الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

وثائق دولة الرسول ( 4 ـ4 )

26 أكتوبر 2006 23:51
رسائل النبي·· وأولوية الخيار السلمي القاهرة - الاتحاد ( خاص): تنطوي الرسائل التى بعثها الرسول الكريم إلى الملوك والأمراء على مضامين سياسية وحضارية متعددة، حيث تقوم على ثوابت أساسية وتتسم بصفات متغيرة، حسب المكونات العامة للشخصية الموجهة اليها، للتأكيد على عالمية الإسلام والرغبة فى إقناع الناس به سلما، باعتباره الوعد الصادق للجميع· كان سفراء النبي صلى الله عليه وسلم وحملة كتبه يجوبون أنحاء الجزيرة العربية وأطرافها، في حركة نشطة هدفها تبليغ الدعوة وإيصالها إلى أقصى حدودها، ويقع من هذه الحركة الدؤوب الدليل البين على عالمية الرسالة الإسلامية· وحرص الرسول على نشرها بين الناس كافة، وتحقيق الوحدة في بلاد العرب من أقصاها إلى أقصاها، لينهضوا بأعباء حمل الرسالة ونقلها إلى الناس أجمعين· وأخذت حركة السفارات النبوية تتصاعد حتى وصل أوج نشاطها في السنة السابعة وما بعدها، بعد أن رسخت هيبة الدولة الإسلامية، وازدادت أهميتها السياسية· وكان الرسول يعوّل كثيرا على إيمان العرب بدعوته، فلم يترك قوماً أو قبيلة منهم حتى أوفد إليها من يدعوها من أصحابه الكرام، وكان رسل النبي إلى هذه القبائل يحملون الرسائل الموثقة لتكون دليلا قويا في نفوس المدعوين· وفي هذا السبيل، بعث، عليه الصلاة والسلام، رسائل كثيرة إلى عرب الحجاز، وتهامة، ونجد، واليمن، وحضرموت، وعُمان، والبحرين وغيرها من أعمال جزيرة العرب· الأمر الذى يشير إلى أن المراسلات النبوية بلغت القبائل العربية على اختلافها، ووصلت إلى سائر عرب الجزيرة· وفى هذا السياق كتب النبي الكريم إلى هوذة بن على صاحب اليمامة رسالة بدأها كغيرها من رسائله، بسم الله الرحمن الرحيم· من محمد رسول الله إلى هوذة بن علي، سلام على من اتبع الهدى، واعلم أن ديني سيظهر إلى منتهي الخف والحافر، فأسلم تسلم، وأجعل لك ما تحت يديك (أي أتركك على ملكك)·· واختار لحملها سليط بن عمرو العامري، فلما قدم سليط على هوذة بهذا الكتاب مختوماً أنزله وحياه، وقرأ عليه الكتاب، فرد عليه رداً دون رد، وكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم: ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله، والعرب تهاب مكاني، فاجعل لي بعض الأمر أتبعك، ومنح سليطا جائزة، وكساه أثوابا من نسج هجر· وكان عند هوذة أركون دمشق عظيم من عظماء النصارى، فسأله عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ وقال: قد جاءني كتابه يدعوني إلى الإسلام فقال له: الأركون لم لا تجيبه؟ فقال: ضننت بديني، وأنا ملك قومي إن اتبعته لم أملك، قال: بلى، والله لئن اتبعته ليملكنك وإن الخيرة لك في اتباعه، وإنه للنبي العربي بشر به عيسى ابن مريم والله إنه لمكتوب عندنا في الإنجيل· التعامل مع الآخر لم يكن الغرض من الرسائل هداية الملوك والحكام، بل التعريف بالاسلام والتأكيد على أولوية الخيار السلمى فى التعامل مع الاخر، وأن الرسالة الجديدة جاءت للجميع، فمن التزم بها فهو آمن ومن رفض فعليه التزامات أخرى من الواجب القيام بها، وقد كتب الرسول الكريم رسالة إلى الحارث بن أبي شمـر الغساني أمير دمشق قال فيها: بسم الله الرحمن الرحيم· من محمد رسول الله إلى الحارث بن أبي شمر، سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله وصدق، وإني أدعوك إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له، يبقي لك ملكك، واختار لحمل هذا الكتاب شجاع بن وهب من بني أسد بن خزيمة· وكانت البحرين ثاني منطقة تدخل الإسلام بعد المدينة· ومسجدها في هجر (الأحساء) يعتبر المسجد الثاني الذي تقام فيه صلاة الجمعة في الإسلام، بعد مسجد الرسول، وهو مسجد جواثى، الذي كانت أطلاله ظاهرة للعيان حتى وقت قريب· وكان لدخولها الإسلام أثر كبير في نشر الدعوة، خاصة لما كانت تتحلى به من مكانة اقتصادية كبيرة، حيث تتحدث كتب التاريخ والسير عن أموال ضخمة وردت الى مدينة الرسول من البحرين· وقد جمع موقع ''واحة القطيف'' مجموعة كبيرة من الرسائل والمكاتبات التى تدعم صلة البحرين بالاسلام وتؤكد عمقها فى التاريخ· وجاء فى رسالة الرسول الكريم إلى ملك عمان جيفر وأخيه عبد ابني الجلندي: ''بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبدالله إلى جيفر وعبد ابني الجلندي، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوكما بدعاية الإسلام، أسلما تسلما فإني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة، لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، فإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما، وإن أبيتما أن تقرا بالإسلام فإن ملككما زائل، وخيل تحل بساحتكما، وتظهر نبوءتي على ملككما''· واختار لحمل هذه الرسالة عمرو بن العاص الذى قال: خرجت حتى انتهيت إلى عمان، فلما قدمتها عمدت إلى عبد، وكان أحلم الرجلين وأسهلهما خلقا، فقلت: إني رسول رسول الله إليك وإلى أخيك، فقال: أخي المقدم علي بالسن والملك، وأنا أوصلك إليه حتى يقرأ كتابك، ثم قال: وما تدعو إليه؟ قلت: أدعو إلى الله وحده لا شريك له، وتخلع ما عبد من دونه، وتشهد أن محمدا عبده ورسوله· قال: يا عمرو إنك ابن سيد قومك، فكيف صنع أبوك؟ فإن لنا فيه قدوة، قلت: مات ولم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، ووددت أنه كان أسلم وصدق به، وقد كنت أنا على مثل رأيه حتى هداني الله للإسلام، قال: فمتى تبعته؟ قلت: قريبا· وهناك الكثير من الرسائل التى وجهها الرسول إلى قبائل اليمن وزعمائه وقبائله وإلى شخصيات معينة وإلى بعض من أرسلهم إلى اليمن من الصحابة وكلها تدعوهم إلى الإسلام وترك الشرك بالله، وعبادته وحده وتحتوي على التشريعات في المجالات المختلفة· تدل مكونات رسائل النبي إلى الملوك والأمراء، ودعوته لهم بالدخول إلى الإسلام على أن الأصل السلم، ولو كان الأصل الحرب لما أرسل إليهم رسائل، وإنما بعث إليهم جيوشاً للمحاربة، واستدلوا أيضا بالإجماع أنه لا يجوز قتل النساء والصبيان والرهبان والشيوخ، والعميان والعجزة والأجراء والفلاحين في حرثهم، إلا إذا قاتلوا أو شاركوا برأي أو إمداد، قالوا لو كان الأصل مع الكفار الحرب لحملهم على الإسلام، ما ساغ استثناء هؤلاء، واستثناؤهم برهان على أن القتال إنما هو لمن يقاتل دفعاً لعدوانه· واستدلوا بالمعقول، ووجهه أن وسائل الإكراه والقهر لا يمكن أن تنجح لفرض الدين في النفوس، لأن الدين أساسه القناعة، وهو شيء قلبي واعتقاد داخلي، وما كان كذلك فطريقه الحجة والبرهان والإقناع لا القوة والقهر قال تعالى: ''ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين''· فوارق دقيقة في رسائل الرسول الكريم للملوك فوارق دقيقة مؤسسة على عمق الدعوة، روعي فيها ما يمتاز به هؤلاء الملوك في العقائد التي يدينون بها والخلفيات التي يمتازون بها، فلما كان هرقل والمقوقس يدينان بألوهية المسيح وفى نظرهم ابن الله، جاء في الكتابين اللذين وجها إليهما كلمة (عبد الله) مع اسم النبي صاحب هاتين الرسالتين، فيبتدئ الكتابان بعد التسمية بقوله: من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم وبقوله: من محمد عبد الله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط بخلاف ما جاء في كتابه إلى كسرى فاكتفى بقوله: من رسول الله إلى عظيم الفرس · وجاءت كذلك آية ( قُلْ يا أَهْلَ الْكتَاب ·· الى آخرها)· في هذين الكتابين وفي كتابه إلى كسرى، لأن الآية تخاطب أهل الكتاب الذين دانوا بألوهية المسيح، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم· وكان هرقل إمبراطور الدولة البيزنطية والمقوقس حاكم مصر قائدين سياسين، وزعيمين دينيين كبيرين للعالم المسيحي· والواقع أن تلك الفترة شهدت انفتاحا سياسيا عم كل أنحاء الجزيرة العربية والمناطق المجاورة لها من الحبشة وحتى الشام مرورا بفارس، وتمثل ذلك في ما كتبه الرسول صلى الله عليه وسلم من كتب لمختلف القبائل والشيوخ، وما قدم إلى المدينة من وفود، وقد بلغ عدد الكتب التي نظمت العلاقات بين الدعوة الإسلامية والقبائل خمسة وتسعين كتابا، بالإضافة إلى الرسل الستة الأولين، كما بلغ عدد الوفود التي استقبلتها المدينة، لتحمل ولاء قبائل العرب، وليعلنوا إسلامهم ثلاثة وسبعين وفدا، أي أن الدعوة فى تلك المرحلة قد وجهت رسائلها فى كل اتجاه· ومن نتائج إرسال الكتب إلى الملوك والأمراء، ما أظهره الرسول صلى الله عليه وسلم في سياسته الخارجية من دراية فاقت التصور، وأصبحت مثالا لمن جاء بعده من الخلفاء، كما أظهر صلى الله عليه وسلم قوة وشجاعة فائقتين، فلو قام أحد غيره بهذه المهمة لخشي عاقبة الأمر، لا سيما أن بعض هذه الكتب قد أرسلت إلى ملوك أقوياء على تخوم بلاده كهرقل وكسرى والمقوقس، ولكن حرصه وعزيمته على إبلاغ دعوة الله، وإيمانه المطلق بتأييد الله سبحانه وتعالى· وحققت هذه السياسة عدة نتائج أبرزها، أن الرسول صلى الله عليه وسلم وطد بهذه السياسة أسلوبا جديدا في التعامل الدولي لم تكن تعرفه البشرية من قبل· وأصبحت الدولة الإسلامية لها مكانتها وقوتها وفرضت وجودها على الخريطة الدولية فى ذلك الوقت، وكشفت للرسول نوايا الملوك والأمراء وسياستهم نحوه وحكمهم على دعوته، وكانت مكاتبة الملوك خارج جزيرة العرب تعبيراً عمليا على عالمية الدعوة الإسلامية· تنشر بترتيب خاص مع وكالة الأهرام للصحافة
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©