل أدوات الصيد المستخدمة حينها كان يصنعها أهل البحر بأنفسهم، وكانت ظروفهم الاقتصادية تدفعهم إلى العمل المستمر حتى في ظل الجو الحار، والذي قد يترافق في كثير من الأوقات مع شهر رمضان، ولكن السعي وراء روبيات معدودة تعينهم على الحياة، كان يدفعهم دوماً إلى العمل المستمر، ولو كان ذلك في نهار رمضان، وتحت حرارة شمس قاسية. أما في أوقات القيظ الشديد، فكان يتم ترحيل الأسر والأهل بعيداً عن مدينة أبوظبي إلى مدينة العين، حيث المناخ المعتدل، خاصة وأن أبوظبي في ذلك الزمن وقبل النهضة التي أرساها المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد، ونرى ملامحها الآن، كانت معروفة بمياهها المالحة وقلة الماء العذبة، ولذا كانت تسمى«المليحة». أوقات الفراغ وبالحديث عن أوقات الفراغ ووسائل التسلية والترفيه في ذلك الزمن بالنسبة لأهل البحر، يوضح الرميثي قلة وسائل الترفيه آنذاك، فكان أهل البحر حين يعودون إلى الجزر، ويريدون أن يستمتعوا بأوقات فراغهم، لم يكن أمامهم من وسيلة ترفيه سوى الصيد، ولكن لم يكن ذلك بغرض تجميع السمك من أجل التجارة، أو التخزين، بل كان فقط لمجرد ممارسة الهواية وقضاء أوقات ممتعة مع الأصدقاء، وحتى لو كان ممارسة هذه الهوايات في أثناء الصيام، فلم يكن هناك شعور بالتعب، وإنما كان ذلك كله يتم في إطار متن الحب واللهو المفيد. وفي أيام التواجد في البر، عندما كان يريد أحد أن يستريح وينام ويبتعد عن البيت وضجيج الأطفال الصغار، كان يأخذ غطاءه، ويستلقى تحت أي شجرة ببساطة، وهدوء وشعور كبير بالأمن ربما أكثر من الذي يشعر به أبناء المدن حالياً. ومن كان عنده حلال (ماشية أو إبل) كان يصحو في الصباح المبكر، ويبدأ في متابعة حلاله من الساعة السابعة صباحاً تقريباً، وحتى أذان الظهر، يذهب بعدها ليأخذ قيلولة في البيت، أو المسجد ثم يأخذ في تلاوة القرآن والتعبد حتى يحين موعد أذان المغرب، ثم تناول الإفطار. وحول رمضان وأيام الطفولة يقول الرميثي، إن محاولاته المبكرة للصيام كانت قبل أن يصل سن العاشرة، وكان الأهل يشجعونه على الصيام من خلال ذكر الجنة ومحاسنها كجزاء لمن يتم صيامه، والتخويف من النار وآذاها لمن لا يصوم، وكان يحاول الصوم قدر طاقته، وحين يشعر بالإنهاك، أو التعب كان الأهل يعطونه شربة ماء بسيطة حتى يحين موعد أذان المغرب، فيتناول طعامه مع الكبار، فيشعر مثلهم بأجواء رمضان. وبدأ الرميثي فعلياً في صوم رضان بشكل منتظم كان قد بلغ العاشرة، وكان يعاني صعوبات بسبب الحر الشديد أحياناً، ولكنه كان يتماسك ويواصل صومه حتى موعد الإفطار، حينها يخاطبه الأهل “ الآن إن شاء الله ستدخل الجنة، ولم يحدث لك شيء من قليل من العطش الذي شعرت به”، فكان يشعر بالفرحة والفخر إنه أتم صومه، حسبما قال. وعن الألعاب التي كان يمارسها مع أصدقائه في مرحلة الطفولة يذكر الرميثي لعبة قبة مسطاع، والتي كانت تلعب بخشبة نمسكها باليد وكرة صغيرة تستخدم الخشبة في ضربها بها، وكذلك لعبة التيل، التي كان يتشارك في لعبها أطفال الفريج حين يجتمعون معاً بعد تناول طعام الأفطار، وفي نهار رمضان كان الصغار يذهبون إلى المطوع لمدة ساعة أو ساعتين لتحفيظ القرآن، أو تعلم بعض الأحاديث النبوية الشريفة. البرجيل والحر وحول شدة الحرارة في الزمن القديم، وكيف كان يتم التعامل معها خلال الشهر الكريم، يعدد الرميثي فوائد البرجيل، الذي