الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مشروع «قلم».. معادلة الحرية بلا ابتذال

مشروع «قلم».. معادلة الحرية بلا ابتذال
17 نوفمبر 2010 19:31
انطلق مشروع “قلم/ كتابات من الإمارات” منذ نحو عامين، وذلك بمبادرة من هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، بهدف دعم وتشجيع الإبداع المحلي الإماراتي، واكتشاف المواهب الجديدة والترويج لها، إضافة إلى إعادة نشر الكتابات الإبداعية الإماراتية التي بات معظمها غير متوافر للقراء. ويعدّ هذا المشروع جزءاً من استراتيجية النشر في قسم النشر في المكتبة الوطنية التابعة للهيئة، والتي تضم أيضاً مشروع كلمة للترجمة، والموسوعة الشعرية والكتاب الصوتي، إضافة بالطبع إلى منشورات المكتبة الوطنية التي تعنى بالكتب الأكاديمية والعلمية والتراثية والأدبية. يقوم مشروع قلم في المقام الأول على اكتشاف الأصوات الشبابية الجديدة في مجالات الكتابة الإبداعية المختلفة: الرواية، القصة، الشعر، المسرح، إضافة إلى النصوص. وقد تمكن هذا المشروع خلال عامين على تأسيسه من تشكيل قاعدة ونقطة انطلاق وجذب للكثير من الكتاب الإماراتيين الشباب، حيث نشر حتى الآن ما يقارب الأربعين عنواناً في مختلف المجالات. يحرص مشروع قلم على ألا يكون مجرد منصة للنشر على غرار دور النشر التقليدية. فكمشروع لا يبتغي الربح كان الحرص منذ البداية على تبنّي أفضل وأحدث الممارسات النشرية، بما في ذلك عمليات ما قبل النشر، من اختيار للعناوين وتحرير لمضمونها، في عملية تفاعلية، يقوم خلالها كتاب مختصون بالتفاعل مع الكتاب الشباب ومناقشتهم بهدف تطوير عملهم، إدراكاً من القائمين على المشروع أن الهدف الأول هو تنمية هذه المواهب وتطويرها، لا الاكتفاء بما يعرض على المشروع من أعمال. هذه المنصة التفاعلية الحرة تندرج ضمن استراتيجية هيئة أبوظبي للثقافة والتراث في الإسهام بفعالية في أن تصبح العاصمة أبوظبي مركزاً للثقافة والإبداع في المنطقة والعالم، ومن هنا تأتي ضرورة تفعيل وتنشيط المواهب الإماراتية، خصوصاً تلك التي لم تكن تجد لها حيزاً للنشر والانتشار قبل ذلك، أو التي نشرت أعمالهم إنما لم تنل حظها من الرواج. هناك لجنة مكونة من عدد من المختصين، من نقاد وكتاب، تقوم أولاً بمراجعة الأعمال المقدّمة لها، ثم تختار عبر أكثرية أصوات هذه اللجنة الأعمال التي تعتبرها حائزة الحدّ المعقول من المستوى الفني، بعد ذلك يصار إلى مراجعة هذه الأعمال وتحريرها، قبل أن تبدأ العمليات الفنية الأخرى التي تنتج في النهاية كتاباً يعبّر شكلاً ومضموناً عن طموح مشروع قلم في إنتاج كتاب إماراتي على أعلى مستويات الجودة والتميّز. الاستقطاب في بداية انطلاق مشروع قلم كان لدينا كقيمين على هذه المبادرة بعض القلق حول إمكانية استقطابه بالفعل للأعمال الشابة، لكن ما أن أعلن عن المشروع حتى بدأت الأعمال تتدفق عليه، مما يدلّ على أن “قلم” جاء ليسد حاجة فعلية، إذ لا يتعلق الأمر فقط بإيجاد دار نشر، وهو ما دأب الكتاب الإماراتيون على فعله منذ سنوات، متجهين إلى مختلف العواصم العربية، وناشرين أعمالهم هناك، وفي كثير