الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اليوم العالمي لمحو الأمية.. اطلبوا العلم ولو بعد الستين

اليوم العالمي لمحو الأمية.. اطلبوا العلم ولو بعد الستين
8 سبتمبر 2014 11:15
لا يزال كثير من الدول في مشارق الأرض ومغاربها يسعى إلى محو الأمية، على اعتبار أن التعليم حق مشروع للكبير والصغير. واعتادت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو» الاحتفال باليوم العالمي لمحو الأمية، الذي يصادف الثامن من سبتمبر كل عام، وهو ما يجدد الأمل في أن يسود المجتمع اكتساب القدرة على التعاطي مع المعرفة. لكن تظل الآمال بعيدة إذ لم تصل نسب محو الأمية إلى المستوى المطلوب خاصة في العالم العربي على الرغم من أن العديد من دول العالم تسارع الزمن من أجل محو الأمية التكنولوجية، ومن ثم التحليق في العوالم الرقيمية التي أصبحت أهم ثيمات هذه الزمن. اعتمدت منظمة اليونيسكو هذا اليوم الذي يحمل شعار محو الأمية والسلام، لكون المعرفة تسهم في بناء السلام، ويجعل الناس أكثر تقارباً في ظل المعرفة الإنسانية المترامية الأطراف. وفي الإمارات تتعدد نماذج محو الأمية خاصة في أوساط كبار السن، والذين كونوا حياة عائلية وشغلتهم الدنيا، وبعضهم تجاوز الستين من العمر ، لكن الإصرار كان دافعهم في الالتحاق بالمؤسسات المعنية بمحو الأمية، فضلاً عن أن بعض الجهات في الدولة كان لها دور بناء في الإسهام في عملية محو أمية الكثير من المنتسبين إليها، وهو ما يعطي الأمل في أن محو الأمية يساعد في عملية التنمية والبناء. ركب الحضارة حول الشجون التي تتعلق بمحو الأمية، وأهمية الاحتفال السنوي بهذه المناسبة في أن يتنبه العالم إلى ضرورة أن تكون المعرفة الإنسانية حق أصيل للشعوب، التي تسعى إلى اللحاق بالركب الحضاري، يقول الدكتور سليمان الجاسم، أحد الذين لديهم باع طويل في مجال التعليم في الإمارات «العالم أصبح قرية صغيرة بفضل التطور التكنولوجي الهائل في عالم الاتصالات ما أسهم في انتشار الثقافات وتبادلها بصورة أكبر، خصوصاً وأن أهم ما يميز هذا العصر تلك الطفرة التكنولوجيا المذهلة، والتي منحت العالم فرصة أكبر نحو الاستزادة المعرفية، لكن رغم الإرث الحضاري العريق ومدى مساهمة الحضارة العربية في حمل مشاعل النور إلى الدنيا في حقب زمنية سابقة، إلا أن إحصاءات محو الأمية في العالم تشير إلى أن العالم العربي لا يزال في ذيل قائمة الدول التي استطاعت أن تمحو أمية فيها»، مضيفا «على الرغم من أن الاتجاه السائد في بعض الدول المتقدمة هو الاحتفال بمحو أمية التكنولوجيا الرقمي والقدرة على التواصل عبر عالم الإنترنت، إلا أن دخول المستقبل عبر محو الأمية في قطاع كبير في العام العربي مرهون بتحديات كبرى، وجهد كبير من أجل العودة إلى الصورة المعروفة عن العربي، الذي حمل شعلة التنوير في عصور سابقة». ويذكر الجاسم أن الإمارات بفضل جهود قيادتها الرشيدة في الاهتمام بالعلم قطعت شوطاً كبيراً في عملية إعادة تأهيل الكثير من أبناء الوطن معرفياً، في ضوء النقلة العلمية والحضارية التي تعيشها حالياً دولة الإمارات، ما أسهم في انتشار مراكز تعليم الكبار، ومن ثم العمل الجاد للعديد من الجمعيات، التي أشركت الأسر في منظومة محو الأمية حتى سعت هذه الأسر التي أصبحت مسؤولة عن نسيج عائلي على طريق العلم واكتساب المعرفة، مشيرا إلى أن الجهود تتوالى من أجل خفض نسبة الأمية في المجتمع الإماراتي بما