الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التيسير ورفع الحرج أهم سمات أحكام الشريعة الإسلامية

21 أغسطس 2011 23:04
أبوظبي (الاتحاد) ـ اختص الله دينه بالسماحة والسهولة واليسر لأنه أراده رسالة الناس كافة والأقطار جميعاً والأزمان قاطبة، ورسالة هذا شأنها من العموم والخلود لابد أن يجعل الله الحكيم في ثناياها من التيسير والتخفيف والرحمة ما يلائم اختلاف الأجيال وحاجات العصور وشتى البقاع. هل من تعريف مبسط للتيسير ورفع الحرج ؟ اليسر هو ما يسع الإنسان ولا يضيق عليه، فالله لا يكلف النفس إلا ما يتسع فيه طوقها، وتيسر عليها دون مدى غاية الطاقة والمجهود، فقد كان في طاقة الإنسان أن يصلي أكثر من الخمس ويصوم أكثر من شهر ويحج أكثر من حجة. ورفع الحرج هو إزالة ما يؤدي إلى المشاق، ويتوجه الرفع والإزالة إلى حقوق الله سبحانه وتعالى لأنها مبنية على المسامحة، ويكون ذلك إما بارتفاع الإثم عند الفعل وإما بارتفاع الطلب للفعل، وحينما يرتفع كل ذلك ترتفع حالة الضيق التي يعانيها المكلف حينما يستشعر أنه يقدم على ما يرضي الله، وهذا هو الحرج النفسي والخوف من العقاب الأخروي. ? كيف راعت الشريعة الإسلامية التيسير ورفع الحرج؟ وردت آيات كثيرة تبين أن الدين الإسلامي دين يسر، وأن الله تعالى قد وضع عن عباده الحرج والضيق، وأنه لم يكلفهم إلا وسعهم، منها قوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا) “النساء، 28”، وقوله أيضاً: (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاّ وُسْعَهَا) “البقرة، 286”. وقوله سبحانه وتعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) “البقرة، 185)، قوله سبحانه وتعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) “الحج، 78”. دلت هذه الآيات على أن الله سبحانه راعى في تشريعه للأحكام وسع عباده وطاقاتهم، وأن التكليف مطلوب في حدود استطاعتهم، وأنه وضع عنهم الحرج والضيق تيسيراً عليهم وتخفيفاً، وأن التيسير يعد خاصية بارزة من خصائص الشريعة الإسلامية التي وصفها الله تعالى بالوسطية. وفي السنة توجد أحاديث تبين يسر الدين وسماحته ورفع الحرج عنه منها، فهديه الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كان في الأمر خيار أن يختار الأيسر، فما عرض على الرسول أمران إلا اختار أيسرهما ولم يكن يختار الأكثر مشقة لزيادة الأجر والثواب. وكان النبي صلى الله عليه وسلم كلما لاحظ تشديداً إلا وقومه إلى طريق الاعتدال بالحكمة والموعظة الحسنة، فقد كان صلى الله عليه وسلم يرقب صحبه الكرام فإذا رأى ميلًا منهم إلى التعسير ردهم إلى التيسر وأرشدهم إلى الأخذ بالرفق، وقد وجههم توجيهاً عاماً إلى هذا المنهج عندما قال لهم: يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا، (البخاري)، وحذرهم من التشدد عندما قال: لَا تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَيُشَدَّدَ عَلَيْكُمْ، (أبو داود).وهكذا كان صلى الله عليه وسلم يقوم ميل بعض النفوس إلى مجاوزة جادة الطريق ويقيمها على الاعتدال لتحقيق اليسر الذي يتصف به هذا الدين. ? إذا كان التيسير مظهراً في أحكام الشريعة الإسلامية، فما علاقة ذلك بالوسطية؟ إن أحكام الشريعة إذا كانت مطلوبة في حدود الوسع والاستطاعة ففي ذلك الدلالة الظاهرة على أن الحرج مرفوع وأن اليسر سمة هذا الدين، والتوسعة على العباد خاصية من خصائصها، وكل ذلك يندرج ضمن منهج الوسطية الذي تميزت به الأمة الإسلامية، فلا نستطيع فهم حقيقة الوسطية إلا في إطار قاعدة التيسير ورفع الحرج، لأن الحديث عن الوسطية بعيداً عن اليسر والسماحة ومراعاة أحوال الناس يبقى حديثاً نظرياً لا يلامس الواقع ولا يؤثر في حياة الناس. فمن نعم الله على هذه الأمة أن وضع عنها الإصر والأغلال التي كانت على الأمم السابقة، ولم يحملها ما حمل من قبلها، قال تعالى: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَْغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) “الأعراف، 170”، لذلك وضع الإسلام قاعدة على غاية من الأهمية “كلما ضاق الأمر اتسع”، فكلما استجدت ظروف طارئة تستدعي حلاً كلما كانت الشريعة سمحة تمكن المسلم من مجال أوسع متفاعلة معه مراعية لظروفه ملية لاحتياجاته في نطاق الضوابط والقواعد العامة. فكل عمل متى كان مؤدياً إلى الخلل في العامل بأن يعذب الإنسان نفسه أو يمنعها عن لوازم الحياة يعتبر شرعاً مشقة وجب درؤه ولا يصلح أن يكون نذراً، لمنافاته منهج الوسط وجنوحه إلى الغلو في الدين. قال ابن حجر: فكل شيء يتأذى به الإنسان ولو مآلا مما لم يرد بمشروعيته كتاب أو سنة ليس في طاعة الله فلا ينعقد له نذر، (فتح الباري). فلم يكن هذا الدين للشقاء والعذاب والآلام إنه رحمة ورسوله صلى الله عليه وسلم رسول الرحمة (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) “الأنبياء، 107”، وهو نعمة كبرى، ولذلك كان يسراً، وحري بالمسلمين أن يفقهوا هذا اليسر ويعيشوه في واقعهم. يقول عليه السلام: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ لَنْ تُطِيقُوا أَوْ لَنْ تَفْعَلُوا كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ سَدِّدُوا وَأَبْشِرُوا (أبو داود)، ولا يظنن ظان أن اليسر يعني الانفلات من ضوابط الشرع والتعدي على حدود الله، فذلك ليس يسراً، بل هو عبث، إن اليسر هو التزام بأحكام هذا الدين كما أرادها رب العالمين، ثم التعامل مع هذه الأحكام والتشريعات وفق منهج اليسر الذي نستبين معالمه من خلال المنهج النبوي الكريم. د. سالم بن نصيرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©