الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

دستور العراق الجديد·· والأمن العصي

26 أكتوبر 2006 00:21
رسول محمد رسول: عام مضى على تصويت أغلب العراقيين لدستور بلادهم الجديد، ورغم كل ما حققه الحراك السياسي لرأب الصدع بين الجماعات السياسية العراقية الداخلة في المشروع الأمريكي الجديد بالعراق أو الخارجة عليه والمتصادمة معه، فإن كل ذلك المسعى الفردي والجماعي، الأمريكي والعراقي، لم يوقف صور العُنف الدموي التي باتت جزءًا من المشهد اليومي الذي يعيشه العراقيون، بل تفاقم أمرها وشأنها على نحو خرج حتى من دائرة المعتاد إلى مستوى الانفلات الأمني الغالب الذي طغى على أي أمل بأن يُرمَّم الحال باتجاه الأمن والاستقرار بالبلاد· خلال شهر نوفمبر الجاري كشفت أكثر من جماعة مناهضة لمشروع واشنطن الجديد في العراق عن مشروعها السياسي، ففي ظل التصدُّع الذي صار عليه حال تنظيم (القاعدة) في بلاد الرافدين ما عادت جماعاته تحوز الأهمية الكبيرة في مشهديَّة الصدام الأصولي مع وجود واشنطن في بلاد الرافدين· وكان ذلك قد وفَّر فرصة لجماعات أخرى أغلبها عراقي لأن تطلع إلى واجهة المشهد وتخاطب الرأي العام العراقي والعربي بل والدولي عن مشروعها المناهض· الجيش الإسلامي في هذا السياق، وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على انهيار نظام صدّام في نيسان / أكتوبر ،2003 أعلن (الجيش الإسلامي العراقي)، وهو جناح عسكري خليط من الضبّاط البعثيين والصدّاميين وعناصر عسكرية مُستبعدة عن الجيش العراقي الجديد، عن مشروع التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية في شأن العراق من دون شروط أو مسبقات· وعزَّز الجيش الإسلامي مقترحه ذاك بوضوح تنظيمي عندما أعلن عن اسم ناطقه الإعلامي (إبراهيم المشهداني)، وكان هذا الإعلان قد عُدَّ الأول من نوعه بعد أن ظلَّت كل الأسماء الشبيهة التي تُعلنها الجماعات المسلَّحة العاملة في العراق مجرَّد أسماء وهمية أو أسماء حركية· حتى اللحظة تُعد مُبادرة الجيش الإسلامي العراقي هي الأهم من نوعها لأنها الأكثر واقعية في مدخلها إلى الأجواء المتصادمة في العراق خلال الشهرين الجاري والماضي، لكنها كانت تفتقد إلى قدر من الاندفاع الحقيقي لتخفيف حدَّة العنف بالبلاد كونها لم تُطلق مُبادرة لوقف صور العنف أو التأثير الايجابي على مشهديته، وهي التجربة التي ربما كانت تضمر موقفا من شأنه الدعوة إلى الحفاظ على وحدة العراق، وهو العنصر الذي غاب عن المشروع الذي أعلنه دُعاة (دولة العراق الإسلامية) التي قدمت أنموذجاً شبيها بأنموذج تنظيم (القاعدة) من حيث التخفي وراء الوضوح في الرؤية والتعبير عنها، فقد أعلن ناطق ظهر على شاشة التلفاز من دون وجه مشخَّص عن تلك الدولة الافتراضية، ودعا العراقيين إلى مبايعة رئيس تلك الدولة وأسماه الأمير (أبو عمر البغدادي)· ورسم جغرافية دولته التي تضم أجزاء من المثلث السني العراقي منها كركوك وصلاح الدين والموصل وجزء من بغداد وأجزاء من محافظة بابل ولكن من دون محافظة الأنبار· الملاحظ على هذا المشروع أنه مشروع يرمي إلى تقسيم العراق إلى أجزاء على أساس مذاهبي، كما أنه يحاكي نظام طالبان من حيث أصوليته الدينية وحراكه السياسي، ويتنافى مع أكثر الرؤى واقعية تلك التي يريد دعاتها المحافظة على العراق موحدا، خصوصا وأن الرفض لنموذج هذه الدولة جاء، هذه المرَّة، من جانب (هيئة علماء المسلمين) لأنها تعتقد بأن وحدة العراق أحد أهم أركان مشروعها المناهض لمشروع واشنطن في العراق الجديد· وهو بالتأكيد مرفوض من جانب كل الكتل السياسية المشاركة في الحكم الجديد، فقد قال جلال الدين الصغير، عضو مجلس