الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأعمال القانونية...وموسم الهجرة إلى الهند

21 يناير 2011 22:35
يفخر "جوراف سود" كثيراً بعمله محامياً في إحدى أكبر الشركات البريطانية وأميزها. ولكنه لا يقيم في أي منطقة قريبة من لندن أو من بريطانيا كلها في حقيقة الأمر. فهو يبعد عن بريطانيا بعدة دول والآف الكيلومترات لكونه يقيم بمدينة "جوران" الهندية القريبة من العاصمة نيودلهي. فهو يعمل هناك لصالح شركة "سي بي إي جلوبال"، التي تعتبر أكبر شركة بريطانية لتهجير العمل والعمالة إلى الهند. وكما نعلم، فلم يكن في وسع أحد أن يتصور قبل عقد واحد مضى أن تهجّر إحدى الشركات البريطانية الكبرى أعمالها القانونية إلى أي دولة خارج بريطانيا مهما كان شأنها. بيد أن شركة "سي. بي. إي. جلوبال" تنجز اليوم أعمالها القانونية في الهند، بتكلفة لا تزيد عن واحد من ثمانية من تكلفة العمل القانوني نفسه، الذي يؤديه محام أو قانوني بريطاني أو أميركي. وبسبب تزايد الضغوط المالية على الشركات القانونية نتيجة لاستمرار تأثيرات الأزمة المالية الاقتصادية الأخيرة، بما تفرضه عليها هذه الضغوط من مطالبة بخفض تكلفة خدماتها وأعمالها، فقد ازداد اتجاه هذه الشركات شرقاً بغية العثور على كفاءات مهنية عالية من "جوراف سود" المقيم في الهند. ولعل هذا ما دفع مجموعة "فاليو نوتس" للاستشارات الهندية للتنبؤ بأن ترتفع عائدات الهند من هجرة الأعمال القانونية إليها من 440 مليون دولار خلال العام الحالي، إلى ما يزيد على 1.6 مليار دولار بحلول عام 2014، ومن حوالي 146 مليون دولار لعائدات الأعمال القانونية المهاجرة إلى الهند في عام 2006. وفي الوقت ذاته ارتفع عدد الشركات الهندية التي توفر خدماتها القانونية للعملاء الأجانب من 50 شركة عام 2005، إلى ما يزيد على 140 شركة اليوم، على حد إحصاءات مجموعة "فاليو نوتس". إلى ذلك ساعدت التطورات والتوسعات الكبيرة التي حدثت داخل الهند في صناعة العمل المهاجر، في تحول الهند إلى وجهة رئيسية لا تقاوم من قبل شركات الخدمات القانونية الأجنبية. وعلى رغم أن معظم العمل الذي تؤديه الهند في هذا المجال، لا يزال يصنف على أنه معالجة منخفضة القيمة للأعمال المهاجرة -وهو مستوى لا يتطلب مهارات خاصة كبيرة، لأنه يرتبط أكثر بالخدمات التي توفرها مراكز الاتصال الهاتفي- فإن القطاع الذي سجل نمواً أكبر وأسرع هو الذي تعمل فيه الشركات التي توفر خدمات عالية المهارة، وتتطلب معرفة متخصصة بمجال العمل والخدمات. وتشمل هذه الخدمات كل شيء تقريباً، من الطب إلى الهندسة، وصولاً إلى الخدمات القانونية التي يتم تهجيرها على نحو متزايد ومتسارع إلى الهند. ولا يزال الكثير من القانونيين الغربيين يتشككون في إمكانية تهجير الخدمات القانونية شرقاً إلى الهند. ويبني هؤلاء شكوكهم على مدى قدرة القانونيين الهنود على الاحتفاظ بسرية مثل هذه الخدمات والتقيد بما تتطلبه من معايير لضبط جودتها. بيد أن الكثير من الشركات الغربية التي دخلت في تجارب عملية مع الشركات الهندية في مجال الأعمال