الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

أميركا تعوّل على القطب الشمالي لتأمين احتياجاتها من النفط

أميركا تعوّل على القطب الشمالي لتأمين احتياجاتها من النفط
11 أغسطس 2012
في أواخر عام 2010 جلس رؤساء اللجنة الذين عينهم الرئيس الأميركي باراك أوباما للتحقيق في حادثة تسريب نفط ديبووتر هورايزون في خليج المكسيك في المكتب البيضاوي ليقدموا له نتائج تحقيقاتهم. وبعد أن استمع إلى تقاريرهم عن حادثة بئر بي بي وعن سلامة عمليات الحفر في المياه العميقة، غيّر الرئيس الموضوع فجأة وسألهم: “متى تعتزمون الاتفاق على العمل قبالة سواحل القطب الشمالي؟”. اندهش ويليم رايلي الرئيس السابق لوكالة حماية البيئة ورئيس اللجنة المساعد، وكذلك كارول براونر التي كانت آنذاك كبير مستشاري الرئيس لشؤون الطاقة والتغير المناخي، فعلى الرغم من أن عرض رويال داتش شل للحفر في القطب الشمالي كان مثار خلاف، فإنه لم يكن ضمن أعمال اللجنة. وقال الرئيس: “إن هذا المشروع لا يدخل ضمن أعمال المياه العميقة أليس كذلك؟”، وقال إن عرض شل يتضمن آباراً منخفضة الضغط على عمق 150 قدماً أو 45 متراً مختلفة تماماً عن البئر عالية الضغط بعمق 5 آلاف قدم التي انفجرت في خليج المكسيك. وروى رايلي بعد ذلك: “نبهني ذلك إلى أن الرئيس كان قد درس بعمق تلك المسألة ومستعداً للمضي قدماً في تقديم التسهيلات اللازمة”. باستثناء نجاح جماعات البيئة في الطعن في آخر لحظة، تعتزم شل البدء في حفر آبار استكشافية قبالة ساحل شمالي الاسكا قريباً، لتفتح جبهة جديدة للتنقيب عن النفط في الولايات المتحدة وتعجل إقبالاً عالمياً على استغلال موارد مجهولة أسفل المحيط المتجمد، إنها لحظة تعد بالكثير، وإن كانت تنطوي على مخاطر كبرى. يعتبر خبراء الصناعة ومسؤولو تأمين الطاقة بالولايات المتحدة، القطب الشمالي المجاور لألاسكا آخر أمل نفطي كبير يمكن بمرور الوقت أن يقلص من اعتماد الدولة على النفط الأجنبي، غير أن العديد من سكان ألاسكا والجماعات المحافظة على البيئة يقولون إن عمليات الحفر تهدد حياة البرية والنباتات البحرية والشواطئ البكر، وتؤيد اعتماد الدولة على أنواع الوقود الأحفوري الملوثة. مصالح الأعمال والبيئة ضمن مباركة خوض شل في القطب الشمالي، يواصل أوباما جهوده إلى الموازنة بين مصالح الأعمال ومصالح البيئة على ما يبدو لكل مشروع على حدة. طمأن أوباما المدافعين عن البيئة بإرجائه “كيستون اكس إل” خط الأنابيب القادم من كندا وإقراره معايير جودة هواء صارمة لمحطات الكهرباء، وإن كان قد خفف من مخاوف الشركات حين رفض إقرار معايير الأوزون التي تكلف الاقتصاد الكثير. الآن يسطر أوباما فصلاً جديداً في تحول طاقة الولايات المتحدة ولكن في هذه المرة لمصلحة منتجي الوقود الأحفوري. وقال مايكل برون مدير تنفيذي جماعة سيارا كلوب البيئية: “لم نكن لنتوقع رئيساً ديمقراطياً على الإطلاق، ناهيك عن رئيس يسعى إلى التحول ويفتح منطقة القطب الشمالي لعمليات الحفر”. يذكر أن جهود شل القطبية استغرقت سبع سنوات و4 مليارات دولار على مدى إدارتين رئاسيتين. وهناك شركات نفط أخرى تتأهب بالفعل للانضمام إلى شل في القطب الشمالي التي يقول تنفيذيوها إن في مقدوره أن يدر مليون برميل نفط يومياً أو أكثر من 10% من إنتاج الولايات المتحدة الجاري، ولا يزال المشروع يثير القلق والتوتر والجدل لدى السكان المقيمين قريباً من عمليات الحفر المقترحة. وعلى الرغم من اعتماد أولئك السكان على إنتاج النفط لتوفير فرص العمل والحصول على عائدات ضريبية إلا أنهم يعتمدون على البحار في كثير من غذائهم وثقافتهم. خيرات البحار وقال طومي أوليمان رئيس قرية بارو التي تعد منظمة اسكيمو قبائلية: “أتخوف بسبب أننا نعيش على خيرات البحار مثل الحوت ذي الرأس السهمي والفقمة ذات اللحية وحيوانات بحرية أخرى، إن البحر هو حديقتنا”. إن عالم الطبيعة يأسر نحو 5 آلاف نسمة من سكان الاسكيمو في ميول ألاسكا الشمالية التي يفرض فيها الحوت ذو الرأس السهمي المهاجر إيقاع الحياة، إذ تتوقف جميع أنشطة الحياة الأخرى حين يجهز الصيادون مراكبهم المصنوعة من جلد الفقمة برماحهم الصاروخية، ثم يتم تقطيع لحم الحوت على الشاطئ ويقتسمه أفراد القبائل في ظل حكايات أسطورية عن أن الحيتان تستغني عن حريتها