الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحجّار.. مهنة تكشف أسرار البدايات مع الزخارف والنقوش

الحجّار.. مهنة تكشف أسرار البدايات مع الزخارف والنقوش
16 أغسطس 2013 20:28
رأت العرب أن النقش على الحجر عمل صعب يحتاج إلى جهد، وهو ما يفصح عنه المثل العربي الشهير «التعليم في الكبر كالنقش على الحجر»، ويحتل فن نقش الحجر بالزخارف مكانة رفيعة بين أفرع الفنون الإسلامية التطبيقية، خاصة في المناطق التي تتوافر فيها الجبال ومصادر الأنواع السهلة التشكيل من الأحجار أو تندر فيها وديان الأنهار التي توفر المادة الخام للطوب الأحمر أو الآجر. د. أحمد الصاوي (القاهرة) - نشأت في العديد من المجتمعات الإسلامية مهنة الحجار، والتي يقوم من يعملون بها بتقطيع الأحجار ونحتها وتهيئتها لاستخدامات المعمار ثم تنفيذ الزخارف والنقوش عليها. ويطلق أهل الصنعة على الأحجار المشذبة تسمية «حجر فص نحيت»، إشارة لصغر الحجم، كما لو كانت قطعاً من الأحجار الكريمة، بينما يشار إلى الأحجار غير المهيأة لذلك بأسماء متعددة مثل الحجر الغشيم أي غير المشذب والحجارة العجالي، ويقصد بها أحجار البناء الضخمة المشذبة، والتي كانت تجر من مناطق المحاجر بواسطة الأبقار. وتحفل المباني والمتاحف العالمية بروائع فن نقش الحجر، والتي تعود بشكل رئيس لكل من مصر، والشام، وتركيا، والهند، وشمال أفريقيا، والأندلس، ونرى موضوعات زخارف الأحجار متماثلة لحد كبير مع ما حفلت به الفنون الإسلامية من أنواع الزخارف النباتية والهندسية والكتابات فضلاً عن أمثلة محدودة لرسوم الكائنات الحية وتفردت الأحجار بأنها أول مادة احتضنت عنصر المقرنصات التي تلعب دوراً وظيفياً وزخرفياً قبل أن تصبح هذه المقرنصات عنصراً زخرفياً ينفذ في الأخشاب وفي الخزف. تصاميم زخرفية وتتم زخرفة الأحجار غالباً بأحد أسلوبين، أولهما الحفر المباشر سواءً كان عميقاً غائراً أو مائلاً، وهو ما يعرف باسم النقش وأسلوب «التلبيس» أي الجمع بين نوعين من الحجر، اعتماداً على تباين الألوان. وتعد واجهات المباني الميدان الرحب لفن النقش على الحجر، ويقوم الحجارون بعد تثبيت أحجار البناء بالحفر المباشر على أسطحها، وفق تصاميم زخرفية أعدت سلفاً، وجرى تخطيطها على السطح. ونستطيع أن نرى تجليات فن النقش على الحجر في عمائر السلاجقة بالأناضول، حيث عمد الفنانون إلى استخدام الزخارف الهندسية في زخرفة واجهات المنشآت وإن لم تخل من بعض زخارف الكائنات الحية الخرافية ولا سيما التنين الذي يرمز للحماية في الأساطير الآسيوية ويعتبر نقش هذا التنين على بوابة الطلسم ببغداد من أقدم وأشهر هذا النوع من النقوش في عمارة السلاجقة. لون الحجر وشاعت في عمائر المماليك بمصر والشام تقنية استخدام الزخارف الحجرية الملبسة في الرخام، وفي هذا النوع من الزخارف يقوم الحجار بحفر بعض الزخارف في الحجر حفراً شديد الغور ثم يقوم بوضع قطع من الرخام الملون في هذه الزخارف المحفورة، وعادة يتم اللجوء لهذا الأسلوب للحصول على ألوان تخالف لون الحجر، ومن أجمل هذه الأعمال البديعة ما نشاهده بواجهة مدرسة السلطان حسن بالقاهرة من رسوم هندسية نفذت بأسلوب التلبيس، وكذلك نقوش الحجر الملبس والتي نفذت بكل براعة وإتقان في القبة الحجرية الصغيرة التي تتوج دركاة الدخول بمدرسة السلطان حسن، وهي تبدو على هيئة نجمية بسيطة. وتعد أعتاب الشبابيك من المناطق الأثيرة لدى الحجارين، وهي عبارة عن كتل حجرية تعلو فتحات الشبابيك، ومن أروع أمثلتها أعتاب شبابيك