كان بمثابة جهاز مكيف بدائي انتشر في البيوت القديمة قبل دخول الكهرباء وظهور أجهزة التكييف، ويوضح أن البرجيل يتم بناؤه بشكل مروبع “أي مربع” بواسطة أربعة قوائم من الخشب القوي في أربع جهات ملفوف عليها قطعة كبيرة من القماش من ناحية الأعلى، ولا يتم توزيع الخشب بشكل عشوائي، ولكن وفقاً لاتجاهات أربعة يتم تحديديها بناء على التوجه ناحية الغرب، وتسمى هذه الاتجاهات، كوس (اتجاه شرقي)، سهيلي (اتجاه جنوبي)، شمالي (اتجاه اليسار)، غربي (اتجاه الغرب)، ويأتي الهواء من خلال هذه الجهات الأربع، ثم يسقط إلى الأسفل فيبعث البرودة في المنزل بشكل يخفف بشكل كبير من حرارة الطقس، وبالتالي يستطيع أهل الدار التغلب على مشقة الصوم في حر رمضان. ولكن إذا كات موسم المطر يقوم الأهل بإزاحة قماش البرجيل خارج المنزل حتى لا يسبب تلويث لأثاث المنزل ومتاعه، كون المطر يقوم بعملية غسيل لقماش البرجيل وما يكون قد علق به من أتربة على مدار شهور طويلة، ولا يتم إعادة قماش البرجيل مكانه إلا بعد أن يجف تماماً. وعن كيفية استطلاع شهر رمضان، ومن ثم بدء الصوم في ذلك الزمن، يقول الرميثي،إن من كان يرى الهلال في أي مكان آنذاك كان يقوم بإطلاق نار في الهواء حتى يعرف سكان المناطق البعيدة، برؤية الهلال، ويحدث ذلك غالباً من أكثر من فرد، ومن يرى الهلال يقوم بإرسال أحد شباب المنزل بإبلاغ المناطق القريبة بظهور الهلال ليبدأوا في الصيام، لأنه ربما لم يلحظ البعض إطلاق النار وبالتالي لم يكن لديهم علم بموعد بدء شهر رمضان الفضيل. وحول دخوله عالم الصيد والبحر وإتقانه لكل فنونه، يورد الرميثي أنه تعلم البحر بالوراثة منذ أن كان في العاشرة من عمره، فالوالد والأخوال والأعمام والأشقاء يعملون جميعاً في الصيد، وأحياناً يعطي البحر خيراً كثيراً، وأحياناً يكون موسم الصيد مجهداً، ولا يأتي بمقدار ما يتوقعه الصيادون، ويلفت أنه من الأوقات المفضلة للصيد، هو وقت اكتمال القمر، وما يتذكره أنه في أحد الليالي القمرية استطاع هو وشقيقه صيد 18 سمكة من الحجم المتوسط، فكان هذا سابقة جميلة وثقت علاقته بالبحر، ومقدار الخير الكثير الذي مكن أن يفيء به على أهله. اتجاه الهواء وحول العلاقات الاجتماعية قديماً والتزاور بني الناس، يؤكد الرميثي أن اتجاه الهواء كان له أثر كبير على علاقات أهل البحر ببعضهم بعضاً، حيث كان اتجاه الهواء يحدد الوجهة التي نزورها من بين الجزر العديدة التي يسكنها أهل البحر حول أبوظبي، لأن المحامل وقتها كانت شراعية ويحكمها الهواء ولم تكن ظهرت المراكب الحديثة بعد، وعندما يعرف أحدهم أنك ستزوره، كان يبتهج بهذه الزيارة ويخرج إلى الشاطئ لاستقبالنا وعمل واجبات الضيافة اللازمة والتي كانت تدور في فلك التمر واللبن والسمك بأنواعه المختلفة، وكذلك كانت العلاقة جميلة بين أهل البر، وكانت القلوب صافية، والزيارت مستمرة وفي كل وقت على مدار العام. ويقول الرميثي: أما الآن، فأصبحت العلاقات بين الناس ضعيفة، وإذا زرت منزل أحدهم يتحجج بكثير من الأعذار، وربما لم يشرب حتى الشاي أو القهوة، بحجة أنه مشغول، ولديه أعمال يجب أن يقوم بها، ويرجع الرميثي ذلك إلى اتساع مظاهر المدنية والحياة العصرية، ودخول كثير من الجنسيات التي تركت أثرها على المجتمع الإماراتي حتى لو كان ذلك بشكل غير مباشر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©