يشير إلى أن القادم سيحمل الكثير من الخير، خصوصاً أن معيار تقدم الأمم وتفوقها هو العلم الذي لا يقتصر على الصغير وحده، لكنه حق أصيل لكل من يرغب في أن يطفئ جذوة الجهل، ويستنير بالعلم ويتعرف على محيطة بصورة أشمل وأكثر واقعية. تطوير الذات انطلاقاً من مقولة الوالد القائد المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه إن «بناء الإنسان في المرحلة المقبلة ضرورة وطنية وقومية»؛ تؤكد مدير عام جمعية النهضة النسائية في دبي الدكتورة فاطمة الفلاسي أن عملية محو أمية الكبار والصغار تحتاج إلى جهد كبير خصوصاً أن الرغبة في تطوير الذات، ومحاولة التواصل مع الآخرين من خلال المعرفة من أهم الدوافع التي تسهل عملية التعلم بشكل أسرع. وتلفت إلى أن جمعية النهضة النسائية تستقبل بصفة دائمة الراغبين في محو أميتهم، وتساعدهم وفق برامج معدة بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم بما يحقق في نهاية الأمر جملة كبيرة من الأهداف المرجوة، مشيرة إلى أن رؤية جمعية النهضة النسائية تتمثل في العمل على وجود أسر متلاحمة في إطار الحداثة والأصالة بحيث يكون الماضي الزاهر امتدادا للحاضر المشرق. وتؤكد الفلاسي أن جمعية النهضة النسائية التي أسهمت في الحد من الأمية عبر نشر المعرفة تعتمد على فريق متخصص يتكئ على مرتكزات ترسيخ الهوية الوطنية، ومن ثم الحفاظ على النسيج المجتمعي المتوازن في ضوء تقديم برامج واستشارات متطورة تخدم مختلف شرائح الأسرة في مجالات عدة تتوافق مع متطلبات التنمية المستدامة، ما يبلور جملة من الأهداف تتمثل في نشر ثقافة التوعية المجتمعية والوطنية بما يواكب المستجدات في عالم يتخذ من العلم وسيلة للنهوض والتمازج الحضاري، وكذلك تطوير المهارات الحياتية لأفراد الأسرة، بالإضافة إلى دعم المواهب المبكرة والحرص على الاهتمام بالإبداعات الشابة التي تسهم في التنمية الوطنية وكذلك تعزيز ثقافة وممارسات العمل التطوعي للمجتمع مع تمكين الكفاءات البشرية. وحول تحديات تعليم الكبار، تقول الفلاسي إن تعليم الذين فاتهم قطار العلم يحتاج إلى دأب ومثابرة، ومن ثم تحفيز حتى تظل رسالة محو الأمية حاملة في طياتها المبادئ الأساسية للمعرفة الإنسانية في عالم ينحو نحو الوسائل الرقمية، ويستمد حيويته من التواصل عبر تبادل الثقافات في إطار المعرفة الشاملة، وهو ما يجعل جمعية النهضة النسائية مركزاً لمحو أمية المنتسبين إليه بصورة فاعلة تمنح الأمل، وتبشر بأن الطريق إلى العلم لا يمكن أن يتوقف حتى وإن توقف المرء في عتمة الجهل وفقاً لظرف ما. نموذج حي من النماذج الحية في محو الأمية رغم تكوين أسرة ووجود أبناء آمنة عبدالله المهيري، التي تبلغ من العمر 60 عاماً. وتورد أنها بعد أن وصلت إلى سن عشرين عاماً وجدت نفسها في حاجة ملحة إلى أن تمحو أميتها وتضع نفسها على طريق العلم، وعلى الرغم من أن الطريق لم تكن معبدة تماماً، إلا أنها تخطت كل الصعاب وحملت أدواتها المدرسية وتوجهت للمدرسة المسائية، التي كانت على بعد خطوات من بيتها في جزيرة السعديات وتشير إلى أنها في ذلك الوقت كان أماً لطفلتين. لكن زوجها لم يمانع في أن تشق طريقها نحو النور حيث لا تزال تحتفظ بذكريات حميمة مع المدرسة التي شكلت معالمها العلمية الأولى، والمدرسات اللواتي درسنها اللغة العربية ومبادئ الحساب والجغرافيا والتاريخ وغيرها من المواد الأخرى. وتوضح المهيري أنها لا تزال تتذكر الفناء المدرسي