الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

6 خطاطين يكشفون أسرار الإبداع على جدران جامع الشيخ زايد

6 خطاطين يكشفون أسرار الإبداع على جدران جامع الشيخ زايد
7 سبتمبر 2014 20:44
ثمة خيارات عديدة متاحة أمام زوار مركز جامع الشيخ زايد الكبير، الذي يمثل صرحاً إسلامياً بارزاً ونموذجاً للإبداع المعماري والهندسي، تجعله من أهم الوجهات الحضارية ذات الطابع الديني في العالم، فهناك من يعشق التفاصيل وآخر تجذبه الألوان وثالث تأسره الفخامة ورابع تفتنه جماليات العمارة الإسلامية، وأكثر الأشياء التي تلفت انتباههم هي النقوش والزخارف والأقواس وجماليات الخطوط العربية المنثورة بدقة بين أركانه. يبدى زوار من مختلف الجنسيات انبهارهم بأنواع الخطوط المستخدمة في كتابة آيات القرآن الكريم، داخل الجامع وخارجه، عن طريق نخبة من أشهر الخطاطين العرب والمسلمين، وهي خط الثلث الجلي المركب، وخط النسخ والخط الكوفي الفاطمي. في هذا الإطار، يتحدث الخطاطون الستة، الذين كتبوا النصوص القرآنية في مختلف أركان مركز جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي، عن تجربتهم مع هذا الصرح الديني والثقافي والحضاري وانطباعاتهم عن هذه التجربة، ورأيهم في دور الخط العربي بأنواعه المختلفة في تزيين وتحسين شكل العمارة الإسلامية وجمالياتها عبر العصور. أعراف الكتابة يقول الخطاط والباحث محمد عبد ربه علان، الذي أشرف على كتابة الخطوط وتدقيقها في جامع الشيخ زايد الكبير «استقرت أعراف الكتابة على قباب المساجد والعمائر والأسبلة، وبوابات الصروح والمباني ذات السيادة على انتقاء أنماط معينة من الخطوط العربية العديدة، وعلى الرغم من أن كل نمط خطي له جمالياته وتجلياته، إلا أن اختيار خبراء العمارة والخطاطين عبر القرون وقع على ثلاثة من هذه الأنماط وهي «الثلث الجلي» و«الكوفي» بأنواعه و«النسخ». ولمعرفة مسوغات استخدام الخطوط الثلاثة المذكورة، يوضح علان «لا بد من تبيان مواصفات ومزايا كل منها فخط «الثلث الجلي» له هيبته وقوة مائه وشموخ حروفه وقابليته للتركيب والتداخل، واعتدال إحداثياته وقدرته على التوازن في ملء فراغاته في المساحات المتاحة في حساب دقيق بين كتلة الحروف والمسافات البينية، وهو في تقييم مبدعي فن الخط العربي يعتبر سلطان الخطوط العربية كافةً». ويتابع «يتميز «الخط الكوفي» باستقرار حروفه وثباتها نتيجة لتعامد إحداثياته، وتفرده بزخرفة تتماهى مع تشكيلات وبنية حروفه، بالإضافة إلى استرجاع الذاكرة الفنية لكتابات القرن الأول الهجري، فيما ارتبط «خط النسخ» بصحائف القرآن الكريم منذ أن أدخله الشيخ حمد الله الأماسي (1429-1520) للمرة الأولى في كتابة المصاحف، بعد أن كانت تكتب بالخط الريحاني، واعتادت بصائر الناس بأجيالها المتعاقبة على قراءة القرآن بخط النسخ، ويتميز هذا النمط من الخط بوضوح حروفه ومقاطعه، وقابليته للشكل والإعجام مما يجعل قراءته ميسرة، خالية من التصحيف البصري». واعتمد القائمون على مشروع جامع الشيخ زايد الكبير، إدخال هذه الأنماط الثلاثة من الخطوط المذكورة، من باب التنويع، واستخدام جماليات كل نمط في مواقع متعددة من الجامع، لنيل الحظ الأوفر من المتعة البصرية واستكمال انسجام الحروف مع التشكيل المعماري الرائع. في هذا السياق، يقول علان «استغرقت عملية اختيار النصوص وتسلسلها وانسجامها مع البنى