من الأحيان لقاء أجر أو إسهام في تكلفة النشر يسدّدونها لدار النشر، بل إن الأمر يتعلق في المقام الأول بإيجاد مشروع جامع يشعر الكتاب المنضوين في إطاره أنهم ممثلون خير تمثيل، وأن النشر في بلدهم لم يقلّل من فرص حضورهم وانتشارهم. وربما يبدو تفصيلاً غير مهم في هذا المجال، إننا في قلم ندفع للكاتب لقاء حقوق النشر أجراً مجزياً إلى حدّ كبير، وذلك انسجاماً مع فكرة دعم الكاتب التي تتجاوز مجرد نشره، إلى مساعدته ولو جزئياً من الناحية المادية حتى يتمكّن من الاستمرار في عمله من دون الحاجة إلى القلق حول العوائق المادية. نقطة أخرى أساسية يعبّر عنها هذا الاتجاه هي التنوّع، ذلك أننا ندرك منذ البداية أن دولة الإمارات التي لطالما كانت منخرطة في التيارات والاتجاهات الثقافية، لا تضمّ اتجاهاً إبداعياً واحداً، بل تضمّ مختلف المدارس الأدبية التي نجدها في عواصم العالم شتى، وإذا قسمنا هذه المدارس إلى اتجاهين كبيرين، هما الكلاسيكي والحداثي، مع علمنا أن كلاً من الاتجاهين يتضمن اتجاهات عدة، فقد كان الحرص على ألا يكون هناك تعصّب أو حزبية أدبية في الأعمال التي يجري اختيارها؛ فكان هناك ـ ولا سيما في الأعمال الشعرية ـ قصائد كلاسيكية عامودية، وأخرى حرة، وثالثة تنحو منحى قصيدة النثر، كما نجد في الأعمال السردية أعمالاً تجريبية تقف جنباً إلى جنب السرد التقليدي الكلاسيكي. نحن في قلم ليست مهمتنا أن نشجّع اتجاهاً ضدّ اتجاه، إنما ـ وكمشروع وطني في الدرجة الأولى ـ همنا الأساس أن نكون حاضناً للجميع. هنا لابدّ من القول إنه قد واجهتنا بعض العقبات أو ربما التحديات أو ربما الأسئلة: هل علينا القبول بأيّ نص يقدّم لنا، ودعمه ونشره، بصرف النظر عن محتوى هذا النص؟ من حيث المبدأ كانت الإجابة بنعم. فإذا كنا نريد تشجيع الكاتب الإماراتي الشاب علينا أولاً أن نشعره بالطمأنينة والراحة وبأنه ليس هناك من حدود لتجربته. ولكن هذا لا يعني أن نقبل كل شيء ولو كان في بعض الأحيان مسيئاً لجماعة أو دين أو بلد...إلخ. هنا لا يتعلق الأمر بالرقابة الذاتية أو غير الذاتية ـ علماً أننا جميعاً نعرف أن الرقابة غير الذاتية هي في الحدّ الأدنى عندنا، إدراكاً لأهمية الحرية والتعبير الحرّ من قبل القيمين على الاستراتيجية الثقافية لإمارة أبوظبي ـ المسألة إذن ليست مسألة رقابة بقدر ما هي مسألة أصول نشرية، وهذا ما يغيب عن بال الكثيرين في هذا المجال. لقد أتيح لنا من خلال التعامل مع الكثير من الجهات النشرية في الخارج، وخاصة في أوروبا، أن نطلع على بعض آليات العمل النشري وأصوله، وتبيّن لنا التجربة الغربية بوضوح أهمية العمل التحريري في أيّ كتاب، حتى أن هذا العمل التحريري يأتي أولاً من حيث الأهمية، لأنه هو المسؤول في النهاية عن خروج أي كتاب على النحو الذي يخرج به. من هنا أولينا الجانب التحريري اهتماماً كبيراً، ليس فقط بمعنى محاولة تفادي الأخطاء الاعتيادية قدر الإمكان، بل أيضاً القدرة على التعامل مع النص الذي أمامنا بصورة حيوية جديدة، تحترم حرية الكاتب، وفي الوقت نفسه تحترم بعض القواعد والأصول المهنية والقواعد العالمية في هذا