الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الرشيد أشهر الخلفاء الحجاج وبيبرس قطع لسان من أفشى رحلته

الرشيد أشهر الخلفاء الحجاج وبيبرس قطع لسان من أفشى رحلته
16 نوفمبر 2010 20:05
لم تخل مصادر التاريخ من ذكر وقائع أحاطت بذهاب بعض الخلفاء والملوك للحج سواء ما يشير منها لمعان دينية أو ملامح البذخ والترف.وقد سار الخلفاء الراشدون ومن تبعهم من خلفاء الأمويين ممن باشر الحج للبيت العتيق في حجهم سيرة بسيطة لم تسجل معها حوادث إلا المرة التي حج فيها الخليفة الأموي سليمان بن عبدالملك وكان ذلك في عام 97هـ . قبل مقدمه لمكة المكرمة طلب الخليفة سليمان من واليه عليها «خالد القسري» أن يجري عينا من الماء الزلال الصالح للشرب لتخرج مياهها من بين زمزم ومقام إبراهيم عليه السلام، وقام الوالي بذلك مستخدما أنابيب من الرصاص، ولكن قصاد البيت الحرام لم يولوا العين الجديدة كبير التفات مفضلين زمزم عليها في الشرب مما دفع والي مكة إلى تأنيبهم مذكرا إياهم بفضل «أمير المؤمنين» في إجراء الماء الزلال لقلب الحرم خدمة للحجيج. وقد هدم العباسيون فور تولي السفاح تلك العين. خلفاء في الحج المعروف أن الخلفاء الراشدين حجوا جميعاً بينما لم يحج من خلفاء بني أمية وهم بالحكم سوى خمسة فقط هم معاوية بن أبي سفيان وعبدالملك بن مروان، ثم أولاده الثلاثة الوليد وسليمان وهشام. أما خلفاء العصر العباسي الأول فقد حج منهم ثلاثة فقط هم أبو جعفر المنصور والمهدي وهارون الرشيد، بينما لم يحج خليفة واحد من خلفاء العصر العباسي الثاني سواء لانشغال بعضهم بترف الدنيا، أو لوقوعهم تحت سيطرة أمراء الديلم والترك الأقوياء. وإذا كان خلفاء الأمويين بالأندلس لم يتيسر لهم الحج بسبب العداوة السياسية مع العباسيين والفاطميين فإن خلفاء الدولة الفاطمية لم يذهب واحد منهم للحج رغم عنايتهم البالغة بأمور الحج وإنفاقهم لمبالغ طائلة على شؤون الحرمين. الحجة الأشهر تعد رحلة حج هارون الرشيد وزوجته زبيدة أم جعفر الأشهر بين رحلات حج الخلفاء قاطبة فقد تركت أثراً طيباً على طريق الحج العراقي الذي بات يعرف باسم «درب زبيدة» اعترافاً بعناية زبيدة بتمهيد طريق الحج وتزويده بمحطات لراحة الحجاج، بعد أن كانت المنازل تعد لاستقبال الخلفاء فقط أثناء سفرهم للأماكن المقدسة، كما حفلت سيرة هارون الرشيد بالعديد من المعاني الدينية والسياسية التي تناقلها المؤرخون في مؤلفاتهم. فقد خرج هارون معتمراً في رمضان عام 179هـ وبقي مقيماً بمكة لحين موعد الحج. ويذكر المقريزي في كتابه «الذهب المسبوك فيمن حج من الخلفاء والملوك» أن الرمل كان يطرح له حول البيت ومقدار عرضه ذراعان ويرش بالماء ويقوم الحرس بينه وبين الناس وكان يطوف بين المغرب والعشاء ثلاثة عشر أسبوعا أرهق خلالها رجاله وحرسه. ويعد هارون الرشيد أول من قضى مناسكه ماشياً من ملوك الدنيا فقد مشي من مكة إلى منى وإلى عرفات وشهد المشاعر كلها ماشيا وكذلك فعلت زبيدة عند حجها. وقد تركت رحلته للحج أثرا بالغاً في نفسه مما صادفه من فقهاء وزهاد الحرم الذين نبهوه لأمر الآخرة وذكروه بهوان الدنيا التي يظن أنه ملك مفاتيحها أمام سلطان الخالق عز وجل حتى أنه ظل طوال حياته يتولى الإنفاق على حج نحو مئة من العلماء والفقهاء وأبنائهم إذا لم يتيسر له الحج أو يستبدلهم بثلاثمئة رجل يزودهم عند الحج «بالنفقة السابغة والكسوة الطاهرة الفاخرة». وكان ذلك البذخ كفيلا بأن يقول أحد المؤرخين إنه إذا ما قيل للدنيا متى أيام شبابك؟ قالت أيام هارون الرشيد. والطريف في رحلة حج هارون الشهيرة أنه قام بها بعدما أنبه ضميره على عدم الوفاء بيمين أقسمه لأخيه الخليفة موسى الهادي على ألا يتزوج بعد وفاته بأم ولد له تعرف باسم «أمة العزيز» وكانت فيما يبدو فائقة الحسن إلى الحد الذي لم يبر معه هارون بوعده فلما ولدت له ابنه «علي» وجاء كما يقول المؤرخون أقبح الناس صورة عزم على أن يقضي الفريضة ماشيا تكفيرا عن حنثه في يمين. حكام مصر أما حكام مصر فقد كانت لهم حوادث مشهودة مع الحج ويعتبر المؤرخون الظاهر بيبرس أول من حج من سلاطين المماليك لأن شجر الدر التي سبقته لذلك قصدت الحج وهي بعد زوجة للملك الصالح نجم الدين أيوب وإن ارتبط حجها بأول «محمل» يتوجه من مصر لمكة وبرفقته كسوة الكعبة. وقد ارتبطت رحلة الظاهر بيبرس بجملة من الحوادث أولها أن رحلته أحيطت بأكبر قدر من السرية والكتمان، ربما خوفاً من انقلاب بعض المماليك عليه إذا ما تيقنوا بوجوده في قلب الصحراء. فقد خرج من مصر نحو الشام وتوجه من الغور بهيئة من خرج للصيد بالكرك قرب بادية الأردن وكان خواص رجاله يعرفون أنه يقصد الحجاز للحج، ولكن أحداً منهم لم يجسر على أن يفتح فمه خاصة بعد أن كتب الحاجب «جمال الدين بن الداية» للسلطان قائلا إنه يشتهي أن يتوجه صحبة السلطان للحجاز، إذ أمر السلطان بقطع لسان الحاجب وكان في ذلك إشارة لا يخطئها كل لبيب بأمثالها يفهم. وقع خبر وصول الظاهر بيبرس على حاكم المدينة المنورة جماز المملوكي وشريفها وقع الصاعقة فهربا من وجهه أما أميرا مكة وهما الشريف نجم الدين ابونمي وعمه الشريف بهاء الدين إدريس فكانا في خلاف مقيم حول اقتسام عوائد المكوس التي كانت تفرض على الحجاج قبل دخولهم إلى مكة فأصلح السلطان بينهما ووهب لهما 20 ألف درهم من الفضة الخالصة نظير تعهدهما برفع المكوس عن الحجاج وألا يمنع أحد من دخول الكعبة وأن يخطب للظاهر بيبرس بمكة والمشاعر المقدسة. سلطان بعد حجة تظهر الحكايات التي تبدو فلكلورية الى حد بعيد سيرة بيبرس في الحج كنموذج لمسلم هذبته الأيام بحروبها وخطوبها، فبعد أن وزع الكسوات على كل من كان بالحرم صار كآحاد الناس لا يحجبه أحد ولا يحرسه وبقي منفردا يصلي وحده ويسعى وحده، «فلا يعرفه إلا من يعرفه وغسل الكعبة بيده بماء الورد، وصار بين جميع الناس على اختلاف طبقاتهم وأجناسهم وما منهم إلا من يرمي إليه إحرامه فيغسله بيده ويناوله صاحبه وجلس على باب الكعبة وأخذ بأيدي الناس ليطلعهم إليها فتعلق بعض العامة بإحرامه ليطلعه فقطعه، وكاد يرمي السلطان عن العتبة إلى الأرض وهو مستبشر بجميع ذلك وعلق كسوة الكعبة بيده ومعه خواصه». بعد أن قضى الفريضة آب للقاهرة والمماليك بعد في لغطهم حول وجهته مؤكدا جدارته بأن يكون سلطانا للبلاد ولتلك الزمرة من المماليك. مؤونة الحج من سلاطين المماليك الذين حجوا الناصر محمد بن قلاوون وكان قد فر من تسلط الأمراء الكبار عليه في سلطنته الثانية بحجة الذهاب للحج حتى بلغ الكرك وأعلن تنازله عن السلطنة في عام 708هـ ثم حج بالفعل في عام 712هـ وبعد ذلك في عام719هـ بعد تفرده بالحكم في سلطنته الثالثة على مصر والشام. ويذكر المقريزي أن السلطان الناصر حمل معه أحمالًا من الشعير على الجمال لتغذية دواب الرحلة وأعطى الحمالين وسواهم من أعراب الطريق رواتب ومكافآت سخية، وقام رجال البلاط بعمل عدة قدور من فضة ونحاس تحمل على البخاتي ليطبخ فيها وأحضر الخولة لعمل مباقل وخضراوات ورياحين ومشمومات في أحواض خشب لتحمل على الجمال وتسقى