الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«ويكيليكس»: الحق في المعلومة

21 يناير 2011 22:35
لا تزال "فضيحة ويكيليكس" تحوز على الاهتمام الأكبر والحيز الأهم من أحاديث الناس ونشرات الأخبار في عالمنا حالياً. وربما سيمضي وقت طويل قبل أن يبدأ الناس بنسيان هذه الجرعات الوثائقية –إذا جاز التعبير- التي تلقوها مؤخراً حول عدد من الأحداث والشؤون السياسية والاقتصادية التي تم تسريبها من خلال نشر وثائق سرية عائدة لوزارة الخارجية أو وزارة الدفاع الأميركية (سربت بداية 450 ألف صفحة، ولاحقاً نحو 250 ألف صفحة.. والحبل على الجرار.)، وهذه الوثائق والبرقيات المسربة تمثل –بشكل أو بآخر- تصورات وآراء وتحليلات لعدد من السفراء والدبلوماسيين وخبراء السياسة الأميركية، حول عدد كبير من الأحداث العالمية والشؤون الدولية المتعلقة بهذه الدولة وذاك الزعيم، وبهذا الموقع أو تلك الشخصية السياسية..الخ. وقد ألقت تلك الوثائق الضوء على الكثير من المعطيات والوقائع حول الحرب في كل من العراق وأفغانستان، وحول طبيعة السياسة الخارجية لبعض القوى الدولية الكبرى كأميركا وفرنسا وبريطانيا، وأيضاً روسيا والصين. وفي ظني أن من أهم أسباب انكباب الناس على متابعة وملاحقة أخبار تلك الوثائق، وما تضمنته من روايات وفضائح، هو أن مجتمعاتنا البشرية باتت –من جراء قيام الدول كلها وخاصة الكبرى منها باعتماد سياسة الكواليس واللعب تحت الطاولة- غير قادرة في كثير من الأحيان على فهم وملاحقة سياسات حكوماتها تجاه كثير من الأحداث والتحولات والمتغيرات الدولية، وخاصة ما يتصل منها بشؤونها الداخلية، كما أنها ملت من سياسة الكواليس وما يجري وراء الستار وما وراء الكاميرات من صفقات وعقود وبيع وشراء وغيرها، وهي وجدت في تلك الأوراق والوثائق المسربة ما يمكن أن يشبع نهمها لمعرفة بعض الحقائق والخفايا المتعلقة بمجتمعاتها وكيفية تفكير قادتها وزعاماتها، وموقفهم من بلدانهم، وماهية نظرتهم لأبناء مجتمعاتهم.. خاصة في دول العالم الثالث. إن الناس في مجتمعات العالم الثالث تريد أن تعرف فعلاً حجم الفضائح والصفقات والتورطات لشخصيات بلدانها المرموقة التي تقول لها معسول الكلام في العلن وأمام الكاميرات، وتتحدث نقيضه وراء الكواليس عند عقد الاجتماعات مع الدبلوماسيين. لقد أضحى عالم الإنسان المعاصر –نتيجة أخبار وصور الدمار والعنف والحروب وسياسات الحجب والإخفاء على الناس والشعوب- عالماً مضجراً ومزيفاً، وأصبح المسرح الكوني الإنساني مملاً بلا معنى وآفاق مفتوحة، وهو لا يزال يبتعد شيئاً فشيئاً عن الرؤية الهدفية والغائية الإنسانية التي محورها وأساسها خدمة الإنسان ومحاولة بناء عالم إنساني أرقى وأمثل وأكثر شفافية ووضوحاً ومصداقية، عالم يستطيع فيه كل إنسان أن يعرف ويطلع على كل ما يجري حوله من تحولات وأحداث تتعلق بمصائره الكونية بشكل واضح، خاصة ما يجري من تلك الأحداث خلف الكواليس والمطابخ السرية الخاصة بكيفية صناعة القرارات الدّولية. وقد أثبت هؤلاء الناشرون لتلك الوثائق أن الديمقراطية لا تزال هي الفكرة الإجرائية الأصح والأحسن لإدارة الشأن العام، وبناء مجتمعات متطورة، وأنها النظام الأكثر ضمانة في العالم لمعاملة الناس بصورة يمكن معها تحريض وإثارة أجمل ما فيهم من خصال وقيم وطاقات بهدف العمل المنتج الخلاق، ودفعهم للبناء الإيجابي، ومعاملتهم بشيء من الوضوح والشفافية والصدق. وأن من حق هؤلاء الناس جميعاً أن يطلعوا على حقائق واستراتيجيات سياسات حكوماتهم، وطبيعة تفكيرها، وأن يعوا طبيعة تفكير قادة بلدانهم بعيداً عن سياسات الحجب وإجراءات المنع وآليات الرّدع المتبعة حتى الآن، لأن النظام الديمقراطي القائم أساساً على الحرية ومشاركة الناس في صنع القرار السياسي لبلدانها من خلال النواب والممثلين المنتخبين ديمقراطياً- لا يجتمع أبداً، بل يتناقض كليةً مع ممارسة سياسة إخفاء مئات آلاف الوثائق المتعلقة بمصيره ومستقبل مجتمعه، والتي تكلفه (كناخب) أو كدافع ضريبة مليارات الدولارات من جيبه وعرقه وجهده.. وهو يحتاج باستمرار –وهذا حق له يضمنه الدستور الديمقراطي- إلى أن توضح له حكوماته سياساتها الخارجية، والمواقع التي تقوم بصرف أموال الدولة فيها بكل شفافية ومصداقية كما ذكرنا. نبيل علي صالح - كاتب سوري ينشر بترتيب مع "مشروع منبر الحرية"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©