الهندسية وكتابتها ومراجعتها وتدقيقها من قبل علماء هيئة الأوقاف والشؤون الإسلامية وقتاً طويلاً، بالإضافة إلى ما استتبع ذلك من موضعة النصوص في أماكنها المحددة والإشراف على سلامتها اللغوية». مكانة علياوبقدر هيبة المكان وجلاله وقدسيته وبهائه ومكانة بانيه طيب الله ثراه، كان الجهد الموصول في الفكرة والتصميم والتنفيذ لبلوغ هذه الصورة التي تكتحل بها عيون القادمين إلى العاصمة أبوظبي. ويروي شيخ الخطاطين، الخطاط التركي حسن جلبي تجربته مع جامع الشيخ زايد الكبير قائلاً «في مهنتي، التي استغرقت فيها أكثر من نصف قرن، كانت الكتابة الخطية على قباب المساجد وواجهاتها، تحتل المكانة الأعلى في نفسي، عشقاً لهذا الفن الكريم وخدمة لبيوت الله جل وعلا، ولدى تكليفي بكتابة آيات القرآن الكريم على قباب وأركان جامع الشيخ زايد الكبير انتابني شعور غمرني بالفرح والشوق للإسهام في هذا العمل الفني الجليل، الذي اقترن باسم علم من أعلام التاريخ، وبه أضفت إلى سجل أعمالي العديدة عملاً مميزاً في بقعة عزيزة على نفسي هي مدينة أبوظبي مضيفا أسهمت بكتابة آيات الله البينات بخط الثلث ذي الهيبة والقوة ليكون عملاً موازياً لجهود العاملين، وموازياً لفن العمارة الإسلامية». ويضيف «أتمنى أن يكون هذا الصرح العتيد منارة علم تنير بضيائها دروب المسلمين في دولة الإمارات العربية المتحدة وسائر بلاد المسلمين». من جهته، يؤكد الخطاط الإماراتي محمد مندي أنه ومنذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، حين أمر المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، ببناء الجامع الكبير، ونفسه تهفو إلى الإسهام في كتابة الآيات القرآنية على قبابه وواجهاته التي كانت آنذاك في رحم الغيب. ويقول «وطنت نفسي ووجداني لهذه المهمة الجليلة، وعندما كلفت بها، تأوبني همٌ مرده عظم المسؤولية لأنني أمام كتابة آيات بينات تستلزم حسن الأداء، وسلامة اللغة، وموافقة الرسم العثماني، بالإضافة إلى هبية المكان، ومكانة بانيه، ولدى انشغالي بذاك العمل الجليل، انصرفت ذهنياً ووجدانياً في عمل موصول ودؤوب، حتى انتهيت من مهمتي الجمالية فيه»، لافتا إلى أن الإسهام في العمل الفني في هذا الجامع، جذبه دائماً إلى زيارته ليقف طويلاً أمام ضريح بانيه مستذكراً نهجه وقيمه ومبادئه العظيمة. تحفة معمارية عن مشاركته، يقول محمد فاروق الحداد «سرتني الدعوة لكتابة خطوط الثلث الجلي في جامع الشيخ زايد الكبير، وكم هي فرحتي كبيرة حين أترك أثراً فنياً في مكان كريم أثير مثل هذا المكان، وخاصة أنه يحمل اسم مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة وباعث نهضتها». ويضيف «خط الثلث الجلي الذي أعددته جاء على بنية مركبة، وقد احتاج إلى دراسة وتجربة حتى استقرت فيه النسب الجمالية، وتحقق فيه التوازن في كل قسماته، وضبطت تراكيبه، وتوافرت انسيابية القراءة فيه، وما كان لهذا العمل أن يتم إلا بروح التعاون والتنسيق وحسن التنظيم من قبل كل القائمين على هذا المشروع الكبير، حتى خرج تحفة معمارية متميزة تهفو النفوس والقلوب لزيارتها». أما الخطاط عدنان نور شريفي؛ فيقول إن «كتابة آيات الله الكريمة على قباب المساجد وواجهاتها حلم يراود مخيلة كل خطاط، أما وقد وفقني الله تعالى بالإسهام في كتابات جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي، فإن ذلك يشكل