واتفاق جميع الطالبات الكبيرات في السن آنذاك على أن يستمر اليوم الدراسي كاملاً من دون راحة، وهو ما كان يؤكد رغبتهن في العلم، ومن ثم محو أميتهن من أجل الانطلاق إلى أفاق العلم. وتشير إلى أنها كانت تذهب إلى البيت بعد انتهاء اليوم الدراسي، وتقوم بواجباتها المنزلية على أكمل وجه، ثم تلتفت إلى فروضها المدرسية وتعمل على إنجازها بمحبة فياضة، ولم تكن تتصور أنها في هذه المرحلة العمرية ستكتسب هذا الكم الهائل من المعارف العلمية في سنوات قليلة حتى حصلت على العديد من الشهادات التي رفعت من قدرها في محيط أسرتها، ومن ثم أمام نفسها. وعن اللحظة التي عرفت فيها المهيري أن لديها القدرة على قراءة الصحف والمجلات، توضح أنها كانت من أجمل لحظات حياتها على الإطلاق وهو ما دعاها إلى الانتظام في شراء مجلة إماراتية مشهورة بصفة دورية حتى ترى العالم من خلالها. وترى أنها حين اكتسبت قدراً من المعارف الإنسانية في ضوء العلم اهتمت بمتابعة دروس أبنائها في مراحلة العلمية الأولى، وهو ما ساعدها أيضاً في أن تظل معلوماتها متجددة وحاضرة. مبادرات مجتمعية تنظر الكاتبة الإماراتية فاطمة المزروعي إلى محو أمية أفراد المجتمع على أنها مسؤولية اجتماعية بالدرجة الأولى. وتلفت إلى أنه من المهم أن تشجع الأسر الأفراد المنتمين إليها والذين أهملوا مرحلة التعليم في المراحل المبكرة، مؤكدة أن هناك نماذج متعددة في المجتمع الإماراتي سعت إلى أن محو الأمية بصورة فيها الكثير من التحفيز. وترى أن مثل هذه المبادرات يكون وقعها أكبر على المجتمع ويمثل إفادة حقيقية. نقطة فارقة تنبّه سالم الكتبي، الذي يبلغ من العمر 35 عاماً، مؤخراً إلى ضرورة أن يمحو أميته، إذ إنه عندما زار مدرسة أحد أبنائه وأطلعته المدرسة على التقرير السنوي له لم يستطع أن يقرأ شيئاً منه، وهو ما جعله يلتحق بأحد المراكز المتخصصة في تعليم الكبار. ويشير إلى أنه منذ خمس سنوات وهو يدرس، وشعر خلالها بأن حياته تغيرت تماماً، وأنه كان يفتقر إلى كل شيء. ويؤكد أنه سيواصل مشواره بالعلم حتى نهاية العمر. ذكريات العمر الجميل أصرت سلامة الرميثي (49 سنة) على أن تستعيد ذكريات العمر الجميل، وأن تلتقي مع رفيقات الدراسة منذ عشرين عاماً، واللواتي قررن آنذاك أن يتجهن إلى مدارس محو الأمية، حيث جلست معهن في أحد البيوت، وأمسكن بكتاب المطالعة من أجل القراءة والاستذكار في لمحة تعبر عن اعتزازهن بما حققنه من مستوى تعلمي أصبح من أهم ما يميز مسيرتهن في الحياة. لحظة حاسمة تعود شيخة سعيد بالذاكرة إلى نحو أربعين عاماً للوراء حيث اللحظة الحاسمة، التي قررت فيها أن تغير نمط حياتها إلى محو أميتها، رغم أن زوجها لم يكن يشجعها على العلم إذ كان يرى أن واجباتها المنزلية تجاه أسرتها هي الأهم. وتذكر شيخة أنها أصرت على أن ترافق سيدات الحي إلى حيث مهاد العلم وانبثاق نور الفجر في أعماق روحها، وبالفعل استطاعت عبر سنوات طويلة أن تكتسب العلوم والمعارف ما ترك في نفسها في هذه السن ذكريات حميمية لم تستطع أن تمحوها الأيام والسنين؛ إذ تبلغ من العمر 57 عاماً. وتلفت إلى أنه من ثمرات محو أميتها الكبرى هو أنها أتمت حفظ القرآن الكريم كاملاً في جمعية المرأة الظبانية في أبوظبي. وتشير إلى أنها كانت سعدت جداً بتجربتها القديمة في محو أميتها خصوصاً وأن بعض النساء العمانيات كن يدرسن معها في تلك المرحلة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©