البسيطة التي لا تتطلب تخصصاً كبيراً، خرجت بنتائج مرضية جداً، ما دفعها إلى زيادة تهجير خدماتها إلى تلك الشركات. بل إن بعض الشركات الغربية بدأت تعهد إلى المحامين الهنود بعض أعمالها التي تصنف على أنها متخصصة ومعقدة جداً. صحيح أن الأعمال البسيطة مثل مراجعة الوثائق والملفات القانونية، وإجراء البحوث ومهام التدقيق اللغوي وغيرها، لا تزال تشكل الجزء الأعظم من الأعمال والخدمات التي يتم تهجيرها للشركات الهندية، غير أن هناك من القانونيين والمهنيين الهنود من هم أقدر على القيام بمهام أشد تعقيداً من تلك الخدمات البسيطة بكثير، لا سيما من تلقى تعليمه وتدريبه منهم في كبرى الجامعات البريطانية والأميركية. هذا ما أكدته كارولين هنتر ييتس -شريكة بشركة سيمونز آند سيمونز القانونية البريطانية- بقولها إن من السهل جداً هزيمة شكوك القانونيين الغربيين في نظرائهم الهنود. واستدلت على ذلك بقولها إن الفريق الهندي العامل بشركة "سيمونز آند سيمونز" يعمل على ذات الأجهزة والبرامج التشغيلية القانونية التي يعمل عليها القانونيون البريطانيون. ولكن لا يزال هناك ما يبرر الشكوك التي يثيرها القانونيون الغربيون في تهجير الخدمات القانونية إلى الهند. فها هي المحامية بافيتا راي -وهي قانونية هندية الأصل، تعمل مع شركة ويتمان البريطانية- لا تزال تعجز عن الانضمام إلى تيار هجرة الخدمات القانونية إلى موطنها الأصلي، على الرغم من كثرة الزيارات التي سجلتها إلى بلادها مؤخراً بهدف استكشاف الواقع وبحث إمكانية تهجير خدمات شركتها البريطانية إلى الهند. فبعد هذه الزيارات المتكررة، توصلت "بافيتا راي" إلى أن هجرة الخدمات القانونية إلى الهند، ليست مسألة بتلك السهولة التي يتصورها البعض، على الرغم من تحول هذه الهجرة إلى تيار لا يقاوم الآن. كما أشارت المحامية البريطانية الهندية الأصل، إلى عامل آخر يعزز شكوك وتحفظات القانونيين الغربيين إزاء هجرة الخدمات القانونية إلى الهند. ولخصت هذا العامل بقولها إن طبيعة المهام والخدمات التي تقدمها الشركات الهندية، هي في العادة من تلك الأعمال التي يؤديها المتدربون القانونيون الغربيون، ويعضون عليها بالنواجز، باعتبارها العتبة المهنية الأولى على طريق الصعود في السلك القانوني. وبذلك فإن من الطبيعي أن تزداد المخاوف والشكوك في أوساط القانونيين الغربيين وغيرهم من أن ازدهار قطاع الأعمال المهاجرة إلى الهند، يتم على حساب سرقة وظائف الأميركيين والأوروبيين. وفي ظروف لا تزال المجتمعات الأوروبية والأميركية تعاني منها من تأثيرات الأزمة الاقتصادية المالية الأخيرة، فإن من الطبيعي أن تزداد هذه المخاوف والشكوك. بيد أنه وفيما لو ثبتت قدرة تهجير العمل والخدمات على خفض تكلفة الاستثمارات بدرجة كبيرة، فلن يستطيع الخوف أن يقف حاجزاً أمام تزايد تدفق الأعمال والخدمات المهاجرة إلى داخل الحدود الهندية، سواء كان ذلك التدفق من أميركا أم من أوروبا. مين ريدج كاتب أميركي متخصص في الشؤون الاقتصادية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©