الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عن أجندات الإصلاح السياسي في العالم العربي

عن أجندات الإصلاح السياسي في العالم العربي
17 نوفمبر 2010 19:33
يعتبر الإصلاح مسألة مثيرة للجدل سياسياً في الشرق الأوسط. ففي حين تقر الحكومات بضرورة التغيير، إلا أنها غير مستعدة للتخلي عن السلطة. كما أن مجموعات المعارضة تريد الديمقراطية بيد أنها لا تستطيع توليد الزخم الكافي لتحقيقها. علاوة على ذلك، ألقت، أجندة الحرية، التي تبنتها إدارة الولايات المتحدة الضوء على هذه المسألة، لكنها محت التمييز بين ترقية الديمقراطية وبين فرض تغيير الأنظمة بالقوة. تعرض مارينا أوتاوي في كتابها “ما يتعدى الواجهة/ الإصلاح السياسي في العالم العربي”، كيف تتمتع غالبية بلدان الشرق الأوسط بتاريخ طويل من التغيير السياسي، بما في ذلك أحياناً الإصلاح الديمقراطي. فمصر، وإلى درجة أقل صورية، عرفت فترات واعدة من الإنفتاح الديمقراطي قبل الحرب العالمية الثانية. كما أن معظم حركات الاستقلال في المنطقة ضمّنت أجنداتها مطالب ديمقراطية. وعلى الرغم من أن الخمسينيات والستينيات شهدت انتصار القومية العربية في أغلبية البلدان خارج الخليج، ما أفضى إلى فرض أنظمة الحزب الواحد في كثير منها، إلا أن العقود التالية شهدت عودة بطيئة إلى أنظمة سياسية أكثر تعددية في معظم البلدان. تقول ايضاً خلال التسعينيات، بقيت الأنظمة السياسية العربية راكدة، ولم تتأثر، على ما يبدو، بموجة التغيير التي اكتسحت معظم العالم بعد سقوط الأنظمة الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية. والمفارقة هنا أن العديد من الدول العربية التي استثنت نفسها من مرحلة الإصلاح الأولى بعيد الحرب العالمية الأولى، بدأت بالانفتاح على إمكانية التغيير السياسي في أواخر التسعينات حين كانت الأبواب تغلق في أمكنة أخرى، وتشير الى أن هذا الشعور أثار نقاشاً مستفيضاً حول أسباب هذه الحيوية السياسية الجديدة، ولا سيما الأهمية النسبية للعوامل المحلية والضغط الخارجي، إلا أنه لا يمكن إنكار حدوث التغيير. مواقف المثقفين وتعرض أيضاً كيف يتحدّث المثقفون العرب عن الحاجة إلى التغيير بشكل علني أكثر من ذي قبل، على الرغم من أنه ليس واضحاً ما إذا كانت المناقشات النشطة تصل الى الرأي العام الأوسع والجمهور الأعرض أكثر من السابق. لقد أصبح النقاش حول الإصلاح والديمقراطية بضاعة رائجة في الصحافة العربية، وأخذت البيانات الديمقراطية تصدر تباعاً عن اجتماعات منظمات المجتمع المدني، ومجموعات رجال الأعمال، وحتى الحكومات، ما أسس لمجموعة جديدة ومتباينة من البيانات، على غرار إعلان صنعاء، وإعلان الإسكندرية، وإعلان بيروت، وهي غيض من فيض عن فيض البيانات العامة عن الديمقراطية الجديدة. بيد أن الخطوات الفعلية التي اتخذتها الحكومات العربية لإصلاح أنظمتها السياسية لم تقترب ولا حتى من بعيد من هذه الخطب اللغوية. فالعديد من موقّعي الإعلانات البليغة الصادرة عن المجتمع المدني ليسوا منظمات بل أفرادا يعملون لدى الحكومات التي يفترض أنهم يريدون أن يصلحوها. كما يحرص المثقفون المنخرطون في النقاش حول الديمقراطية في الصحافة على الا يتجاوزوا الخطوط الحمراء التي قد يؤدي تجاوزها إلى إثارة حنق الأنظمة السلطوية غير المتسامحة عليهم. بكلمات أخرى، يبقى أن التغيير لن يسير في خط مستقيم. ففي بعض البلدان، ولا سيما في مصر، بدأت تطفو على السطح توجهات ارتدادية نحو نهج أكثر سلطوية. هذه التوجهات المتباينة تجعل من الصعب على المحللين إصدار أحكام حول درجة التغيير الحقيقي في المنطقة: هل تشهد البلدان الشرق أوسطية حقاً بداية عملية حقيقية من التحوّل التي قد تؤدي إلى ظهور أنظمة ديمقراطية في منطقة عرفت حتى الآن بأنظمتها السلطوية وشبه السلطوية؟ أم أن كل هذا الكلام مجرّد ستار من دخان يخفي الركود السياسي؟ هل الخطوات المتواضعة التي اتخذتها بعض الحكومات هي مجرّد إصلاحات تجميلية في الواقع تعطي انطباعاً بالتغيير، لكن من دون تعديل لتوزيع السلطة غير المتوازن الذي تدين الأنظمة العربية له بطول عمرها؟ الشكل والجوهر بيد أنه يمكن التوصل إلى تقييم أكثر توازناً وأقل تأثراً بالسياسة لأهمية إجراءات الإصلاح التي تنفذها أنظمة الشرق الأوسط عبر التطرق إلى قضيتين: الأولى، ما هو الاختلاف بين الإصلاح الهام وبين الإصلاح الشكلي عموماً؟ والثانية، كيف يمكن التحقق عملياً من أن خطوات معينة تقوم بها إحدى الحكومات أو القوى المعارضة. هي مكوّنات هامة لعملية تحقيق الديمقراطية لا مجرّد إجراءات شكلية؟ تختلف البلدان العشرة التي يحللها هذا الكتاب تماماً عن بعضها البعض. ولذا، كان محتماً أن تختلف أنواع الإصلاحات المقدمة من حكوماتها، وطبيعة الممثلين السياسيين المعنيين، والعملية التي تحدد مدى التغيير الجاري ونوعه. ومع ذلك، تقدّم الحالات العشر معاً، نظرة عامة واسعة، لكنها غير شاملة، لتنوع وتعقيد القضايا المشمولة في عملية الإصلاح السياسي. المغرب والكويت يعتبران النموذجين المشجعين أكثر من غيرهما بين نماذج الإصلاح التي تم التطرق اليها في هذا الكتاب، إذ تتوافر فيهما عملية تعددية وتنافسية لانتخاب البرلمان، وإعلام حيوي، ونقاشات عامة، وحماية معقولة للحقوق والحريات الفردية، وفقاً لما تصوره دراسات مارينا اوتاوي وميريديث رايلي عن المغرب وبول سالم عن الكويت. ومع ذلك، في كلا البلدين تبقى صلاحية السلطة التنفيذية أكبر بشكل غير متكافئ من تلك التي لهيئات الحكم الأخرى. أما اليمن، فهو إحدى الدول الأقل تطوراً في الشرق الأوسط، الأمر الذي يجعل كثيراً من المحللين يتوقعون أن يكون مقاوماً للغاية للإصلاح السياسي، فإنه يقدّم مشهداً سياسياً نشطاً للغاية، بوجود معارضة راغبة في الدخول في تحالفات عابرة للإديولوجيات بين الأطراف الإسلامية والعلمانية، وحكومة اتخذت قراراً واعياً بألا تسحق بعض المجموعات المعارضة أو تصفّيها حتى حين كانت في وضع يمكّنها من ذلك. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال الرئيس والحزب الحاكم في اليمن يحتفظان بالمقدرة على التحكم بالنظام وتفادي أي تحد حقيقي لسلطتهما. تمثّل مصر حالة مقلقة أكثر بكثير. فالخطوات الواعدة نحو انفتاح سياسي أكبر ونظام سياسي أكثر حيوية، سرعان ما انتكست. وهكذا تقدّم مصر تذكرة صارخة عن عمليات إصلاح قابلة للنكوص. أما السعودية، فتبيّن لماذا يجب تقييم الإصلاح السياسي على قاعدة كل حالة على حدة، مع الأخذ في الحسبان نقطة البداية والسياق العام. من السهل اعتبار السعودية بلداً لا يحدث فيه اصلاح سياسي. فالسلطة لا تزال خاضعة إلى سيطرة حازمة. فالمنظمات السياسية وحتى المدنية المستقلة لا تزال غير موجودة، وفضاء النشاطات السياسية لا يزال محدوداً للغاية. مع ذلك لا يجوز اعتبار السعودية مثالاً على الركود الكامل: فلأن المجتمع خاضع إلى سيطرة مباشرة، كما هي الحال الآن بالفعل، تصبح حتى التغييرات الصغرى هامة. وثمة مفارقة هنا، وهي أن الأردن وسوريا، أكثر ركوداً سياسياً من نواح عدة، على الرغم من أنهما منفتحان أكثر اجتماعياً. فهما لا تتحركان نحو انفتاح وإصلاح أكبر ولا تحكمان إغلاق الفضاء السياسي. إنهما تبدوان، غير محددتي الإتجاه سياسياً. والركود في الحالتين لا تفسّره العوامل المحلية وحسب، بل السياق الإقليمي أيضاً. حالات معقدة أما الجزائر، ولبنان، وفلسطين، حالات ثلاث في غاية التعقيد ولذلك غالباً ما يساء عرضها. يمكن بالتأكيد تحليل الجزائر على غرار بلدان أخرى كثيرة، لجهة العلاقة بين الحكومة وأحزاب المعارضة، والدور المتغيّر للمؤسسات، وديناميكيات المشاركة السياسية. لكن هيو روبرتس يبيّن أن القصة الحقيقية في الجزائر هي صراع بين النخب العسكرية والمدنية أدى إلى منح سلطة أكبر إلى النخب المدنية لكن ليس إلى توسيع المشاركة السياسية. وتبيّن خوليا شقير أن ثمة عمليتين متوازيتين تتجليان في لبنان أيضاً، إحداهما معركة من أجل الإصلاح السياسي حيث تسود قضايا مثل إصلاح القانون الإنتخابي وإعادة الهيكلة الاقتصادية، والثانية استمرار للنزاع القديم بين الطوائف المختلفة. ويبدو أن وزن مختلف القضايا في تقلّب مستمر، حيث إن النزاع بين الطوائف وحلفائها في الخارج كانت له اليد العليا في العام 2007. وبالمثل، تقوّضت في فلسطين اندفاعة ناجحة نسبياً من أجل تأسيس مؤسسات سياسية فاعلة تسيطر على الأراضي وتؤسس في خاتمة المطاف دولة فلسطينية، حين اندلع القتال بين حماس وفتح اللتين تحظى كل منهما بدعم حلفاء في الخارج. الإصلاحات كانت ناجحة بشكل لافت، كما يبيّن ناثان براون، لكن في خاتمة المطاف لم تحقق العملية شيئاً إذ دمرها القتال بين حماس وفتح. الكتاب: ما يتعدى الواجهة تحرير: مارينا أوتاوي، خوليا شقير الناشر: دار النهار ـ مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©