الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

طرابلس وبنغازي... حلم واحد تحت سقفين!

طرابلس وبنغازي... حلم واحد تحت سقفين!
20 أغسطس 2011 23:36
يحرص أستاذ المحاسبة المتقاعد الذي يدير مجلس عاصمة الثوار الليبيين أن يؤكد لكل زائر يفد إلى المدينة أن "الأمور في بنغازي على أحسن ما يرام" ما عدا رائحة المجاري الكريهة التي تفوح في بعض الأحياء، ويزيد "سعد الفرجاني" في طمأنة الزوار المحتملين قائلاً: "إن الكهرباء والبنزين والماء والغاز كلها متوافرة -لا مشكلة في كل ذلك، والمدينة تنعم بالاستقرار والسلام فلا صواريخ تسقط على رؤوس الناس ولا قتال مندلعاً في وسطها. يبقى فقط نظام الصرف الصحي الذي يؤرقنا، ولكن إجمالاً الأمور بخير". وبنبرة افتخار لا تخطئها الأذن يضيف رئيس مجلس المدينة: "تعرفون أننا في بنغازي ينطبق علينا الإعلان الذي يقول: يمكنك القدوم لكن ستعز عليك المغادرة". ويبدو أن المدينتين اللتين تنافستا في السابق على الريادة في ليبيا، وهما طرابلس وبنغازي، قد غيرتا مواقعهما منذ اندلاع الثورة الليبية في 17 من فبراير الماضي حيث باتت طرابلس الخاضعة لسيطرة القذافي أسوأ حالاً وأصعب ظروفاً من نظيرتها بنغازي. فقد بدأت الحياة في عاصمة الثوار تتحسن يوماً بعد يوم وتدل على ذلك مشاهد غير مسبوقة مثل منظر ضباط الشرطة وهم في زي الجنرالات يتظاهرون بتنظيم المرور، أو إقامة معرض للوحات الفنية التي كان ممنوعاً عرضها من قبل سلطة القذافي فيما المدارس تستعد لبدء العام الدرسي الجديد في شهر سبتمبر المقبل. وفي هذا السياق يقول "عابد دادا" من اللجنة الدولية للصليب الأحمر الذي أمضى الأسابيع القليلة الماضية في بنغازي: "تبدو المدينة آمنة والأمور تسير على ما يرام" فقد استأنفت المخابز عملها وأصبحت تنتج فطائر خاصة وانخفض سعر الغاز بنحو أربعة دولارات مقارنة بسعره قبل الثورة، هذا في الوقت الذي باتت فيه مكالمات الهاتف النقال الداخلية مجانية. وقد نوه أحد التجار بفخر واضح عندما سئل عن الوضع في المدينتين المتنافستين حتى قبل اندلاع الثورة إلى الفارق الكبير في سعر الدجاج بين المدينتين، إذ يصل سعر الدجاجة في طرابلس إلى 12 دولاراً فيما لا يتجاوز سعرها في بنغازي 3 دولارات بفضل انفتاح السوق المحلية على البضائع والمنتجات القادمة من مصر القريبة. هذا وتمثل ظروف الحياة اليومية في بنغازي والتصورات التي يتبناها ساكنوها فرصة حقيقية لمعرفة ماذا ستكون عليه المدينة بعد انتهاء حكم القذافي في ليبيا. وتدل الإشارات الأولية والملاحظات المستقاة من الواقع اليومي للسكان أن إدارة المدينة لن تكون سهلة وهي في أيدي مجموعة من غير المحترفين حتى مع توافر النيات الحسنة. فهم سيحرصون كل الحرص على توفير الخدمات مثل عدم انقطاع التيار الكهربائي على سبيل المثال. ولكن في أحاديثهم المتبادلة يروق لسكان المدينة رواية ما قاله لهم الساعدي القذافي، أحد أبناء العقيد القذافي، عندما زار مدينتهم في الأيام الأولى للثورة في محاولة لتهدئة الأمور قبل أن تتفاقم وتخرج عن السيطرة، حينها وعدهم بأن يحول المدينة إلى حال كحال سان دييجو في أميركا على أن يعودوا إلى منازلهم ويلتزموا بالهدوء! ومع أن المدينة تتوفر على كافة المواصفات للتحول إلى منتجع ساحلي جميل فهي تطل على البحر الأبيض المتوسط وفيها بحيرات وحديقة حيوانات، إلا أن مياه البحر متسخة وغير صالحة للسباحة، كما أن البحيرات التي تزخر بها المدينة باتت مكبّاً للنفايات ومياه الصرف الصحي فيما نظرة إلى حيوانات الحديقة تبعث على الشفقة! والحقيقة أن الساعدي القذافي خلال زيارته القصيرة إلى المدينة قبل انفجار الأمور اعترف ببعض الأخطاء التي ارتكبت، متعهداً بإصلاحها، وهي أخطاء تقف على مرأى البصر في بنغازي. ففي طول المدينة وعرضها تلوح رافعات البناء المعلقة بدون عمل وورشات التشييد المتوقفة منذ مدة، بل إن المدينة برمتها تبدو كورشة كبيرة غير مكتملة، فهنالك مساحات واسعة من الأراضي تركت مهملة فيما مشاريع البناء تم التخلي عنها وغزت أراضي السبخة جل المناطق تقريباً. كما أن المستشفى الضخم الذي وعد به القذافي أهالي المدينة ويضم ألفاً ومئتي سرير لم يرَ النور منذ بدء أعمال البناء في عام 1973، ولذا يحلو للبعض هنا الإشارة إلى أن بعض أكبر إنجازات دبي التي تعد من عجائب العالم العربي المعاصر استغرق بناؤها أقل من الفترة التي استغرقها بناء مستشفى في بنغازي من 400 سرير! والأمر نفسه ينطبق أيضاً على ملعب كرة القدم الذي بني في عهد الملك إدريس السنوسي في خمسينيات القرن الماضي، ولم تنته بعد أعمال الترميم التي انطلقت فيه قبل خمس سنوات، فيما تظل آلاف الوحدات السكنية غرب بنغازي مجرد هياكل إسمنتية! وفي تفسيره لهذا الإهمال يقول "محمد الزنتاني" أحد سكان المدينة "إن القذافي يكره جميع الليبيين، لكنه يكره سكان بنغازي أكثر من غيرهم"، ويمضي "الزنتاني" الذي يملك محلاً للملابس النسائية أمسيات رمضان الطويلة في أحد المقاهي الراقية بالمدينة يناقش مع أصدقائه مستقبل بنغازي والوضع في ليبيا بشكل عام بعد سقوط القذافي. وعلى رغم إقدام النظام على قطع الاتصالات الهاتفية بعد الثورة فقد تمكن مهندسو الثورة من إعادة تشغيل خطوط الهاتف الجوال لتصبح المكالمات الداخلية مجانية. ولكن مع ذلك تبقى الحياة في بنغازي صعبة في ظل انقطاع التيار الكهربائي وانعدام آفاق أخرى بديلة بالنسبة للشباب عدا حمل السلاح والتوجه إلى الجبهة لخوض معركة التحرر من ديكتاتورية القذافي، فالمال غير متوفر والقروض البنكية شحيحة لا تساعد الشركات على التوسع، فيما لم يستلم الموظفون رواتبهم لعدة شهور، ليبقى الأمل الأهم لدى سكان بنغازي هو التخلص سريعاً من حكم القذافي واستئناف بناء مشاريعهم غير المكتملة التي طال عليها الأمد. ويليام بوث - بنغازي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©