لإطعام الناس. غير أن أهل الأسكيمو أضحوا أيضاً يعتمدون على صناعة النفط. قبل بدء عمليات الحفر البرية في ستينيات القرن الماضي، كان العديد من مجتمعات الميول الشمالية تفتقر إلى المياه الجارية وتستخدم فوانيس الكيروسين في الإنارة، وكان المقيمون يقطعون الثلج في البحيرات القريبة وينقلونه بواسطة زلاجات الكلاب لحفظ أغذيتهم، ولم يكن هناك مدارس ثانوية أو نقاط إطفاء حرائق. ومنذ بناء خط أنابيب ترانسالاسكا في أواخر سبعينيات القرن الماضي، أنتج الميل الشمالي نحو خُمس نفط الولايات المتحدة، كما أن ضرائب هذه الصناعة تمول ميزانية حكومة الميل الشمالي السنوية البالغة 350 مليون دولار، وطوال الخمسين عاماً الفائتة، كان معظم ازدهار ألاسكا مدفوعاً بإنتاج النفط وأسعار الخام، ولا يدفع المقيمون ضريبة دخل، بل يتلقون في الواقع دعماً يبلغ نحو 5000 دولار للأسرة المؤلفة من 4 أفراد، من صندوق ألاسكا المستديم الممول معظمه من عائدات النفط. غير أن كارثة تسرب نفط اكسون فالديز عام 1989 غيرت المواقف، خصوصاً أهل القرى الأصليين، حيث كانوا يخشون من أن تعمل عمليات الحفر على إرباك هجرة الحيتان ما يبعدها عن غذائها ويدفع صياديها إلى البحر المفتوح مواجهين أخطاراً كبرى. خليج المكسيك كذلك، فإن كارثة ديبووتر هورايزون في خليج المكسيك في 20 أبريل 2010 التي تعد أسوأ تسرب بحري في تاريخ الولايات المتحدة، أغلقت خطط عمليات حفر شل ذلك العام، ولكنها لم تؤثر على حملة ترويجها لمشاريعها في منطقة القطب الشمالي، ففي العديد من اجتماعات البيت الأبيض حتى في أوج أزمة خليج المكسيك، كان تنفيذيو شل يمارسون ضغوطاً لاستصدار الموافقات. وبعد التمكن من إيقاف تدفق النفط من البئر في شهر يوليو 2010، ركز أوباما على التاريخ الذي سيتم فيه استئناف عمليات الحفر البحري وعلى ما إن كان يتعين توسعها، وكانت الإدارة الأميركية قبل شهر واحد من كارثة “بي بي” قد اقترحت فتح مناطق جديدة لعمليات حفر قبالة السواحل الشرقية وسواحل خليج المكسيك وكذلك في ألاسكا. انتكست خطط شل مرة أخرى في أواخر ديسمبر 2010، حين ألغت لجنة وكالة الحماية البيئية تصريح تلوث الهواء لإحدى حفاراتها، وأوقف قرار الوكالة بالفعل خطط الشركة لسنة أخرى، ولكن ظل الرئيس أوباما مُصراً على موقفه. ففي شهر مايو 2011، أقر أوباما تأجير امتيازات استكشافات نفطية برية في الاحتياطي البترولي القومي في ألاسكا ومد إيجارات الامتيازات البحرية لشركات النفط في المنطقة القطبية. وفي شهر يوليو من ذلك العام، قام بتشكيل قوة مهمة متعددة الوكالات، يرأسها نائب وزير الداخلية، ولكن تحت إشراف هيثر زيكال المستشار البيئي لحملة أوباما 2008 من أجل حث الوكالات الحكومية على إعداد التقارير اللازمة لمشاريع القطب الشمالي، خصوصاً خطط عمليات حفر شل. ومع ذلك يشكو بعض مسؤولي الحكومة من أنه ما زالت هناك فجوات كبرى في خطط مواجهة التسرب النفطي والكثير من المجاهيل عن آثار الحفر على الحيوانات البحرية. ومن ثمّ ضاعفت شل، بناء على ضغط المشرعين، من خطط منع التسرب والمواجهة وبنت جهاز احتواء سيطر بنجاح على بئر بي بي، وأضافت سفناً ومعدات إلى أسطولها استعداداً لاحتواء أي تسريبات نفط، ووافقت الشركة على مضض على تقليل موسم الحفر في بحر تشوكشي بمقدار 38 يوماً، ليبلغ أقل من ثلاثة أشهر ضماناً لخلو المنطقة من الثليج في حال حدوث انفجار. كما دعمت الحكومة الأميركية برامجها البحثية لمنطقة القطب الشمالي سعياً إلى تفهم أفضل لآثار النشاط الصناعي المتزايد في البحر الشمالي، ويبدو أن تلك الإجراءات وغيرها، أرضت مسؤولي الوكالات المانحة للتصاريح الذين كانوا متأرجحين بين واجباتهم التنظيمية ورغبة أوباما الواضحة في الحفر. ثم جاءت تصاريح شل على عجل، حيث وافقت وزارة الداخلية على عمليات التنقيب في شهر ديسمبر الماضي، وتم إقرار خطط المواجهة في شهري فبراير ومارس من هذا العام، وأفرجت لجنة التماسات وكالة حماية البيئة عن تصاريح الهواء النهائية في أواخر شهر مارس. وتنتظر شل تصاريح حفر نهائية من وزارة الداخلية، كما أن لها سفينتين في سياتل تجري عليهما التعديلات والفحوصات النهائية. نقلاً عن: «انترناشيونال هيرالد تريبيون» ترجمة: عماد الدين زكي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©