الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

أهالي الحديدة بين نيران الإرهاب الحوثي ومأساة التشرد

أهالي الحديدة بين نيران الإرهاب الحوثي ومأساة التشرد
1 ديسمبر 2018 00:14

رعد الريمي (عدن)

تسبب الإرهاب الذي تمارسه ميليشيات الحوثي الإيرانية، في نزوح عدد كبير من أهالي مدينة الحديدة، لأكثر من منطقة بحثاً عن الأمن والاستقرار، وخوفاً من تكرار سيناريو تعز التي أضحت أرضها تتزاحم بقبور الأبرياء من المدنيين، نتيجة الإرهاب الذي تمارسه الميليشيات الإنقلابية.

120 ألف نازح
وفقاً لتقرير صادر عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، فقد فاق عدد النازحين من الحديدة حاجز الـ121 ألف شخص إلى مناطق أكثر أمناً منها صنعاء والمحويت وعدن وغيرها من المدن.
ولاتزال موجة النزوح الإجبارية جراء نيران الانقلاب الحوثي مستمرة، تاركين خلفهم منازلهم وأرزاقهم وكل ما يمتلكون عرضة لأيادي النهب والفساد. وتجاوز تعداد الأسر النازحة من المحافظة 17 ألفاً و350 أسرة من شوارع وحارات المدينة والتي باتت تلفها الوحشة، ولا صوت فيها يعلو على أزيز الرصاص ودوي المدافع. واضطر الكثير من أرباب الأسر على البقاء في منازلهم خوفاً من تعرضها للنهب والسرقة، لاسيما أن العديد منهم لم يتمكنوا من اصطحاب ممتلكاتهم المنزلية بسبب الحفريات التي قام بها الحوثيون في مخارج المدينة تحسباً لدخول الجيش، فضلاً عن نصبهم للحواجز الترابية والحديدية.

نزوح إجباري
عائلة أبو هاشم إحدى العائلات التي أجبرتها الحرب على النزوح إلى قريتها بإحدى مديريات محافظة تعز تاركة منزلها في الحديدة بكل محتوياته، غادرت المدينة بعين دامعة وقلب مكسور مُدركة تماماً ماذا سيحل بها بعد النزوح.
تقول أم هاشم وهي تسرد قصتها بمرارة: «تركتُ بيتي وكل شيء فيه، تركت شقى العمر الذي جمعته طيلة عشرين عاماً، حرمت نفسي من أشياء كثيرة لأجل اصطحاب الضرورية منها وإلى الآن لم أستطع إخراج أي منها بسبب الحرب». وتضيف: «خرجنا بأنفسنا واستودعنا الله كل ما نملكه، ومثلنا فعل سكان الحديدة الآخرون».
سعدية، ابنة العائلة التي لطالما حلمت بالدراسة بكلية الإعلام أجبرتها الحرب على الفرار مع أسرتها وترك ما تبقى من حلمها. وتقول سعدية: «كنتُ مستعدة ومتحمسة للعام الدراسي الجديد ولكن الحرب حرمتنا منه، ولا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل».

هروب إلى الموت
ليس من السهل أن تُقرر أسرة النزوح في ظل ارتفاع أسعار الوقود إلى أسعار جنونية، وانخفاض قيمة العملة المحلية مقابل الدولار إلى 800 ريال يمني نتيجة لتدهور العملة الوطنية بشكل كبير. ومن سبق لهم النزوح أصبح شبح الفقر والجوع والمرض والضياع والموت يترصدهم في أماكن نزوحهم المتعددة.
الطفلة هند، قصة نزوح من وجع آخر، عاشت في الحديدة، تقاسمت مع أطفال المدينة مرارة الجوع والحرمان، وحين بدأت الحرب فيها قررت أسرتها كغيرها الفرار من الموت لتلقى الموت جوعاً في مكان آخر، كانت تظن أنه ملاذ آمن لها من حرب قد تحرق أجسادهم أو تنثرها أشلاء كما فعلت في مدينة تعز.
لتضحي الحرب والجوع شبحين يحاصران اليمني، فإن نجا المرء من الحرب يلتقفه الجوع والتشرد وقد يكون الموت أرحم له من العيش في خيمة والتضور جوعاً ومرضاً وضياعاً.
نزح الكثير من سكان الحديدة خلال الفترات الماضية إلى صنعاء، عانوا خلالها الأمرين، إذ وصل سعر الباص إلى 80 ألفاً غير المصاريف الأخرى، ولكثرتهم اكتظت بهم مدرسة أبو بكر الصديق، كما ارتفعت قيمة الإيجارات بشكل جنوني.

