الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فلسطين بين الدين والعلمانية

9 فبراير 2010 20:39
تعرّضت الهوية الفلسطينية خلال العقود الثلاثة الماضية إلى تغييرات هائلة. ويشير استطلاع أجراه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي نُشِرَت نتائجه في أبريل الماضي أن 47 في المئة من سكان غزة والضفة الغربية يعرّفون أنفسهم أولاً وقبل كل شيء كمسلمين. ويثير هذا الاستغراب، إذا أخذنا بالاعتبار أن المجتمع الفلسطيني كان يعتبر في يوم من الأيام أحد أكثر المجتمعات علمانيّة في العالم العربي، وأنه قبل ثلاثة عقود لم يكن للإسلام السياسي سوى دور محدود جداً في الحركة الوطنية الفلسطينية. كذلك وجدت الدراسة أن 80 في المئة من الشباب الفلسطينيين مصابون بإحباط مزمن، مما يثبت الاعتقاد السائد بأن المستقبل لا يحمل سوى القليل من الأمل لهم. ولا يشكل نصر "حماس" في الانتخابات الفلسطينية الأخيرة سوى واحد من المؤثرات بأن المجتمع يبحث عن أجوبة في وقت اليأس والفساد. تحوّل الناخبون الفلسطينيون، سعياً وراء التغيير إلى "حماس" آملين أن يحصلوا على الصدق والشمولية ورؤية للمستقبل، إلا أن الاستطلاع يُظهِر أن العديد من الفلسطينيين سئموا "حماس" بعد الانتخابات مباشرة، إذ فشلت الحركة في تحقيق وعودها بأجندة فلسطينية موحدة. وقد ناقشت عدة أصوات بأن القيادة الإسلامية فشلت وأنه يجب ألا تلعب المنطقة دوراً في الحياة السياسية الفلسطينية. وتدّعي هذه الحركة العلمانية أن المجموعات الدينية مثل "حماس" والمجموعات اليهودية المتطرفة تشكّل جزءاً كبيراً من المشكلة، وبالتالي يجب إزالتها من العملية السياسية والمدنية. ولكن رغم صحّة أن القادة الدينيين والمنظمات الدينية صبّت وقوداً على نار النزاع، فإن ذلك لا يعني أن القيادة العلمانية هي الجواب الوحيد. على العكس من ذلك، يلعب الدين، بل ويجب أن يلعب دوراً أعظم في حل المشاكل التي تواجه المجتمع الفلسطيني. هناك سوابق تاريخية كثيرة للدور الثنائي الذي يمكن للدين أن يلعبه في تشكيل العقيدة السياسية. ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، كانت فترة ما قبل الحرب الأهلية فترة غضب ويأس، واستُخدِم الدين فيها أيضاً لتبرير الظلم والفساد. وقد استشهد الزعماء الدينيون والسياسيون بنقاشات توراتية يهودية ومسيحية لتعليم العبيد بأنهم أقل منزلة من البيض، وقادت الكنائس والقساوسة جهود الحفاظ على العبودية في الجنوب. وقد تكلم القسّ المعمداني أر فورمان نيابة عن العديد من الجنوبيين عندما كتب قائلاً: "إن الحق في امتلاك العبيد موجود بشكل واضح في الكتب المقدسة، ضمنياً وعلى شكل أمثلة". إلا أن القادة الدينيين كانوا في مقدمة حركة ضخمة باتجاه التحرير والحقوق المدنية في الولايات المتحدة الأميركية. عارض البيض والسود أمثال جوناثان دانييلز ومارتن لوثر كنج الابن العنف الديني والجهل والعنصرية برسالة حب ولاعنف وعمل ناشط. لم يتحولوا ضد الدين عندما خذلهم الزعماء الدينيون، وإنما تحدّوا الوضع الراهن للدين. ومن المعروف جيداً إن كنج الابن استخدم منبر كنيسته للدعوة لرسالة جديدة من الأمل. وبأسلوب مماثل، ورغم أن الإسلام استُخدم من قبل العديد من الفلسطينيين لدعم العنف، بل وحتى تبرير المؤسسات السياسية الفاسدة، فإن الناس نسوا إن الإسلام غني كذلك بالكتب الدينية حول السلام والتعاطف. وفي المناطق الفلسطينية حيث يتحوّل العديد من السكان للدين، لا يمكن تجاهل العقيدة ويجب عدم تسليمها إلى المتطرفين. يتوجب علينا أن نرفض فكرة أن خياراتنا السياسية مقتصرة إما على التطرف أو رؤية علمانية صرفة. الوقت جاهز لحركة لا عنفية في المجتمع الفلسطيني تظهر من أقل الأماكن توقعاً: من المساجد والمعاهد الدينية والمراكز الإسلامية. تُتهم هذه الأماكن أحياناً بأنها أماكن ولادة العنف، ولكنها يمكن أن تكون كذلك أماكن ولادة أفكار إيجابية للتغيير. لقد نجحت حركات لا عنفية ترتكز على الإيمان في الماضي في إثارة الجماهير وتغيير الواقع السياسي حيث بدا ذلك مستحيلاً، وباستطاعتها توفير نفس الأجوبة اليوم. لقد حققت الأساليب اللاعنفية بعض النجاح في قرى مثل "بدرس"، حيث ضم الفلسطينيون المتدينون والعلمانيون أيديهم معاً لمقاومة جدار الفصل الذي كان سيمر عبر أراضيهم. نجحت احتجاجاتهم وتم تغيير مسار الجدار، إلا أن الحركة اللاعنفية الفلسطينية ما زالت مفرّقة وعلمانية في معظم الحالات. وباعتقادي بأن الحركة تحتاج لرسالة أخلاقية وروحانية من العدالة، تستطيع أن تربطنا معاً. مدير مشاريع الشرق الأوسط بجامعة جورج مايسون ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©