الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الخاتم العربي

الخاتم العربي
17 نوفمبر 2010 19:38
هناك ظاهرة إيجابية تلوح في الأفق الشعري، نتيجة لموجة أمير الشعراء الطاغية، تتمثل في عودة الشباب لعمود الشعر العربي، بعد أن استغرق كثير منهم في التجريب النثري للشعر، وكادت صلتهم تنبت بالموروث المكتنز. لكنهم بدلا من استئناف مسيرة التطور بالاشتباك بقصيدة التفعيلة التي تأسست بقوة خلال العقود الماضية واستوعبت حركية الإبداع وإيقاع العصر عادوا للجذر العمودي الراسخ يحاولون مرة أخرى تطويعه، فكأنهم يعيدون ابتكار المنجز وتكرار المجرب من قبل. لكننا نواصل قراءة بعض النماذج اللافتة في مسابقة هذا العام، فنعرض قصيدة شاعر مصري متمكن اسمه عبد الله الشوربجي يقول فيها: لا تفزعي/ فالخاتم العربي ضاق بإصبعي فقطعته/ أصبحت متهما بخلق مواجعي والتين والزيتون/ والبلد الحزين/ حبيبتي سأموت بعد قصيدة/ فتعلمي موتي معي موتي كموتك/ كاغتيال العشق في هذا الزمن أبكي على جسد الخريطة/ في مناديل الوطن إني استقلت من العروبة/ سامحيني، مرغما قتل الحسين بكلمة/ وبدونها قتل الحسن. فصوت القصيدة يخاطب حبيبته، فيصدمها منذ المطلع بعنف متخيله ويدعوها كي لا تفزع، يبوح لها بوجعه العربي الذي يعالجه بقطع إصبعه، ويمضي ليناشدها أن تتعلم معه الموت، فما عاد الزمن صالحا للعشق، ثم يجهش بالبكاء على جسد الخريطة العربية الممزقة إلى مناديل وطنية، ليعاود نغمة نزار قباني في الاستقالة من العروبة، ويعززها بالبعد الفاجع التاريخي في مصرع الحسين بتمرده وقول الحق ومصرع الحسن دون أن ينبس بكلمة. ومن الواضح أن تمزقات العراق، وتشتت الأوطان، وذهاب ريح العرب في تحدياتهم الكبرى هو الفضاء الذي يغمر الشاعر بدمويته وعنفه، ولكنه لا يفضي به إلى اليأس بقدر ما يستثير فيه مكامن القوة وحوافز المقاومة إذ يتابع: عيناك تسأل/ هل أتاك حديث بغداد التتار لا تحزني/ والليل إذ يغشى سيأتيك النهار والشمس تعرف أن تصلي الفجر/ في هذا البلد ولسوف يعطيك الذي سوّاكِ/ كحل الانتصار. وهي قصيدة مطولة تتضمن نيفا وخمسين مقطعا، نشرها الشاعر في ديوانه المعنون “ثاني أكسيد الصمت” مؤخرا، وفيها يحشد محصلة وفيرة من الإيقاعات التراثية، والمحاورات التاريخية، والخبرة الجمالية بتواشج الحياة المعاصرة مع جذورها الكامنة في أعماق الوجدان العربي، لكنه يبعثرها كيفما اتفق، دون بنية درامية متماسكة، تقيم منها تكوينا سرديا أو حواريا يستطيع المتلقي أن يتمثل نسقه العضوي، فبعض المقاطع يغني عن البعض الآخر، مما يجعل الطابع الغنائي هو المهيمن على نظامها، وفي تقديري أن الشاعر الذي يملك مثل هذه الطاقة الفذة يتعين عليه أن يعنى أكثر من ذلك بهندسة نصوصه حتى تلتئم في تكوين محكم التصميم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©