طول الطريق ويؤخذ منها ما يحتاج إليه كل يوم ورتب عمال البلاط الأفران وقلائي الجبن وصناع الخبز. وجهز المماليك بالشام 500 جمل تحمل الحلوى والسكردنات «الفواكه المسكرة» والفواكه وحضرت أيضا «حوائج خاناه» أي مواد للطبخ على 18 جملًا تحمل الحب رمان واللوز وما يحتاج إليه في المطبخ سوى ما حمل من الحوائج خاناه من القاهرة وجهز ركب الناصر محمد بن قلاوون أيضا بألف طائر من الأوز وثلاثة آلاف طائر دجاج. ومع تلك الفخامة الملوكية أظهر السلطان عند وصوله لمكة» من التواضع والذلة والمسكنة أمرا زائدا وسجد عند معاينته البيت سجود عبد ذليل وبرر مسلكه ذلك لرفقته بقوله «مازلت أعظم نفسي حتى رأيت البيت فذكرت تقبيل الناس الأرض لي فدخل قلبي مهابة عظيمة لم تزل حتى سجدت لله تعالى شكراً». طواف راجل يؤثر عن الناصر محمد بن قلاوون أنه قال للقاضي الذي نصحه أن يطوف حول البيت راكباً لأن الرسول صلى الله عليه وسلم طاف حوله راكباً «يا قاضي ومن أنا حتى أتشبه بالنبي؟ والله لا طفت إلا كما يطوف الناس». فطاف من غير أن يكون معه أحد من الحجاب فصار الناس يزاحمونه ويزاحمهم كواحد منهم حتى قضى طوافه وسعيه وفي حجته تلك أمر الناصر محمد بأن تكسى الكعبة الحرير الأطلس وبقي ليشهد بنفسه كسوتها بأيدي فراشي قصره. ومن أشهر الملوك الذين قصدوا الحج قادمين من مصر «منسا موسى» ملك الماندينج ببلاد التكرور «غرب أفريقيا» وقد مر بالقاهرة في رحلتي الذهاب والعودة في عام 724هـ وارتبطت رحلته في أذهان معاصريه بالذهب الذي نثره على كل صاحب وظيفة في بلاط السلطان الناصر محمد بن قلاوون وعلى حجاج بيت الله الحرام بمكة وبما أنفقه لشراء الجواري من التركيات والحبشيات لخدمته الشخصية حتى يقال إن ركبه ضم 14 ألف جارية. وقد أدت رحلة منسا موسى لانخفاض سعر الذهب بالقاهرة مثلما أججت أطماع الطامحين للثروة الذين هيأت لهم أطماعهم ترهات من قبيل أن الذهب ينبت في بلاد ملك الماندينج في أشجار خاصة ولذا فالذهب لا ينضب ببلاد التكرور. طرائف يروى أيضاً أن منسا موسى أهدى الى السلطان المملوكي ما يعادل 5 آلاف دينار ذهبا وعند مثوله بين يدي السلطان رفض أن يسجد بين يديه كما يفعل زوار البلاط المملوكي، ورغم أنه كان يعرف العربية فقد اختار أن ينقل عنه المترجم أنه «مالكي المذهب ولا يسجد لغير الله فأعفاه السلطان من ذلك وقربه وأكرمه وسأله عن سبب مجيئه، فقال أردت الحج فرسم للوزير أن يجهزه بكل شيء». وكان منسا موضع عناية أيتمش أمير الحج طوال الطريق لوصية السلطان. ومن الطريف أن ملك الماندينج تأخر عن الركب المصري وبقي عدة أيام بالحرم وكان في فصل الشتاء فلم يتحمل رجال حاشيته البرد فمات أغلبهم ولم يصل معه للقاهرة سوى الثلث من عددهم المقدر بنحو ستين ألفا.وبلغ كرم منسا موسى حدا احتاج معه للاقتراض من بعض تجار القاهرة لاستكمال رحلته نحو بلده ولشراء بعض كتب المذهب المالكي فأقرضوه ما أراد بفوائد باهظة وأنعم السلطان عليه بخيول وجمال وقد صحب معه إلى عاصمته «تمبكتو» عددا من التجار والفقهاء وردهم ردا جميلا بعدما أوفى بديونه. والشهرة التي ذاعت ببلاد الشرق عن ثراء ملوك التكرور والذهب الذي لا ينضب معينه عقب رحلة منسا موسى كانت وراء سعي الأوربيين للوصول إلى بلادهم والاستيلاء على الذهب الأفريقي بعد عدة عقود. ويعتبر السلطان قايتباي ومن بعده السلطان الأشرف قنصوه الغوري آخر من قصد بيت الله الحرام للحج من بين سلاطين المماليك.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©