إضافة إلى مجمل أعمالي الفنية، بل هو أكثر ما أعتز به وأفتخر، والخطاطة في المساجد لها تصاميمها وتقنياتها، بحكم أهمية المكان وأحجام الحروف ما يستلزم الإعداد الجيد وسلامة اللغة في النصوص، ومراعاة الوصل والفصل وغيرها من أعراف الكتابة القرآنية». وعن إسهامه في مركز جامع الشيخ زايد، يقول محمد النوري إنه «من أهم المشروعات التي شارك فيها وأعتز بمساهمته في إنجازها جامع الشيخ زايد الكبير في مدينة أبوظبي، فهو مشروع متكامل في كل شيء، فعلى مستوى العمران هو صرح كبير وبناء معماري فريد، بالإضافة إلى تصميمه الداخلي المميز ورحابة صحونه وباحاته، واختزانه لعدد كبير من الأعمال الفنية الخطية والزخرفية»، لافتاً إلى أن الجامع يذكره في مهابته وشموخه بالمساجد التاريخية. ويوضح «تجربتي مع الجامع لها في نفسي وقع خاص، فعندما كلفت بالعمل في كتابة النصوص القرآنية الكريمة، عزمت على أن يكون عملي على قدر يفي بقيمة الإنجاز المعماري، لأن كل زاوية وواجهة وقبة تحتضن زخماً من الدراسة والتصميم وروعة الإنجاز، وفي الأنماط الخطية المستخدمة اختيرت الأنماط التي اعتمدت عبر التاريخ الإسلامي لتزين وتعظم من شأن العمارة الإسلامية». (أبوظبي - الاتحاد) الخط الكوفي ..الأشهر في الحضارة الإسلامية ما إن استقرت الدولة الإسلامية، وثبتت أركانها، حتى تمحور هم النساخ والكتاب في صدر الإسلام وما تلاه في تجويد الكتابة وشكل النصوص وإعجام الحروف، وانصرف اهتمامهم إلى كتابة سور القرآن الكريم ليسهل تداوله بين الناس، ثم أعقب ذلك توثيق الأحاديث النبوية الشريفة بما أحاطها من عمليات الجرح والتعديل والتوثيق. ولدى اتساع رقعة الدولة الإسلامية، تأثرت العمارة الإسلامية بما جاورها من حضارات وثقافات، غير أن الفنانين المسلمين نأوا بأنفسهم عن التصاوير والتماثيل، بحكم التحريم الشرعي، فانصب جهدهم على الحرف، فشكلوا منه تراكيب فنية موزونة، كان ميدانها الأساسي المساجد بقبابها وواجهاتها وجدران صحونها، وماء السبيل، والمراكز الثقافية والصروح وشواهد القبور. إن أكثر الأنماط الخطية التي استخدمها الخطاطون في إبداعاتهم، كان الخط الكوفي في مراحل العهود التي سادت في العالم الإسلامي كالعهد السلجوقي والفاطمي والأيوبي والمملوكي والمغولي والأندلسي والمغربي. غير أن العهد العثماني تميز بخطي الثلث والثلث الجلي اللذين أبدع الخطاطون العثمانيون فيهما، فزينوا مساجدهم في الامبراطورية العثمانية المترامية الأطراف بهذين الخطين، وقد ظهر ذلك واضحاً في تركيا نفسها وفي البلدان العربية التي كانت ضمن إمبراطوريتهم. وفي القرون الخمسة الأخيرة اتسمت الكتابة الموزونة بتوازن الحروف ودقة حوافها، وبراعة التنفيذ على الحجر والرخام والجبس، وأصبحت هذه المساجد والمرافق والصروح ومياه السبيل وشواهد القبور مراجع للخطاطين، يتزودون منها قواعد الخط العربي وتقنيات تنفيذه، ويشهد على ذلك ما في المدن العريقة مثل إسطنبول والقاهرة ودمشق وبغداد ومكة المكرمة والمدينة المنورة. إن ما احتوته هذه المساجد وغيرها من أعمال فنية خطية جاءت منسجمة مع البنيان المعماري الإسلامي المتفرد، وتوثيقاً للنصوص المكتوبة، ومتعةً بصرية للمشاهد، ومحركاً قوياً لعملية الخطاطة العربية، ودروساً تعليمية، كما هي تميز فني ذو أصول وجذور امتدت عبر العصور.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©