الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محاكمة مبارك: المغزى والعبر

19 أغسطس 2011 23:16
شعرت بتناقضات عديدة عند مشاهدتي الرئيس السابق حسني مبارك مع نجليه علاء وجمال في قفص الاتهام خلال الأسابيع الماضية. وقد دار في رأسي شريط طويل من التاريخ المصري والعربي. تساءلت وأنا أمام التلفزيون: هل هذا معقول؟ ثم تداركت قائلاً: ألا يستحق الشعب المصري أن يحاكم من أخطأ في حقه؟ فكرت للحظة في كل من سُجن ظلماً في عهد مبارك لمجرد إبداء رأي أو قول كلمة. فكرت في كريم عامر الطالب الجامعي والمدون المصري الذي تعرفت عليه أثناء قيامي بدورة تدريبية في مصر عام 2006 وكان في العشرين من عمره. ثم ما أن انتهت الدورة ومرت بضعة أسابيع حتى اعتقل بتهمة الإساءة لمبارك وازدراء الأديان في مقال كتبه في مدونته. وقد سُجن كريم في عهد مبارك أربع سنوات ونيف مر خلالها بصنوف من الإهانة والحرمان والحبس الانفرادي، كل ذلك لأنه كتب مقالاً في مدونته. ثم وجدت نفسي أعود بذاكرتي إلى الدعوات الشهيرة التي وجهتها مكتبة الإسكندرية في عاميْ 2003 و 2004 حول الإصلاح في العالم العربي. وكانت دعوات علنية هدفها حشد الرأي العام المصري والعربي لصالح الإصلاح. وهكذا قلت لصديق مصري كان أول من وجه إلي الدعوة للمشاركة «إنني لست متحمساً لهذا المؤتمر، إذ يبدو أن الجدية تنقصه». فأردف صديقي قائلاً: «إنها دعوة حقيقية. تعالَ وسترى وضعاً مختلفاً». حضرت مؤتمر الإصلاح لأرى حديثاً عن الإصلاح بقي في جله على ورق، بل على العكس سارت مصر في الاتجاه المعاكس للإصلاح الذي وعد به الرئيس السابق. وكان عقد المؤتمرات جزءاً من عملية تمويه مارستها بعض الأنظمة بهدف تخفيف الضغوط الدولية والأميركية وتأمين موازنات الدعم من الكونجرس الأميركي. وما أن انتهت ضغوط عهد بوش الابن في السنوات من 2002 حتى 2004 حتى تراجع النظام في مصر عن الإصلاح. وبينما الرئيس ونجلاه في المحكمة، جاءني اتصال من صديق ينبهني إلى ضرورة فتح التلفزيون لرؤية المحاكمة. وإذا بنا نتحدث عنها. سألني: ما رأيك في المحاكمة؟ فكرت قليلاً ثم قلت له: «ليته أصلح عندما قال إنه سيصلح، لربما كان سيتحول إلى الأب الروحي للإصلاح في مصر والعالم العربي. لو فعلها لكان تفوق على ناصر والسادات مجتمعين». لكن صديقي أردف: «القادة العرب مختلفون، وهم ليسوا مثل خوان كارلوس أو قادة البرازيل والأرجنتين العسكريين. يصعب أن يبرز بين القادة العرب من هو بمواصفات غورباتشوف أو مانديلا». ثم أردف صديقي: «لا أقصد كل واحد منهم، لكن هذا حال الأغلبية كما ترى». وأنا أشاهد مسلسل المحاكمة تذكرت سلوكيات النظام المصري المتشابهة مع كثير من الأنظمة العربية السلطوية. فمبارك ومعه ابنه جمال ومعهما وزير الداخلية حبيب العادلي اعتقدوا أن تشديد القبضة الأمنية والحد من أنشطة الوسطيين والمعتدلين والأحزاب المستقلة سيساعدهم على تفادي مصير أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية. وما لم ينتبه إليه مبارك هو أن ضرب القيادات الوسطية أفقد الوسط السياسي كل مصداقيته وساهم في ثورات بلا قيادات. ومن سخريات الوضع أن عمر سليمان عندما أراد أن يتفاوض مع من يمثلون الميدان والثوار لعقد صفقة إنقاذ لم يجد من يتفاوض معه، مما ساهم في استمرار الثورة وصولاً لسقوط النظام. وهكذا سقط النظام من جراء سياساته قصيرة النظر. تساءلت: هل تشعر المحاكمة المرشحين للرئاسة في مصر بمدى مسؤولية الكرسي الرئاسي ومدى زواله؟ ربما تضع المحاكمة ضريبة مختلفة على كرسي الرئاسة؟ نعم كانت محاكمة أليمة في جانب إنساني يتعلق بمبارك ونجليه ولكنها قد تبدو للبعض ضرورية للانتهاء من مرحلة والبدء في أخرى. وربما تكون في المحاكمة إشارة إلى أن مرحلة تاريخية انقضت وأخرى جديدة قد بدأت أساسها دولة القانون وهيبة القضاء ومسؤوليات كرسي الرئاسة. شفيق ناظم الغبرا - كاتب كويتي ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©