النواب العراقي، إنها هزيمة جديدة للإرهاب في العراق، بل ورُفضت من جانب غيرها من الكتل التي تعمل خارج هذا الحكم، فضلا عن الشعب العراقي برمته، وهو أيضا مرفوض من جانب تيار تنظيم القاعدة التقليدي في العراق الذي يسعى إلى الحفاظ على وحدة العراق كإمارة إسلامية كاملة يحكمها أهل السنة والجماعة وفق المذهب الحنبلي الذي تسعى القاعدة إلى بسطه في العراق قسرا· صحوة الأنبار ومع أن بعض هذه الرؤى يطرح مشروعه على نحو سريالي ينأى عن المعقول السياسي والمجتمعي، فإن رؤى أخرى بدت أكثر واقعية في حراكها، فأهل الأنبار الذين تحرَّكوا حسب صحوة جديدة لهم لطرد الجماعات المسلحة العراقية والعربية، الصدّامية والزرقاوية، وضعوا حدا واقعياً وعملياً وعقلانياً لمأساة ما عاشته تلك المحافظة من دمار وقتل لأبنائها خلال السنوات الثلاث الماضية، وكان مشروعهم الذي دخل حيز التنفيذ منذ شهرين، قد عُدَّ أحد أهم التوجُّهات الجديدة للمجتمع السُّني في العراق· ويعتقد المراقبون العراقيون والأمريكيون أن ما أقبل عليه الأنباريون في صحوتهم يعتبر تحولاً استراتيجياً على صعيد تحرير منطقة حيوية من غرب العراق من الجماعات المسلحة الراديكالية، وعلى صعيد تطبيع الوضع هناك والتوافر على إشاعة الأمن والاستقرار فيها· وفي محاولة لافتة من الرئيس السابق صدّام حسين، أعلن محاميه خليل النعيمي، عن دعوة العراقيين المسلحين، وتحديدا الصدّاميين أو مما يُسمى بفدائيي صدام، إلى التعامل العقلاني مع العمل المسلح· دعا صدّام إلى: أولاً: المقاومة ضد الغزاة حق وواجب لكنني أحض إخوتي في المقاومة الشريفة والشعب العراقي العظيم على أن يتوخَّوا العدل والنزاهة· ثانياً: أطالبهم بمسامحة من ضلوا الطريق وإبقاء باب التسامح مفتوحا حتى اللحظة الأخيرة· ثالثاً: لا تنسوا أن هدفكم يتمثل في تحرير بلادكم من الغزاة وأتباعهم وليس تصفية حسابات خارج هذا الإطار· رابعاً: تذكروا أن السلام لا بد أن يحل بعد كل حرب، وأن الوحدة تتحقق بعد كل غزو، والنصر على قوات الاحتلال محتم· خامساً: الشعب العراقي شعب موحد وغير مقسم يتألف من العرب والأكراد وفئات دينية متنوعة· سادساً: ضرورة مسامحة من أراق دماء أبنائكم وأخوتكم بما في ذلك أبناء صدام حسين· ودعا صدام في جلسة محاكمته صباح يوم الثلاثاء الموافق 18 أكتوبر الجاري إلى تجنب حرب طائفية في البلاد، وقال: نحن كعراقيين شعب واحد ولا أحد يشك في هذا حتى الجالسين في هذه القاعة، والجهة التي لها مصلحة التفريق بين هذا الشعب وتبحث عن الانفصال فيه هي الصهيونية· في ظل كل صور هذا الحراك ما زال العنف يحصد أرواح العراقيين بلا هوادة، ولعل تحرك المالكي نحو الأطراف الراعية للعنف الطائفي فيه الخلاص، لكن ذلك لا يبدو أنه سهل، خصوصا وأن أطراف عراقية كثيرة وأجيال ثانوية من قادة المليشيات ما زالت تستصعب التخلُّص من المليشيات بنزع أسلحتها؛ فمقتدى الصدر يبذل جهوده من أجل القضاء على فئات متطرِّفة في (جيش الإمام المهدي) التابع له، والمجلس الأعلى يتجه في هذا السبيل، ولعل زيارة المالكي إلى النجف للقاء المرجع الديني الأعلى علي السيستاني ولقاء مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري، والتي هي الثانية من نوعها في خلال شهرين مضيا، تعتبر القناة التي تصب في محاولة القضاء على سلطة المليشيات الراديكالية الشيعية المسلحة، وهي محاولة يبدو أنه تتوافق مع محاولة المالكي في دعم مشروع صحوة الأنبار والذي يُعتقد أنها فرصة لامعة أمام حكومة المالكي لتحقيق تقدم ملحوظ في العملية السياسية والأهم فيها تقويض العنف الدموي المستشري بالبلاد·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©