الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تركيا... أطر جديدة للسياسة الخارجية

تركيا... أطر جديدة للسياسة الخارجية
16 نوفمبر 2010 21:07
طوال فترة الحرب الباردة، كانت تركيا البلد العضو في "الناتو" الذي تتعامل معه الولايات المتحدة باعتباره من المسلمات، بلداً علمانياً بين أوروبا وآسيا دافع عن حدود طويلة مع الاتحاد السوفييتي. وبعد انهيار الشيوعية، اعتقدت واشنطن أن لديها دوراً جديداً لتسنده لتركيا: بعد انتخاب حكومة يقودها حزب إسلامي في 2002، يمكن لتركيا أن تصبح نموذجاً لدولة ديمقراطية إسلامية معتدلة. ولكن بعد عدة أيام قضيتُها في أنقرة واسطنبول، وجدتُ أن هذا البلد لم يعد مستعداً للعب دور يحدده له آخرون. مرحباً بكم في تركيا الجديدة التي تتغير بسرعة لدرجة أن الأشخاص الأذكياء هنا يقولون لي إنهم لا يعرفون إلى أي اتجاه يتجه بلدهم – في الخارج مثلما في الداخل. بخصوص سياسة تركيا الخارجية، يرى الصحفي المخضرم سامي كوهين أن الجدل حول ما إن كانت تركيا قد غيرت محورها من الغرب إلى الشرق هو في غير محله، معتبراً أن الرسالة الضمنية التي تبعث بها أنقرة مؤداها: "انسوا الداعم القوي للناتو، والحليف الوفي، فنحن لم نعد في فترة الحرب الباردة؛ وتركيا تزداد قوة وتستطيع بناء محورها الخاص؛ وبالتالي، كفوا عن التعامل مع تركيا على أنها من المسلمات". ومن جانبه، أخبرني إبراهيم كالن، مستشار رئيس الوزراء التركي، بأن "أنقرة لم تعد تشعر بأنه من الضروري تعريف نفسها على نحو تعارضي، أي على أنها مرتبطة ببلد على حساب آخر. فالناس لا يرون تناقضاً بين عضوية الاتحاد الأوروبي وزيادة المبادلات التجارية مع روسيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى"، مضيفاً "أن المصالح الاقتصادية تجبرنا على أن تكون لدينا علاقات أفضل مع جيراننا". ومما لا شك فيه أن الجهود التي تبذلها تركيا من أجل توسيع تجارتها الخارجية وجذب استثمارات خارجية جديدة تمثل جزءاً مما يحرك اهتمامها الجديد بجيرانها العرب – وإيران. فتركيا بلد يعيش طفرة اقتصادية في وقت تعيش فيه أوروبا الغربية ركوداً وجموداً؛ حيث بات وسطها الذي كان متخلفاً في الماضي يفخر بـ15 مما يسمى "نمراً" أناضوليًا - مدن صناعية آخذة في التوسع؛ وبات رجال الأعمال من الطبقة الوسطى في الأناضول، وهي منطقة في تركيا، يجدون راحة أكبر، ويشعرون بأنهم في موقع أفضل، لتصدير منتجاتهم إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منهما إلى أوروبا. وقد كانت لدى قطاع البناء التركي الذي يشهد دينامية كبيرة – وبنى شمال العراق وبات يمثل قوة في المنطقة برمتها – آمال كبيرة في الحصول على عقود ضخمة في إيران؛ كما أن أردوجان يدعو إلى زيادة حجم التجارة مع طهران إلى ضعف حجمها الحالي بخمس مرات. لكن ذلك أثبت أنه أصعب مما كان متوقعاً، حيث مازالت إيران متوترة ومترددة حتى الآن بشأن السماح للأتراك بالدخول. ولكن تطلعات تركيا إلى تطوير محور سياسة خارجية خاص بها يتجاوز حدود التوسع الاقتصادي. أما إلى أي مدى يتجاوزه، فذاك مازال يشكل موضوع نقاش داخل تركيا والغرب. ولكن، هل لدى أردوجان، الذي سافر كثيرا إلى البلدان الإسلامية في الشرق الأوسط وآسيا ويحظى بإعجاب وتقدير الجماهير العربية، أحلام في أن يصبح القائد السياسي المسلم السُني المرموق؟ لقد نفى أردوجان ذلك بشدة في حوار لي معه إذ قال: "لديّ هوية كرئيس وزراء جمهورية تركيا". وفي هذا الإطار، يصف "كالن" دور أردوجان باعتباره "أقوى زعيم في تركيا منذ وقت طويل يصبح زعيماً إقليمياً – بحكم الجغرافيا، وليس النقاط التي سجلها في الشارع العربي؛ ذلك أن كل موضوع رئيسي في المنطقة يؤثر في استقرار المنطقة؛ ولذلك، فإننا نولي له الانتباه". أما الفكرة الضمنية فهي أن البلد الذي كان ضامن الاستقرار في الشرق الأوسط في الماضي – الولايات المتحدة – بدأ يخفت في الصورة حيث يقول كالن: "إن أوباما ما زال يحظى بشعبية هنا، غير أن معظم الأتراك يعتقدون أنه لا يستطيع أن يقدم شيئا". بيد أن ما لم يقله "كالن" وسمعتُه في كل مكان هو أن الأتراك باتوا يعتقدون أن أوباما قد استنفد رأسماله السياسي وأن سياسته بخصوص السلام في الشرق الأوسط قد فشلت. وعلاوة على ذلك، فإن الأتراك من كل الانتماءات السياسية مستاؤون من الفوضى التي خلفتها إدارة بوش في العراق. ولذلك وبالنظر إلى تراجع الدور الأميركي، خلص وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو إلى أن الولايات المتحدة ليست سوى قطب من عدة أقطاب، وأن أنقرة ستسعى وراء علاقات أفضل مع الصين وروسيا وإيران وجيرانها العرب. ولعل أكثر مؤشراً يبعث على الذهول في هذا التحول حتى الآن هو المناورات الجوية المشتركة التي أجرتها تركيا مع الصين مؤخرا، مما يثير أسئلة بشأن التزام أنقرة تجاه "الناتو"، وبشأن ما إن كان أمن الحلف يُنتهك. ثم إنه من المعروف أن أوغلو رسم سياسة خارجية هدفها عدم خلق أي أعداء على حدود تركيا، مع العمل في الوقت نفسه على بذل جهود طموحة تسعى إلى تحقيق السلام في المنطقة؛ غير أن معظم هذه الجهود - وإن ليس كلها – لم تحقق غايتها حتى الآن. وفي هذا الإطار، قامت أنقرة بتحسين علاقاتها مع أكراد العراق، ومع سوريا، التي كادت أن تخوض معها حرباً قبل نحو عقد من الزمن. غير أن جهود حكومة أردوجان الرامية إلى التصالح مع أرمينيا فشلت بالمقابل، على غرار الجهود الرامية إلى التوسط في المفاوضات بين إسرائيل وسوريا التي انهارت بسبب غزو إسرائيل لغزة في 2009. بعد أسبوع في هذا البلد المذهل يظل السؤال هو ما إن كانت حكومة أردوجان تستطيع تحقيق توازن بين طموحاتها المختلفة، فتحافظ على علاقاتها مع الغرب والناتو، وتُظهر في الوقت نفسه استقلالها عن الاثنين وأقول لا أحيانا؛ وما إن كان أردوجان يستطيع إغراء الإيرانيين من دون استعداء العرب، أو الترويج لاستقرار المنطقة بدون تقارب مع إسرائيل. والواقع أن لا أحد يستطيع أن يكون متأكداً من الاتجاه الذي تتجه إليه سياسة أنقرة الخارجية، ولا حتى حكومة أردوجان نفسها ربما، تماماً مثلما أنه من الصعب التنبؤ بنتيجة الانقسام العلماني- الديني الذي يزداد تعمقاً في البلاد. وبالتالي، فكل ما يستطيع المرء أن يقوله بوثوق هو أن هذا بلد ينبغي متابعته. ترودي روبن محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©