الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاقتصاد الألماني... وتداعيات التباطؤ

19 أغسطس 2011 23:16
تباطأ الاقتصاد الألماني، الذي يعد الأفضل أداء في أوروبا، إلى درجة الجمود تقريباً خلال الثلاثة أشهر الأخيرة، وذلك حسب الأرقام الصادرة يوم الثلاثاء الماضي، وهو ما يشكل ضربة أخرى قوية للجهود الدولية الرامية إلى احتواء الأزمة المالية المستعرة في القارة الأوروبية. وقد جاءت هذه الأنباء غير المشجعة قبل ساعات قليلة على اللقاء الذي جمع المستشارة الألمانية، بالرئيس الفرنسي ودعوتهما معاً إلى تنسيق أوروبي أوثق في وضع السياسات الاقتصادية واتخاذ خطوات مشتركة لضمان انضباط الحكومات في الإنفاق بعدما أدت ممارساتهم المتراخية في التعامل مع الموازنة إلى اندلاع أزمة الديون المستفحلة. وخلال اللقاء في باريس، سعى ساركوزي وميركل إلى معالجة التحديات التي طالما أثقلت كاهل الدول الأوروبية الـ 17 المنضوية تحت منطقة "اليورو"، فهم رغم استخدامهم لعملة موحدة، يفتقدون الإشراف المشترك على السياسات الضريبية والممارسات الإنفاقية، وهو ما يترك الجزء الأكبر من القارة عرضة للإخفاقات المالية للدولة المنفردة. لذا اقترح الطرفان، لتصويب هذه الاختلالات، تنسيق البلدان الأوروبية لسياساتهم النقدية والضريبية وتبني ضريبة جديدة على المعاملات المالية والالتزام بضبط مسؤول وجيد للموازنات في محاولة للحد من الإفراط في الإنفاق والاستدانة المبالغ فيها، فضلًا عن اقتراح خرج به الطرفان يدعو إلى إنشاء مجلس اقتصادي للقادة يلتئم على الأقل مرتين في السنة، لكن الأخبار التي وردت بعد اللقاء لم تحمل في طياتها أي إيجابيات بعدما واصلت أسواق الأسهم في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو انحدارها، لا سيما بعد الكشف عن توقف النمو في ألمانيا. وكان التباطؤ المفاجئ الذي ضرب أكبر اقتصاد أوروبي جاء في وقت يُتوقع فيه من ألمانيا التدخل لتمويل جزء مهم من الديون المستعجلة الممنوحة لجيرانها المتعثرين مثل اليونان وإيرلندا والبرتغال، علماً أن المساهمة الألمانية في إنقاذ الدول الأوروبية لا يحظى بالشعبية في الساحة الداخلية، كما أن مشاكلها الاقتصادية قد تصعب مهمة السياسيين لإقناع الداخل بضرورة تقديم المزيد من المساعدات في حال تعمقت أزمة الديون الأوروبية أكثر. والمشكلة أن الأرقام الجديدة بشأن الاقتصاد الألماني تثير العديد من التساؤلات حول قدرته على الاستمرار كقاطرة رئيسية لدفع النمو الذي اعتقد المسؤولون في أميركا وغيرها أنه سيخرج أوروبا من الأزمة ويعيد الاقتصاد إلى مرحلة التعافي. فمع أن الاقتصاد الألماني نجح في الارتداد إلى عافيته خلال الركود الاقتصادي الأخير، إلا أن ذلك النمو الذي وصل إلى 5.3 في السنة كان نتيجة انتعاش الصادرات التي شهدتها مرحلة ما بعد الركود. هذا الانتعاش الذي أكد المحللون أنه غير قابل للاستمرار لتبقى حقيقة الوضع الألماني متمثلة في الاستهلاك المحلي الضعيف وجمود الرواتب وشيخوخة السكان باعتبارها العناصر الأساسية المسؤولة عن انكماش الاقتصاد، وهو ما يؤكده "توماس ماير"، الخبير الاقتصادي ببنك "دودش بنك" قائلاً :"النمو في ألمانيا ليس قوياً، ومن الخطأ الاعتقاد بأن ألمانيا ستعود قاطرة أوروبا الاقتصادية، فتلك لم تعد فكرة مطروحة حاليا". وحسب التقرير الصادر على المكتب الفيدرالي للإحصاء بألمانيا، يظل ضعف الاستثمار والاستهلاك الداخلي أهم العوامل التي تقف وراء التباطؤ الاقتصادي، والأمر أكثر إحباطاً بالنسبة للمسؤولين الأميركيين الذين كثيراً ما حثوا ألمانيا على تشجيع الاستهلاك المحلي. لكن الأرقام السلبية لم تقتصر على ألمانيا لوحدها، بل امتدت إلى مجمل منطقة "اليورو"، التي أشارت الأرقام الصادرة يوم الثلاثاء الماضي أن النمو خلال الربع الثاني من العام الجاري لم يتجاوز 2.0 في المئة نتيجة برامج التقشف الحكومية وتباطؤ النمو الاقتصادي على الصعيد العالمي. كما أن فرنسا التي تعد ثاني اقتصاد أوروبي سجلت تراجعاً في النمو خلال الأسبوع الماضي، ورغم التدابير الأخيرة التي أعلن عنها القادة الأوروبيون لدعم اليونان وحماية عملتهم الموحدة، استمر هبوط مؤشرات سوق الأسهم. ومع أن الأزمة الأوروبية الحالية تحركها ظاهرياً المستويات العالية من الدين الحكومي والعجز في الموازنات السنوية، إلا أن أسبابها العميقة تعود إلى بطء النمو الاقتصادي، لا سيما بالنسبة لدول مثل إيطاليا وإسبانيا، التي تسعى جاهدة للتوسع السريع لتمدد قاعدتها الضريبية والوفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين وحاملي الأسهم. ولئن كانت ألمانيا قد مرت هي الأخرى من مرحلة الركود حتى قبل الأزمة الحالية وكان يضرب بها المثل في الرواتب العالية والالتزامات الاجتماعية السخية للدولة تجاه المواطنين، فضلًا عن تحدي استيعاب ألمانيا الشرقية، إلا أنها استطاعت الخروج من جمودها بمراجعة شاملة لقوانين العمل والضرائب وفرض نفسها كقوة منافسة على الصعيد الدولي. هذا في الوقت الذي استفادت فيه شركاتها من الطلب الصيني وباقي الدول الناشئة على بضائعها المصنعة ذات الجودة العالية. وفي ظل الصعوبات الاقتصادية التي تشهدها ألمانيا، وتراجع النمو لا يتوقع المراقبون أن تجازف المستشارة ميركل بإقرار خطة جديدة لإنقاذ الدول المتعثرة خوفاً من ردة فعل الرأي العام السلبية، حتى وإن كان ذلك سيبعث برسالة غير مطمئنة إلى الأسواق المالية ما قد يعمق من خسائرها، ويكبد البنوك التي استثمرت في تلك الأسواق أضراراً بليغة. هوارد شنيدر كاتب أميركي متخصص في الشؤون الاقتصادية ينشر بترتيب خاص مع خدمة »واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©