واجهة مسجد الرفاعي بالقاهرة، حيث عمد الفنان على حفر زخارف التوريق العربية أو الأرابيسك حفراً غائراً في الحجر مع استخدام الزخرفة الهندسية أيضاً. خلايا النحل وقد ارتبط تطور فن نقش الحجر في الفنون الزخرفية الإسلامية بظهور المقرنصات في العمارة السلجوقية ثم في عمارة المماليك، ويشبه المقرنص الواحد إذا أخذ مفصولاً عن مجموعته محراباً صغيراً أو جزءاً طولياً منه، وتستخدم المقرنصات في صفوف متراكبة مدروسة التوزيع والتركيب حتى لتبدو كل مجموعة من المقرنصات، وكأنها خلايا النحل تجمع بينها خطوط متناغمة. وقد استخدمت المقرنصات وظيفياً لمعالجة الانتقال بين الأسطح المستوية، وتلك الأسطح ذات الانحناءات مثلما نرى في طواقي المداخل والمحاريب وفي مناطق انتقال القباب بين القاعدة المربعة ومثمن القبة وأسفل الشرافات التي تتوج الجدران الخارجية. وإذا كانت مقرنصات هامات الجدران يتم تشكيلها بالنحت في الأحجار، فإن المقرنصات التي تشبه الدلايات في المداخل بوجه خاص يجري نحت كل مقرنص منها على حدة، ثم يعاد تركيبها مع الفواصل الطولية في عمل هندسي رياضي شديد التعقيد. وعلى الرغم من الاعتراف بأن الغرض الرئيس من استخدام المقرنصات وظيفي فإنها تمنح نفسها شكلاً جمالياً بالغ الروعة ومثيراً للإعجاب، ولعله أبلغ مثال على تطبيقات الهندسة في مجال الفنون الزخرفية. القباب الحجرية وكما احتضنت مناطق انتقال القباب المقرنصات كانت خوذات القباب من الخارج مسرحاً لإبداعات الفنان المسلم في النقش على الحجر، ففي القباب الحجرية لم يستسلم الفنان لمظهر الحجر الأصم بل حاول منذ وقت مبكر أن يدعمه بروح زخرفية مميزة. وقد بدأ ذلك باعتماد القباب الحجرية المفصصة مثلما نرى في قباب جامع القيروان التي شيدت في منتصـف القـرن الثالث الهجري (9 م)، ثم بدأ الفنانون التعامل مع الأسطح الكروية الملساء باعتبارها صفحة منشورة في الســماء الزرقـاء لتسجل عليها شتى أنواع الزخارف المعروفة في الفنون الإسلامية. وتعتبر مدينة القاهرة أكثر المدن الإسلامية امتلاء بالقباب الحجرية المنقوشة، وتنتمي هذا القباب لعصر المماليك، ويبدو واضحاً أن الحجارين كانوا يصعدون إلى تلك القباب بعد تشييدها ليقوموا بحفر الزخارف حفراً مباشراً، ولعلَّ مطاوعة الأحجار الجيرية لأعمال الحفر بها كانت الحافز الأكبر لانتشار هذا النوع من النقوش الحجرية. وكانت الزخارف الهندسية هي الأسبق في الظهور، وبدأت بزخارف الخطوط المنكسرة وصولاً لزخارف الهندسية المركبة التي تجمع بينها وبين الأشكال النجمية والمتعددة الأضلاع. ومن هذا النوع قبة مسجد قايتباي المحمدي بحي القلعة بالقاهرة، وعلى الرغم من بساطة زخارفها الهندسية، فإن الظل والنور في فترات الصباح الباكر وما بعد العصر يعززان جمالها بصورة كبيرة. إعجاب الرحالة وهناك مجموعة من القباب المملوكية التي ازدانت برسوم الزخارف النباتية المعروفة باسم الأرابيسك، وقد أثارت على الدوام إعجاب الرحالة الأوروبيين الذين أكثروا من رسمها في لوحاتهم. ومن أجمل هذه القباب التي نفذت زخارفها بالحفر المباشر قبة مدرسة قايتباي بالقرافة وقبة مسجد قانيباي الرماح بميدان القلعة بالقاهرة وقبة مدرسة خاير بك في حي باب الوزير. ومما يعزز من القيمة الفنية لتلك القباب الحجرية المنقوشة أنها غالباً ما احتوت عند مبتدأ الرقبة فيها على شريط كتابي بخط الثلث، يضم آيات من القرآن الكريم مع نص إنشائي يشير لاسم المشيد وتاريخ البناء.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©