قرار العودة المُر
«الموت بالقذائف أرحم من الموت جوعاً»، بهذه العبارة بدأت عبير حديثها، وتضيف: «نزحت إلى صنعاء برفقة زوجي وابنتي بعد أن خلت حارتنا من السكان». وكانت عبير رافضة النزوح بشدة، راضية بما كتبه الله لها وللمدينة، غير أنها وجدت نفسها وحيدة في المنطقة وأرعبها دوي المدافع والقصف.
وتقول: «نزحت إلى صنعاء فوجدت الحرب أرحم من أن أرى طفلتي فطوم تموت جوعاً، وبعد أن وجدت الحياة صعبة في صنعاء قررت العودة والاستسلام للحرب، خصوصاً أن الحديدة اقتصادية نوعاً ما، والمواصلات فيها سهلة وأفضل بكثير من المدن الأخرى، كون سكان المحافظة يعيشون ببساطة، بعكس ما وجدناه في صنعاء أو غيرها في المدن الأخرى التي تم النزوح إليها، فالسكن فيها باهظ وهناك صعوبة بالحصول عليه، بل إنه معقد للغاية نتيجة لموجات النزوح الكبيرة، وما أمرُّ أن يُشرد المرء من الحرب بحثاً عن أمن واستقرار له ولأفراد أسرته فيجد نفسه في جحيم وضياع وموت وتجويع، محروماً من الدعم الإغاثي الذي تقدمه المنظمات الإنسانية العاملة في اليمن نتيجة لترصد ميليشيات الحوثي لها في مرفأ ميناء المحافظة ونهبها، تاركة بذلك المواطن الذي أتت من أجله يتضور جوعاً».
وزادت عمليات النهب هذه من معاناة النازحين على الرغم من أن هناك برامج تعمل عليها المنظمات جاهدة لحل مشاكلهم وتوفير ما يلزمهم من متطلبات النزوح كالفرش والبطانيات والسلال الغذائية والأدوية وغيرها.

انتهاك المقرات الدولية
أظهرت وسائل إعلامية، رسالة مسربة لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، وموجهة لقادة الميليشيات الإرهابية، تظهر حجم الانتهاكات الأخيرة التي قامت بها الميليشيات في محافظة الحديدة. وأوضحت الرسالة قيام الحوثيين باستغلال منشآت البرنامج لأغراض عسكرية وهو ما يُعد خرقاً للقانون الدولي الإنساني.

تشرد ومعاناة
عائلة العليفي، إحدى العائلات النازحة إلى مدينة عدن، كانت تظن أن الهواء فيها ملون كما تغنى بها الشاعر اليمني الكبير عبدالله عبدالوهاب نعمان وغيره كثيرون، غير أنها لم تجده. ووجدت هذه الأسرة قبل مغادرتها الحديدة مكرهة صعوبة في توفير 150 ألف ريال وهي تكاليف النقل، فاضطرت إلى بيع عربة كانت مصدر دخلهم الوحيد، بل باعت أسطوانة الغاز وبعض أغراضهم لأجل النجاة بأرواحهم، وما أن اكتمل المبلغ غادرت المدينة مسرعةً إلا أن أفرادها وجدوا أنفسهم يموتون بشكل آخر في مخيمات النازحين، بسلاح الجوع والضياع والفقر الشديد، وإهمال المنظمات والمؤسسات المتخصصة بخدمة النازحين، ليقرروا بعد شهر من نزوحهم العودة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©