المجال. ربما يقول قائل هنا إن الحرية لا حدود لها وإنه يحق للكاتب أن يقول ما يشاء، سواء في قضايا الجنس أو الدين أو غيرها من القضايا التي ربما تكون إشكالية. وهذا صحيح تماماً. ولكن علينا ألا ننسى أيضاً مسؤوليتنا كهيئة رسمية للثقافة، تتوجه إلى جمهور عريض جداً، لا يمكن وصفه بالنخبوي فحسب، وبالتالي فإننا وبقدر ما نخدم الكاتب نسعى إلى خدمة هذا الجمهور وتقديم مادة إبداعية تحترم فكره ولا تتحدى بالضرورة مشاعره. المعادلة لقد برهنت تجربة عامين من قلم أن هذه المعادلة ممكنة: أي ترك سقف الحرية مفتوحاً والحرص في الوقت عينه على تقديم مادة رفيعة بعيدة عن الابتذال وإن لم تخل من جرأة في الطرح أو في اللغة في بعض الأحيان. وقد لمسنا في هذا المجال تفهماً كبيراً من الكتاب الإماراتيين من شتى الأجيال، ممن وجدوا في “قلم” فسحة جدية لهم، ولابدّ من أن نشكر هنا الكتاب المخضرمين أو المكرّسين في الإمارات، ممن لم يمانعوا بأن تقف أسماؤهم جنباً إلى جنب أسماء جديدة شابة، كما أن معظمهم لم يمارس الكثير من النرجسية فيما يخص عملية تحرير أعمالهم. مع ذلك لابدّ من تسجيل ملاحظة صغيرة هنا، وهي الإحساس بنوع من انعدام التضامن أو قلته بين الكتاب الإماراتيين أنفسهم، وهذا لابدّ من أن ينعكس على جمهور القراء ومستقبلي أعمالهم. لقد كان هناك في بعض المناسبات حفلات تواقيع لبعض الأعمال، خاصة خلال معرض أبوظبي الدولي للكتاب، وعلى الرغم من حضور بعض المهتمين من خارج مجال الكتابة مباشرة، فإن حضور الكتاب أنفسهم في دعم بعضهم بعضاً واكتشاف أحدهم الآخر، وحتى الترويج لاحقاً لأعمال بعضهم في الصحف وفي القنوات الثقافية الأخرى، كان أقلّ من المتوقع. وهذا ربما يدفعنا إلى التفكير في بعض الخطوات الإضافية أو الفسحات الأخرى التي من شأنها أن نزيد من التواصل بين الكتاب الإماراتيين، ذلك أنه قبل أن يحب أهل ثقافة ما أنفسهم، لا نستطيع أن نطالب أو نتوقع بأن يحبنا الآخرون. لقد كان هناك حتى الآن ترجمة لنحو عشرة من أعمال قلم القصصية والشعرية إلى اللغة الألمانية، وثمة سعي إلى ترجمة الأعمال إلى اللغات الفرنسية والإنجليزية أيضاً، وخلال مشاركتنا مثلاً في معرض فرانكفورت للكتاب في دورته الأخيرة، فوجئنا بأن ما ترجم من مشروع قلم ينال اهتمام الناشرين الألمان والقراء على السواء. وهذا أمدّنا بالتشجيع لمواصلة مثل هذه المبادرات، لكن مع إدراكنا التام أن الحيز الأول الذي نريد حضور قلم فيه، هو الحيز المحلي الداخلي ثم الحيز العربي، بمعنى أن تكون هذه الأعمال متوافرة وأن تحظى بفرصة الانتشار، وهذا لا يمكن أن يتمّ من دون دعم الأطراف الأخرى، ومن دون مؤازرة أوساط الكتاب أنفسهم. فعملية نشرية من هذا النوع، هي كما ذكرنا من قبل، عملية تفاعلية أولاً وأخيراً. ليس الهدف مراكمة الأرقام، ولا مجرد الإعلان عن المشاريع، بل المطلوب أن تكون الأعمال التي تنشر حافزاً نحو المزيد من الإبداع، والمزيد من التطوير، حتى نرتقي بعملنا الإبداعي، كما بصناعتنا النشرية إلى المستويات العالمية التي نصبو جميعاً إليها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©